شخوص وهمية

في الغربة التي أعيشها أنا ويعيشها مثلي الملايين من العراقيين في مختلف أرجاء العالم تعود ُ بيّ َ الذكريات أحيانا ً الى الدفيء ِ العائلي الذي كنا نشعر ُ به ِ ونحن ُ جالسون على طاولة العشاء ِ نتجاذب ُ أطراف الحديث وما جرى في المدرسة مثلا ً وما أخذنا اليوم من دروس ٍ أو عن تشاجر ٍ جرى بين أولاد الجيران أو سواها من الأمور الحياتية التي يحكيها الأطفال ُ مع أهلهم ، وذلك الشعورُ بالأمان ونحنُ نلتف ُّ حول َ المدفأة ( صوبة علاء الدين ) في ليالي العراق الباردة ونحن ُنشاهد مسلسلا ً أو فلما ً عربيا ً في التلفاز أو نتسامرُ بالحديث ِ عن أُمورنا إذا كان الديكتاتور ُ يلقي خطبة ً من خطبه ِ العقيمة بعد أن نخفض صوت التلفاز، لقد عشتُ تلك اللحظات الجميلة وجميع العراقيون المغتربون لا زالوا يذكرون حلاوتها .

في هذه البلدان الباردة بجوَّها وعلاقاتها مع الآخرين إفتقدنا ذلك الأحساس الرقيق واللذَّة الممزوجة َ بالدفيء ِ والأمان التي كنا نشعر ُ بها في بلداننا، فهنا حيثُ الكلّ ُ مشغول عن الآخر سواءاً بالعمل أو بالدراسة وقد إزداد هذا الإنشغال أو الإنعزال عن الباقينً بعد ظهور الإنترنيت والفيس بوك، فكل فرد ٍ من أفراد العائلة (وعلى الأخص الشباب منهم) يجلس ُ مع حاسوبه الخاص متواصلا ً مع شخوص ٍ وهمية تبعد ُ عنه ُ آلاف الأميال ولا يعرف عنهم شيئا ً سوى أسمائهم وصورهم ولا يملك ُ اليقين إن كانت تلك الأسماء أوالصور حقيقية وينتج عن هذا التواصل الإفتراضي أن يعيش َ الإنسان في غيبوبة مؤقتة عن الواقع الذي يحياه كمن يكون عقله مغيـَّبا، والعجيبُ في الأمر أن يكون الإنسان متواصلا ً مع تلك الشخوص الوهمية ويترك ُ الناس َ الحقيقيين الذين يعيشون َ معه ُ في نفس البيت بدون ِ أي تواصل وكأنه يسكن في فندق ٍ مع غرباء بالكاد ِ يحفظ  ملامحهم .

You may also like...