صبنا الكلدانية صراع من اجل ديمومة الهوية القومية


اثناء تواجدي في الوطن العراقي الذي اجسده وأجده في بلدة اسمها القوش

وهي محطة لكي انطلق منها الى اماكن اخرى من الوطن ، ومنها انطلقنا

قبل حوالي اسبوعين الى اينشكي لقد كانت سفرة ممتعة ليس الى نسيانها

سبيل ، الطريق يمتد امامنا وينساب بين الجبال والوديان وترتفع نحو

السماء أشجار الصنور والسرو والتوت والجوز واللوز ، وتزدهر بوردها

الجميلة اشجار الرمان الباسقة .. وقد ذكرني الطريق من القوش الى دهوك

عبر باعذرني ومن ثم زاويثة وسولاف وسوارارا توكة وايشاوا وسرسنك

وأخيراً اينشكي ، الجميلة بخضارها وكهفها الطبيعي التراثي الجميل

وشلالها وينبوع مائها الطيب .


كانت ثمة جاذبية كبيرة تشدني الى زيارة المنطقة فالحنين يحفزني

ويغريني للانطلاق ، فكنت اشد الرحال كل صيف ، وكانت بمجملها اياماً

جميلة حينما كنت أتوجه الى المنطقة سنوياً من مدينة البصرة ، إن هذه

الجبال والوديان في تلك السفرات السياحية كانت بدورها تذكرني بأيام

الشباب حيث كنا نسلك تلك الطرق والمسالك الضيقة ليلاً ونهاراً سيراً

على الاقدام ونحن نحمل اسلحتنا وعتادنا مع المنظار ( المقراب ،

الدوربين ) وزمزمية ( مطارة ) الماء وكسرة خبز وبضعة قطع من التمر

(قزبي ) ، ونقف على اهبة الأستعداد لأي موقف طارئ .


أجل هذه هي الحياة يوماً قدمت الى هذه المنطقة حاملاً السلاح وآخراً جئت

اليها مع عائلتي بسيارتي الجميلة وأنا اسرح بين هذه الجبال بسرعة دون

ان افكر بأن هنالك معركة متوقعة في اية لحظة ، بل نبحث عن مطعم

نتناول فيه اكلة الكباب الشهية ، واليوم أنا متوجه الى هذه المنطقة برفقة

زملاء من منظمة الحزب الديمقراطي الكلداني في القوش وبدعوة من

المنظمات الكلدانية في صبنا ، أجل هذه هي الحياة في فترة الشباب كنت

احمل بندقية وأنا انتقل بين الشعاب الوعرة والقمم العالية ، وبعدها قدمت

للمنطقة وأنا برفقة عائلتي في سفرة سياحية ، واليوم نخوض غمار

السياسة بغية تثبيت حقوق شعبنا الكلداني على ارضه ووطنه العراقي .


في سهل وادي صبنا حوالي 18 قرية معظمها يعيش فيها شعبنا الكلداني ،

والوادي عبارة عن امتداد منخفض اخضر جميل في تربة خصبة صالحة

للزراعة مع وفرة الماء ، ويمتد من عمادية شرقاً الى تخوم مانكيش غرباً

، ويستقبل هذا المنخفض المياه العذبة الناجمة عن ذوبان الثلوج من على

جبلي كارا الى الجنوب وجبل متينا الى الشمال الذي تستمر سلسلته الى

تخوم ايران في الشرق . ويورد الدكتور ساندرس في كتابه (المسيحيون

الآشوريون ــ  الكلدان في تركيا الشرقية وأيران والعراق ، وهو من ترجمة

الأستاذ نافع توسا وتحقيق الأب الدكتور يوسف توما ص 77 ) انه في هذا

المنخفض يجري نهر صبنا من سلسلة جبال برواري ، وفيه فرعان الأول

المتجه شرقاً نحو العمادية وينتهي بنهر الزاب ، والثاني يتجه غرباً

ليصب بنهر الخابور ، ويذكر المؤلف القرى الواقعة في هذا الوادي ومنها

مدينة العمادية المبنية على قلعة حصينة وتميزت بأنها قد سلمت من

القصف والتخريب بعكس كثير من القرى في المنطقة ، ويذكر ايضاً قرية

اينشكي التي فيها كنيسة قديمة يعود تاريخها الى عام 1885 على اسم

مارت شموني وكنيسة اخرى اقدم منها على اسم مار كيوركيس وهنالك

ايضاً عددا من الأديرة والكنائس منها الكنيسة التي على اسم مار يوسف

نسبة الى كاتب كنسي شهير وهو الراهب يوسف بوسنايا المتوفي عام

979 م .


في وادي صبنا ثمة حوالي 18 قرية منها سرسنك وتنا وزاويتا وبامرني

التي تعني ( بيت مودياني ) واينشكي وغيرها . وفي هذه القرى وبين

منعطفات الجبال وعلى الطرق كانت الكنائس والأديرة عامرة وزاخرة

بروادها ، وقد كان للعمليات العسكرية التي اندلعت في مطاوي الستينات

من القرن الماضي الأثر الكبير في الهجرة من هذه القرى بعد دكها

بالطائرات والمدافع وعمليات العنف الأجتماعي المتزامنة مع الحرب في

المنطقة .


أجل ان كثير من الأديرة والكنائس درست مع الأرض او تحولت الى اطلال

بقيت الشاهد الوحيد ليخبرنا ويقول : ها هنا ترقد حضارة شعب اصيل

طواه الزمن ولم يبق منه سوى بقايا من بقاياه ، واليوم هذا الشعب مهدد

بالأنقراض والأستئصال من جذوره ، وهذا الشعب هو الشعب الكلداني مع

بقية مسيحيي العراق .


إن الشعب الكلداني تداهمه المخاطر من كل جانب وتستهدف وجوده على

ارض الوطن العراقي ، ويشترك في هذا المخطط كثير من الأطراف لكن

اكثرها ايلاماً هي تلك القادمة من الأخ والصديق الذي يزعم ليل نهار اننا

شعب واحد . ويقول طرفة بن العبد :


وظلم ذوي القربى أشد مضاضة         على المرء من وقع الحسام المهند


اجل نحن الكلدان اصابنا الشئ الكثير بعد الأحتلال الأمريكي في نيسان

2003 ونحن الشعب الوحيد الذي طاله هذا الكم الهائل من عمليات القتل

والتهجير والأرهاب إضافة الى عمليات التهميش السياسي والقومي في

الدولة العراقية الأتحادية واقليم كوردستان على حد سواء .


إن هذا الوضع المجحف لم يثني من عزيمتنا عن العمل وعلى التصميم ،

وإن كل صاحب ضمير لا بد ان يحطم حاجز الصمت ولا يقبل بأي ظلم

يطال اي مكون عراقي ، والمكونات الأصيلة كشعبنا الكلداني ، تضمن

حقوقها قوانين ومعاهدات دولية والتي تدعو الدول الى احترام ثقافة هذه

الشعوب وتعترف بهويتها وتمنحها كامل المساعدة اللازمة للنهوض

والبقاء وتسمح لها بالمشاركة الفاعلة في تحقيق تنمية مستدامة .


في صبنا الكلدانية شريحة كبيرة من ابناء شعبنا الكلداني تهتم بالشأن

القومي الكلداني وتفتخر برفع الأسم الكلداني  والقومية الكلدانية ، وهؤلاء

جل طموحهم ينحصر في فتح مركز ثقافي كلداني في المنطقة ، أملاً ان

يشكل هذا المركز مساحة جميلة لجمع الشباب لممارسة هواياتهم

الرياضية والفنية والأدبية والثقافية والألتفاف حول الهوية الكلدانية ، إذ

ليس من الأخلاص ان يكون هذا الجيل سبباً في ضياع الهوية الكلدانية ،

إن هذه الهوية قد تجاوزت كل المحن في مختلف العصور لكن يبدو ان

محاولات اليوم التي تهدف طمس هذه الهوية ، تشكل اشرس الحملات

التي تستهدف شعبنا الكلداني ولا يوجد من يصغي الى صوتنا ، ولكن

بهمة الشباب والمخلصون ستفشل هذه المحاولات كغيرها ، فالشعوب لا

يمكن ان تقهر هذا ما اثبته التاريخ .


إننا بحاجة الى تعضيد تلك الإرادة والمقترحات التي اطلقها الأخوان في

صبنا الكلدانية بضرورة إنشاء مركز ثقافي كلداني في تلك الأرض

الكلدانيـــة وهذه دعوة لكل المخلصين لمن يناصرون  الشعوب الأصيلة في

الحفاظ على ثقافتها .


حبيب تومي / عنكاوا في 23/ 05 / 11

كاتب هذه السطور في اينشكي / صبنا الكلدانية

You may also like...