صحفي أميركي عاش في بغداد طويلا: السياسة في العراق لعبة قذرة وابطالها اشبه بالمافيات

واشنطن -“ساحات التحرير”

يحذر صحفي أميركي كان يشغل مؤخرا منصب رئيس مكتب بغداد لصحيفة لوس انجليس تايمز، من الفوضى السياسية المقبلة في العراق، ويقول إن المعركة السياسية بين المالكي والهاشمي تؤكد كيف أن مختلف الأطراف قد فشلت في الاتفاق على عقد اجتماعي جديد.

ويضيف نيد باركر أنه رغم أن الولايات المتحدة ما زال لديها نفوذ في العراق، فإنها تبدو عازفة عن استخدامه. ويرى أن “الشيء الوحيد الذي ربما سيدفع كل من الجانبين تقديم تنازلات هو الخوف من الفوضى”، كما يقول.

الصحافي نيد باركر متحدثا في احد الاجتماعات السياسية

جاء ذلك في حوار أجراه موقع مجلس العلاقات الخارجية الاميركي مع الصحفي الاميركي الذي شغل منصبه في العراق منذ 2003 وهو نيد باركر الذي أبدى العديد من الآراء بصدد تجربته غير القصيرة في بغداد ومناطق العراق. ورد على العديد من الأسئلة بصدد الوضع العراقي الشائك. وجاء في اللقاء بصدد الأزمة الأخيرة اثر إصدار مذكرة الاعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي: “بعد إصدار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مذكرة اعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، هناك احتمالات للفوضى. وهناك فراغ سياسي. فاثر انسحاب القوات الأمريكية، يرى قادة مثل المالكي إلى أي مدى يمكنهم دفع قوتهم. ويرتاب رئيس الوزراء المالكي بشدة بنائب الرئيس، ويراه سنيا متطرفا، وقال انه يريد القضاء عليه أو إضعافه. وبمجرد أن أصبح الأمريكان خارج الباب ، انتقل إلى إلقاء القبض عليه. انه اختبار للسلطة.

وردا على سؤال حول توقعاته بما يحدث في حال رفض الهاشمي العودة الى بغداد من دون إلغاء مذكرة التوقيف قال باركر: ان من المستحيل معرفة ما سيحدث. لا احد من اللاعبين السياسيين يثق بالاخر. ويعدون السياسة لعبة محصلتها صفر. وهم أسرى للماضي بحيث ينظرون إلى معارضيهم ليس فقط خصوما سياسيين يمكن حملهم على الخروج من مناصبهم، ولكن بوصفهم أناس قد يقتلونهم أو يسجنونهم, بحيث يجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط. وليس هناك في العراق من يحوز على كامل القوة في العراق، لا رئيس الوزراء ولا المعارضة، وهو ما يجعل من الصعب على أي فريق تحقيق الفوز. هذا أيضا خطير لأنه يخلق فراغا ليس واضحا فيه كيف يمكن لأي احد ان يتراجع ، كما أنه فراغ يوفر مساحة للجماعات المسلحة والمتطرفين لاستغلاله في محاولة لخلق حالة من الفوضى.

ويرى باركر أن المضي قدما في الأمور، لان لا احد يستطيع الفوز حقا، يعني أن من المرجح ان جميع الأطراف سيجد سبلا لإيجاد حلول ترقيعية غير جذرية للازمة الأخيرة ، لكن رئيس الوزراء سيشعر بأنه قد ظهر أكثر قوة. وما تحققه العراقية أو ما تكسبه أمر غير واضح. الشيء الوحيد الذي ربما سيدفع كلا من الجانبين إلى تقديم تنازلات هو الخوف من الفوضى.

ويصف باركر السياسة في العراق بأنها “لعبة قذرة، وأحيانا يبدو أن القادة هم مثل من طراز “العراب” ، مجموعة من العائلات الإجرامية المنضوية تحت جنح بعضها. فالصدريون لم يحبوا المالكي قط والأخير لم يحبهم ولكنهم رأوا أنه يمكن أن يكون هناك زواج مصلحة متبادلة ، وتلك حقا طبيعة العلاقة بينهما”.

ويضيف: في العام 2008 ، كان المالكي قادرا على أن ينظر إليه باعتباره شخصية وطنية لأنه أمر قواته بالهجوم على التيار الصدري. في العام 2010، بعد الانتخابات، عقد معهم صفقة تمكن عبرها من البقاء في السلطة. في مقابل ذلك، تلقى الصدريون وزارات مربحة ماليا. كان لديهم أعضاء في حركتهم سجنوا لارتكابهم جرائم عنف، وحصلوا على عفو على الرغم من عدم وجود أي أساس قانوني للعفو بهم. وعند سماع رئيس كتلة الصدر النيابية، بهاء الاعرجي، وهو يصرح بالدعوة لانتخابات جديدة، فالأمر لا يعدو قعقعة لنرى ما الشيء الذي يمكن أن يحصل الصدريون عليه من المالكي.

وعلق الصحفي الاميركي على ما قاله الرئيس أوباما، اثر اجتماع مع المالكي في البيت الأبيض، حين وصف العراق بأنه “ذو سيادة ، ودولة تعتمد على نفسها وديمقراطية”، بالقول: انها فذلكة الخطاب السياسي ، تماما كما التصريحات التي تقول إن هذه الإدارة الحالية خسرت العراق. فأنا لا أعتقد بأن أميركا قد كسبت قط في العراق، وعما اذا كان العراق سيكون مستقرا فانه أمر سيكون محددا في هذه الفترة المقبلة. ولكن ما نراه الآن من معركة سياسية بين رئيس الوزراء المالكي ونائب الرئيس الهاشمي ان هناك الكثير مما يلزم القيام به، وكيف أن الجانبين لم يتفقا بعد على كل عقد اجتماعي جديد ، وكيف أنهم لا يزالون يخوضون كثيرا حروب الماضي، وكيف أن هناك إمكانية لهذه الصراعات لكي تتفجر عنفا إذا لم تكن الأطراف حذرة. انه تهديد حقيقي وخطير للغاية.

هل يحظى المالكي بشعبية؟

ردا على هذا السؤال أجاب باركر أن المالكي خسر شعبيته لان حكومته أخفقت في الوفاء بتعهداتها. ينظر معظم العراقيين إلى سياسييهم بوصفهم طبقة فاسدة، فشلت في توفير الأمن وفرص العمل، وتحسين الخدمات. ولم يكن المالكي قادرا على فصل نفسه عن هذه الظاهرة.

وبشان نفوذ الولايات المتحدة هناك منذ رحيل قواتها قال باركر: لدى أميركا نفوذ في العراق ولكن، من الواضح ، انه نفوذ أقل من السابق ، نظرا إلى أن قواتها قد انسحبت، ولكن مازال لدى أمريكا قوة ناعمة من مبيعات الأسلحة إلى العراق، وحاجة قوات مكافحة الإرهاب العراقية للعمل مع القوات الخاصة الأميركية. ثم هناك مسألة مساعدة أميركا للعراق بشان الاستثمار واسهام الشركات الأجنبية في هذا الشأن، وقضية خروج العراق من حالة الفصل السابع في الأمم المتحدة، والذي يمنع العراق من امتلاك سيادته الكاملة لان العراق ما زال يدفع تعويضات إلى الكويت. لذلك هناك العديد من الطرق التي يمكن للولايات المتحدة مساعدة العراق.

ويضيف باركر: من حيث التأثير والنفوذ، فتلك مسألة تتعلق بكيفية استخدام أميركا للنفوذ، وكيفية تعزيزه. فحتى عندما كانت لأميركا قوات في العراق، كانت الولايات المتحدة، ولاسيما في السنوات الثلاث الماضية، مترددة جدا في استخدام نفوذها أو الوصول به إلى أقصى حد. نعم. ساعدت الولايات المتحدة على تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية في العراق، وهذا مثال على تأثيرها، وحتى في الأيام الأخيرة رأيت أن المالكي قد اجتمع مع الرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات المركزية، الجنرال ديفيد بتريوس، والتقى مع الجنرال ريموند اوديرنو الذي هو رئيس أركان الجيش الأميركي. ومازالت أمريكا لاعبا، وتتعلق المسألة بالكيفية التي تريد من خلالها واشنطن استخدام قوتها الناعمة.

ويتابع باركر: يمكن لأميركا أن تتخذ موقف من يرى وجوب عدم التدخل، وان الامر يتعلق بقرارات على العراقيين اتخاذها، وهو ما يحدث بالفعل في بعض الأحيان. بمعنى من المعاني ، سياسة أميركا فصامية لأنه، في تشرين الثاني العام2010 ، ساعدت أمريكا ساعد في التوسط في صفقة تشكيل الحكومة الحالية، ولكن بعد ذلك تراجعت عن ضمان تنفيذ تطبيقاتها. لا ينكر ان هناك حدودا لما بوسع أي بلد القيام به لضمان تنفيذ اتفاق داخلي في بلد آخر، ولكن أميركا لعبت في كثير من الأحيان دورا في اختيار الفائزين والخاسرين في العراق، وبمعنى ما زالت تفعل ذلك من خلال دعم المالكي. ولذا تقول أميركا من ناحية: “أوه ، لا نستطيع التدخل، هذه قرارات يتعين على العراقيين اتخاذها”، ولكن من ناحية أخرى، تقوم أمريكا بأشياء مثل المساعدة في التوسط بعقد الصفقة التي تشكل الحكومة.

وبخصوص اتفاق اربيل الذي كان يفترض بموجبه أن يحصل رئيس الوزراء السابق اياد علاوي زعيم كتلة العراقية على منصب رئيس مجلس السياسات، قال الصحفي الأميركي: إن الكتلة العراقية هي ائتلاف واسع جدا، وكل واحد في كتلة علاوي حصل على موقع معين، وقد وضعه ذلك في وضع غير مؤات. لكن الآن نائب الرئيس يواجه تهمة قد تفضي به إلى السجن، وهناك نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، الذي يحاول رئيس الوزراء إزاحته عن السلطة التنفيذية. العديد من كبار أعضاء القائمة الذين يمتلكون أتباعا لها مناصب مهمة رئيسية في الحكومة، ذلك ما كان عليه الحال في تشرين الثاني الماضي عندما تم التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة، وكان من المفترض أن يحصل علاوي على منصب رئيس المجلس الاستراتيجي للسياسات العليا.

واختتم الصحفي الأميركي حواره بالقول إن “حضور علاوي متقطع في العراق، ولكن المالكي عمد إلى تهميشه أيما تهميش. وقال علاوي انه لا يريد منصبا في السلطة لان رئيس الوزراء ليس صادقا في إعطائه له. يقول بعض النقاد إن علاوي لم يكن قادرا على استخدام نفوذه الشعبي لضمان منصب حقيقي في الحكومة. إن السجال يتعلق فيما إذا كان علاوي لاعبا فعالا أم لا، سواء استلب المالكي بريقه، أو كان هو أسوأ عدو لنفسه.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *