شخصيات كلدانية خالدة/عزيز آغا ياقو

يذكر المغفور له أنورعزيز ياقو في الفصل العاشر من كتاب ” فيشخابور ” للأب الفاضل ألبير أبونا ( أطال الله بعمره ) تحت عنوان ” كتبوا عن فيشخابور ” أنه, في عام 1885 ولد ” عزيز آغا ياقو ” في قرية فيشخابورالكلدانية, وكان والده ياقو نيسان رئيسا للقرية حتى أغتياله غدرا مع المئات من أهالي قرية فيشخابورمن قبل نايف باشا الميراني, زعيم عشائر الميران القاطنة في الجهة الأخرى لنهر دجلة في قرية ” خانك السورية “.
كان عزيز آغا ياقو في الثلاثين من عمره عندما وجد نفسه أمام مسؤولية كبيرة أمام الناجين من بعد المأساة  التي حصلت لأهالي قريته , فقام بجمع  شتاتهم من المناطق التي فرّوا أليها لا سيّما مناطق سهل السليفاني وقرية  ألقوش التي هبّ أهلها  لمساعدتهم وأيوائهم , وعند دخول القوات البريطانية الى العراق  وأندحار الجيوش العثمانية, ذهب عزيز آغا ياقو الى المثلث الرحمات ” مار عمانوئيل الثاني توما ” بطريرك بابل للكلدان آنذاك  حيث  أتصل بالمندوب السامي البريطاني وطلب  بعض المساعدات المالية والعينية لعودة أهالي القرية الى قريتهم , وطرد الغزاة عشائر الميران منها بعد أن كانوا قد أستوطنوها, فتم لهم ما أرادوا وعاد الأهالي الى قريتهم ثانية .
وحال وصول الأهالي الى القرية ,  قام عزيز آغا ياقو بشراء السلاح  وتوزيعه على رجال القرية  للدفاع عن نفسهم  وقريتهم , كما قام بجمع البعض من القبائل اليزيدية الذين كانت تربطهم علاقات تاريخية  قوية  مع أهالي القرية  منذ زمن طويل , وكذلك  قام عزيز آغا ياقو  بأحتضان  وأسكان المسيحيين الكلدان الهاربين من المذابح التركية في قريته , وهكذا أعاد لقرية فيشخابور مركزها , بل وزادت قوّة وتنظيما .
كانت تتوفر في عزيز آغا ياقو صفات  قلّما توفرت وأجتمعت  في شخص واحد  وهي  الشجاعة واللطافة  والكرم  والذكاء الحاد  وسرعة البديهة , وكان من نتيجة  ذلك أن برزت شخصيته  بين رؤساء العشائر الكردية العراقية وكبار رجال الدولة وموظفيها, وكان من أهم أصدقائه في منطقة قضاء زاخو الشخصية  المشهورة  في زاخو والعراق  وهو ” حازم شمدين آغا ” المعروف  ب ” حازم  بك ” النائب  في مجلس النواب العراقي  لأكثر من ستة  دورات  أنتخابية , وعضو  مجلس الأعيان في عام 1946 , كما تقلّد منصبا وزاريا في حكومة توفيق السويدي عام 1950 , كما كان له  العديد من الأصدقاء من  بين آغوات وبكوات  الموصل , ولعل  أشهرهم  صديقه ” سالم نامق ” المعروف ب  سالم بك ا لذي كان يملك  قرية السلامية  المشرفة  على نهر دجلة  جنوب الموصل, وكانت مشهورة بزراعة الرقي والرز .
وموضوعنا يدور حول قصّة سمعتها وأنا في الصفوف الأولى الأبتدائية في حديقة قصره المشرف على القرية والتي  كانت تجمع  أهالي القرية  لا سيّما في ليالي الصيف للسمر والبحث  في شؤون القرية وآخر الأخبار , وكان البعض من الأطفال يصحبون آبائهم الى هذه الأجتماعات, ومن بينها الأجتماع في الخميس الأول من كل شهر للأستماع الى حفلة أم كلثوم الشهرية الذي كان المرحوم عزيز آغا يستطيب الأستماع أليها .
تحدث  المغفور له عزيز آغا ياقو عن زيارته  الأخيرة التي قام بها الى لواء الموصل , حيث  زار صديقه  سالم بك  الذي صادف وأن كان مدعوا الى وليمة  أقامها أمير ربيعة  المرحوم , الشيخ ” أحمد عجيل الياور ” لمناسبة أستلامه رئاسة  عشائر الشمّر وهو في سن الشباب ( 23 ) سنة  من أخيه الأكبر الشيخ  صفوك عجيل الياور بسبب  مرضه, وكان من بين المدعويين  متصرف  لواء الموصل ومدراء الشرطة وكبار ضباط الحامية العسكرية ورؤساء العشائر العربية والكردية أضافة الى الموظفين الكبار في اللواء, فطلب أليه سالم بك أن يذهب معه الى هذه الدعوة , غير أنه  أمتنع لأنه غير مدعو لها , كما أنه لم يسبق وأن تعرّف على أمير ربيعة , غير أن ألحاح صديقه سالم بك وقوّة صداقته أثرت عليه فوافق على الذهاب معه .
يقول عزيز آغا وصلنا الى مضارب عشيرة شمّر في منطقة ربيعة , حيث كانت قد أقيمت سرادق كبيرة لأستقبال ضيوف الأمير ودخلنا السرادق التي كانت مملوئة بالضيوف , فجلسنا أنا وصديقي سالم بك , وزيادة في أحترام أمير ربيعة لضيوفه  قال لهم بأنه يود أن يحكي لهم قصة  حدثت في احدى السنين الماضية وهي , أنه صادف في أحدى السنوات الماضية أن حصل جفاف في منطقة الجزيرة بسبب أنحباس الأمطار التي تعتمد عليا المنطقة في زراعتها , فأنعدم الكلأ لقطعان أغنام العشيرة وهي تقدر بالآلاف , ففكرنا بأن ننقل القطعان الى المنطقة الشمالية الجبلية للعراق التي لا تتاثر كثيرا بالأمطار, وتم تهيأة وسائل النقل اللازمة الى منطقة سهول عقرة التي كانت غير متأثرة بالجفاف , وأنزلت القطعان وتوجه المسؤولون الى رئيس عشائر المنطقة للسلام عليه وأخذ الأذن منه في البقاء ضمن منطقته , فرحب  بهم , ولكن عند حلول المساء جاء مندوب من  رئيس  تلك العشيرة وطلب من الرعاة عدد من الخراف كعشاء لرئيس العشيرة وضيوفه , وتم لهم ما أرادوا , وهكذا في اليوم التالي ولمدة أسبوع, فقرر الرعاة مغادرة المنطقة الى منطقة أخرى , وهكذا توجّهوا الى منطقة  عشائر الشيخان التي لم تكن أحسن من سابقتها , فقرروا التوجه الى منطقة السليفاني , وتكرر نفس المشهد, وأخيرا  قرروا التوجه الى منطقة  مثلث الحدود العراقية السورية  التركية في منطقة فيشخابور الذي كان رئيس المنطقة شخص مسيحي يدعى ” عزيز آغا ياقو ” ولكون هذه هي المنطقة الأخيرة التي يستطيعون الحصول عليها , لأن ما بعدها هي أما أراضي سورية أو تركيّة, فقرر المسؤولين عن القطعان أن  يبادروا هم  بأخذ الخراف الى آغا المنطقة  قبل أن يطلبها  منهم , فأخذو معهم عددا من الخراف وتوجهوا الى قصر رئيس القرية الذي أستقبلهم بترحاب بعد أن علم من هم , وما هو سبب وجودهم في أراضيه, غير أنه أستغرب من وجود عدد من الخراف معهم , وعندما أعلموه  بأنهم جلبوا  له هذه الخراف كعشاء له ولضيوفه , أمتعض كثيرا وقال  لهم , هل تقصدون أهانتي ؟  ألستم من العشائر وتعلمون أسلوب الضيافة للعشائر ؟ تأخذون خرافكم  معكم , وعلينا واجب ضيافتكم جميعا أنتم وغنمكم طيلة بقاؤكم بيننا , أذهبوا الى غنمكم وسوف يصلكم الطعام ثلاث مرات في اليوم طيلة ما أطاب لكم البقاء بيننا . وفعلا هكذا كان .
والآن كنت أتمنّى لو أن أحد ما له معرفة بهذا الشخص الكريم لينقل أليه تحياتي وتقديري, وهنا قام سالم بك وقال , أيها الأمير , أن الشخص الذي تبحث عنه هو بيننا الآن وهو صديقي ” عزيز آغا ياقو ” الجالس بجانبي!! الذي ألححت عليه أن يأتي معي . وهنا توجّه الأمير الشيخ الى عزيز آغا ياقو , وعانقه وهو يشكره , كما أخذ بيده وأجلسه بالقرب منه , وقال : أيها الضيوف, مع جزيل أحترامي ومعزّتي بكم , أسمحوا لي أن أعلن أن ضيف الشرف في هذه الدعوة هو ” عزيز آغا ياقو .

بطرس آدم

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *