شعارات الـﭘاطـريـرك مار لـويس روفائيل ساكـو الموقـر

يلاحـظ القارىء أنَّ كـتاباتـنا بـدأتْ تـتغـيَّـر تبعاً للـتغـيّـرات الطارئة والتي لا بـد لـنا من الـتـفاعـل معـها ، فـفـكـرتـنا إزاء موقـف ، تـتغـيّر بتغـير الموقـف ذاته ، وهـذا هـو القانـون الطبـيعي الأول للعالم نيوتن يعـرفه أهـل الـفـيزياء .

في مقال سابق نـوّهـتُ عـن أني سأتـطرق إلى هـذه الشعارات لاحـقاً ، فـمنـذ أن إعـتلى غـبـطة الـﭘاطـريـرك مار لـويس روفائيل الأول ساكـو سـدة ( ﭘاطـريـركـية بابل عـلى الكـلـدان ) أطـلق شعاراته الثلاثة ــ الأصالة ، الـتجـدّد ، الـوحـدة ــ لـيعـلن ستـراتيجـيته وبرنامج عـمله للشعـب الكـلـداني في العالم ولغـيره من أبناء كـنيسة المشرق العـريقة بل وحـتى الكـنائس الأخـرى ذات الجـذور الشرقـية طـموحاً إلى الـوحـدة الشاملة التي يريـدها منا المسيح .

الـوحـدة

إن فـلسفة غـبطـته بشأن الوحـدة تـتخـذ طابع الشمولـية المشرقـية زمانياً وجـغـرافـياً وبشرياً محـمِّلاً الجـميع مسؤوليتها مبـيناً أنّ مستـقـبـل وجـودنا يكـمن فـيها بل ويذهـب أبعـد من ذلك حـين يقـول : رسالتُها في كـينونتها هي لكـل الشعـوب واللغات .

ولم نأتِ بجـديـد حـين قـلـنا أن المسيح أسس كـنيسة واحـدة ، والرسل إنـتـشروا وبشَّـروا وأسـسـوا الكـنائس في بقاع العالم ، والرب أرادها جـميعـها بقـيادة المحـبة الواحـدة ــ مار ﭘـطـرس زعـيم الرسـل ــ ولكـن ميول الـنـفـس البشرية إلى حـب الزعامة أدّت إلى نشوء كـنائس عـديـدة بقـيادات مخـتـلفة تحـت حجج وذرائع كـثيرة ، منها تباين في وجهات الـنـظـر إزاء مسائل إيمانية دون الإلـتـفات إلى رغـبة يسوع في أنْ يكـونوا واحـداً.

إن رسل المسيح لم يـبحـثـوا مصطلحات مثل : طبـيعـتان وأقـنومان وشخـص واحـد ، طبـيعة واحـدة وكـيان واحـد ، أو طبـيعـتان في شخـص واحـد ، وهـذه كـلها تشير في ذهـن أصحابها إلى المسيح الإله الواحـد وليس ثلاثة أو إثـنين ! طـيـب فـكـيف قـسّموه إلى طـبائع وأشخاص وكـيانات عـديـدة ؟ فـلو كانت الـنيات صافـية ما كان يجـب أنْ تــُخـتـلق الإخـتلافات في الـتعابـير والمفاهـيم الفـلسفـية دون أن يكـون لها وجـود ! إن الإنـقـسام هـو عـنـد الإنسان كي يجـد لـنـفـسه سبـباً للإنفـراد والتـقـوقع وبناء كـيان خاص والـذي يقـود في نهاية المطاف إلى الزعامة حـباً بالـسلطة ، ومن الطبـيعي أن يؤدي إلى تكـريس التميُّـز في القـوانين والـطـقـوس والأداء بل وحـتى الـتـقـويم .

ورغـم أن عالم الـيوم منـقـسم إبتـداءاً من أصغـر وحـدة إجـتماعـية إلى أكـثر الشعـوب تعـداداً وعـلى أصعـدة عـديـدة ومقايـيس متباينة ، إلاّ أن هـذا العالم نـفـسه بات يشعـر بحاجة ماسة إلى الإتحاد وإلاّ فإن غـدَه لن يكـون سعـيـداً ، فـصار يخـطـو خـطـواته نحـو الـتـقارب والتآلـف ولم الشمل والتلاحم والشراكة والإنـدماج بخـطـوات قـد تـسرع أكـثر في المستـقـبل ، فـكم بالأحـرى نحـن شعـب الله نبحـث عـن خلاص الـنـفـوس جـماعـياً ، عـلينا أن نشعـر بهـذه المسؤولية قـبل القادة السياسيّـين والإقـتـصاديّـين والإجـتماعـيّـين …. .

إنّ غـبطـته كـرّر دعـوته بل رغـبته إلى الوحـدة في كـلمته أثـناء الإحـتـفال بعـيـد مار تـوما الرسول وقال : ( بالحـقـيقة هـو عـيد كـنيسة المشرق بكل فـروعها بما فـيها كـنيسة الملبار في الهنـد ، الإحـتـفال بهـذا العـيد يعـيدنا إلى جـذورنا الأولى الممتازة وهـو أيضاً دافع قـوي لوحـدة كـنيسة المشرق ) .

ورغـم أنـنا نراه مخـلصاً في دعـوته الوحـدوية أميناً في محـبته الكـنسية مستعـداً لحـوارات ثـنائية كانت أم ثلاثية ولكـنـنا مع كـل الأسف لسنا نسمع من الأطراف الأخـرى أي صدى أو ردود أفعال أو أصوات رنينية ، وهـذا الموقـف ليس غـريـباً عـلينا أجـمعـين ، فـقـد نوّهـنا عـنه في مقال سابق 27/1/2013 وقـلنا فـيه : ( إذن فـلـتـكـن أو لا تكـون ، ولن يأتي أحـد معـك من هـذا الكـون ، وحـتى تـتأكـد إنـتـظر وسوف أذكـِّـرك يوماً وأنا لك ممنون ) . ومَن يـدري فـقـد نـفاجأ يوماً بصوت صارخ من الضـفة الـثانية يزيل عـنا الـظـنون .

الأصالة :

عـرّف غـبطـته الأصالة : أن يكـون الفرد واقعـياً وصادقاً مع نفسه ومع الآخـرين وألّا يخشى قـول ما في باله ويتمكّن من التعـبـير عن آرائه حـتى ولو لم تـتماشَ مع آراء الآخـر ! . لا شك إنه تعـبـير منـطقي ، فالأصالة لا تعـرف اللف والـدوران ، ولا المحاباة والخـذلان ، ولا التـملق أمام أصحاب الشأن ، بل قـول الحـق أينما كان ، هـذا من ناحـية جـوهـر الإنسان . أما الوجه الآخـر للأصالة هـي الينابـيع الأولى التي نـضحـت منها المياه فـصارت أنهاراً وسقـتْ مساحات شاسعة فأينعـتْ وأثـمرتْ ، هي جهـود الآباء والأجـداد الأوائل والتي صارت لـنا إرثاً غـزيراً نستـلهم منه الحـكـمة والقـوة التي يتـزيّن بها حاضرنا بعـصرية تـمتـد إلى المستـقـبل . فالأصالة كـنز ثمين حـتى إذا أحـيط بمياه وإرتـفع منـسوبها فأصبح جـزراً في وسـطـها ، إلاّ أنها تبقى ملجأً لكـل مـضطـر أو غـريق أو فاقـد طريقه في بحـر حـداثة هـذا العـصر .

الـتـجـدُّد :

إن الطـبـيعة حـولـنا متحـركة متجـدّدة فـهي في تغـيّـر مستمر ونحـن الـذين نسكـنها لا نبقى مكـتوفي الأيـدى أمامها فلا بـد من مجاراتها بما يخـدم الإنسان في حـياته وإيمانه وصَلاته وطـقـوسه وموسيقاه مثـلما نلاحـظ تغـيّـره في ملـبسه ومأكـله ومشربه ، فـينـبـذ الروتينية والملل ويـبعـث الحـيوية والأمل ، وبلا شك عـلينا الحـذر فلا نجـعـله سبـباً في ظهـور الخـلل فـيُـفـقِـد الفـخـر والجـلل ، وبالمناسبة فأنا ليست لـدي فـيها ناقة ولا جـمل ، ولستُ أنـتـظـر كـلمة عـفـرم من أحـد سـوى الرغـبة في الـبناء والعـمل .

وفي 6 شباط 2013 أشار غـبطـته إلى دَور العـلمانيّـين في الكـنيسة وإزالة الحـواجـز بـينهم والإكـليروس ، ليكـونوا شـركاء في الإستـشارات الرعـوية والأبرشية . وهـنا نـقـتـرح عـلى الكـنيسة أن تـنشر قانـون كـنيستـنا الشرقـية وتــُـفـسِّـر بنـوده بصورة منـفـتحة أمام الكـل كي يعـرف العـلماني مدى مشاركـته فـيكـون فعالاً في واجـباته ، ويعـرف حـدود عـمله كي لا يتجاوز صلاحـياته ، شجاعاً في قـول الحـقائق ! فـيكـتب ملخـصاً عـن أعـمال كـل شهـر أو موسم من إقـتـراحات ومعـوقات وتـقاعـسات جـنباً إلى جـنب الإيجابـيات والمشاكـل الطارئة لـيكـون جاهـزاً متى يتـطـلـب الموقـف لمعالجـتها .

وبهـذه المناسبة لا بـد من الإشارة إلى بعـض من أقـوال غـبطـته في 3 تموز :

1- ( إنـني لن أحـيد عن نهج الـﭘاﭘا فـرنسيس وهو نهج المسيح في تـنـقـية الكـنيسة وضبط الأمور ومتابعـتها أنا ومعاونيّ عـن كـثب ) وكأنه يقـول لـقـد دقـتْ ساعة العـمل ! .

2- ( إن كـرامة الكاهن وإحـترامهُ لا تمنحـهما لهُ درجـتهُ الكـهنوتية آلياًّ ، إنما الكـرامة تـنبع من الداخل ) وهـو شـبـيه بقـول سـقـراط : إعـرف نـفسك … وأصلح ذاتك .

3- وفي 6 تموز قال : ( إنـنا نـدعـو جـميع الكهـنة إلى قـراءة تأملية دقـيقة للرسالة الأخـيرة التي وجهناها إليهم . سوف نعـمل كل جهـدنا لـنهضة كـنيستـنا الكـلدانية روحـياً وثـقافـياً وإدارياً ومالياً متعاونين مع كل ذوي الإرادة الطيـبة من إكـليروس ومؤمنين ) . نحـن نرى غـبطـته الـيوم وكأنه في عـقـولـنا ، يفـكـر بأدمغـتـنا وينـطـق بـلـسانـنا ، فـقـراراته اللاحـقة يسبقـنا فـيها ويعالج ما كـنا نشـكـو منه ونـطمح إليه ، وأكـيـد البـقـية تأتي مثـلما جاء في أحـد مقالاتي ( هـوايَ عُـﮔــُـل راح تـوﮔــَع ) إنها حـملة تجـدّد فعلاً .

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ 8 تموز 2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *