سنة العراق، من القراءات الخاطئة الى الانشقاق الكبير فالأنهيار/ بقلم عبدالغني علي يحيى


(.. إن الوضع في العراق، أساسه طائفي، والشيعة والكرد متحالفون، فيما السنة وحدهم مظلومون).

   هكذا تكلم أياد السامرائي رئيس الحزب الاسلامي العراقي ذو التوجه السني المذهبي، عندما زار القاهرة والتقى بالرئيس المصري محمد مرسي. واذ نوافقه الرأي بالأساس الطائفي للوضع العراقي الحالي، رغم انه جاء ناقصا في تشخيصه، إذا أخذنا بالحسبان، تقدم الصراع الأثني على الصراع الطائفي في العراق في مراحل تأريخية ما سيما في القرن العشرين، والذين مازال شاخصا في سعي الكرد لأجل نيل حقوقهم القومية، غير ان الاساس الطائفي في الوضع العراقي حل محل الاساس الأثني منذ أعوام. وعلى وجه الخصوص بعد سقوط النظام العراقي السابق في 9-4-2003 والذي كان بدوره نظاما سنيا طائفيا بامتياز ومتسترا بالقومية العربية في أن.

   غير اننا نختلف مع كلام السامرائي، في شقه الثاني الذي نص على تحالف الشيعة والكرد الذي يفيد ظاهره وكأنه موجه لأذلال السنة. فالتحالف الشيعي – الكردي المسمى بالرباعي الذي نهض على اتفاق حزبي: الدعوه والمجلس الاسلامي الاعلى الشيعيين مع الحزبين الكرديين الرئيسيين الديمقراطي والوطني الكردستانيين، صار في خبر كان منذ سنوات وهو الان على قاب قوسين او ادنى من الانهيار ان لم نقل انه اصبح في حكم الانهيار، فلقد ولد ككل التحالفات والجبهات الوطنية العراقية، هشا مشلولا، ذو عمر قصير، عاجزا عن فعل اي شيء. كما الجبهات والتحالفات الوطنية العراقية التي كانت سرعان ماتنفرط وتسقط وتتحول اطرافها الى معاداة بعضها بعضا.

   ولنعد الى كلام السامرائي الذي يوحي من حيث المضمون وكأن (الحليفين) المذكورين يقفان على الضد من تطلعات العرب السنة في الحرية والديمقراطية، والحال ان ذلك ليس بصحيح، اذا علمنا ان اقليم كردستان العراق تحول منذ اعوام الى ملجأوملاذ لنحو 150 الف عربي سني هربوا اليه من وسط العراق وجنوبه، وتعاملت معهم حكومة كردستان وشعبها ومايزال بالحسنى، بدليل ان الالاف من اللاجئين العراقيين من العرب السنة في البلاد العربية وغيرها، اضطروا لاكثر من سبب للعودة الى العراق، في حين لم تسجل ولو حالة واحدة على عودة سني من كردستان الا المناطق الخاضعة للحكومة العراقية. ليس هذا فحسب بل ان نزوح السنة الى الاقليم الكردي مازال متواصلاً. اضف الى ذلك أنه بعد صدور حكم الأعدام غيابيا بحق الزعيم السني طارق الهاشمي، من طرف القضاء العراقي، فأن الكرد وعلى صعيد الحزبين الكرديين الرئيسيين والزعيمين: الطالباني والبارزاني، كانوا السباقين للتصدي لقرار الحكم بالاعدام ذاك بل وتقدموا على القائمة العراقية السنية وحكومة الولايات المتحدة في مقاومته، وقبل ذلك ايضا فأن الكرد اول من احتضن الهاشمي يوم هرب من بغداد والتجأ الى كردستان، متحدين، اي الكرد للحكومة العراقية التي الحت عليهم دون جدوى تسليمه اليها، ولقد احتضن الكرد الهاشمي الى أن غادر كردستان الى تركيا بمحض إرادته. لذا فان قول السامرائي بتحالف الشيعة والكرد، لم يأخذ بالتغييرات التي طرأت على العلاقات بين المكونين الشيعي والسني والتي امتازت بالجودة والمتانة على مدى عقود. واللافت انه وسط العد التنازلي للوضع السني في العراق باتجاه التدهور والتمزق والانشقاق، سجل تخبط في الصف السني فلقد اقدمت رموز سنية معروفة بل وهامة على التعاون مع نظام الحكم القائم في العراق، فصالح المطلك نائب رئيس الوزراء العراقي، وهو من أقطاب السنة، عاد الى مايشبه بيت الطاعة ودخل في تحالف قوي مع دولة القانون وحزب السلطة بعد جفاء دام طويلاً، متمنياً كما أفصح، ان لا يعود الخلاف كرة اخرى بينه وبين المالكي في المستقبل، وهذا التحول منه كان وما يزال محل استغراب ودهشة الكثيرين ومن بينهم قطاع عريض من السنة. وفي أجواء تردي العلاقة بين الشيعة والسنة وبشكل أشد من ذي قبل.

   عدا المطلك فأن مشعان الجبوري الذي بقي لسنوات خارج العراق لاجئا بعد سقوط النظام البعثي، وقبله كان لسنوات ضيفا مكرما لدى حكومة كردستان، لقد عاد بدوره الى بيت الطاعة ذاك، فجاة وعلى حين غرة ايضا، وهوالان على اتم التفاهم مع حكومة المالكي. ولكي يكون اندماجه أشد فأنه لاينفك بين فترة واخرى يقوم بمهاجمة الكرد بعنف وشدة.

   ومن الرموز العربية السنية الاخرى التي راحت تغرد خارج السرب السني وتقوم بصب جام غضبها على الكرد نشير على سبيل المثال لا الحصر، الى المجلس السياسي العربي في كركوك الذي بلغ عداءه للكرد حد اتهام القائمة  العراقية السنية بالخيانة والمساومة مع الكرد، وفي محافظة نينوى فان رمزا سنيا قبليا واحد شيوخ شمركبرى القبائل العربية في العراق، المح قبل ايام الى (ساعة الصفر) ضد الكرد، فدعوته لأبناء المحافظة بأن يكونوا قبضة واحدة لمواجهة المشاريع النفطية للكرد في المحافظة، علما ان النفط في نينوى يوجد حصرا في المناطق الكردية ومن الجدير ذكره ان العرب السنة المتواجدين عند خط التماس مع الكرد الاشد عداء للكرد ما يعني ان العرب السنة منقسمون على انفسهم حيال الكرد واذا علمنا ان هؤلاء في عدائهم للكرد التقوا تلقائيا مع الحكومة العراقية ما جعل من التنافر بينهم اشد.

   بهذا الشكل يتعامل بعض من العرب السنة العراقيين مع المشهد السياسي العراقي، فهم بدلا من أن يشخصوا التناقض الرئيسي لمكونهم الاجتماعي مع الحكومة العراقية، راحوا يقدمون التناقض الثانوي مع الكرد على التناقض الرئيسي  فكان ذلك من اسباب ضعفهم  ونتيجة لفهمهم الخاطئ للواقع العراقي الحالي فقد تعرض ائتلافهم (العراقية) على مدى الشهور والاعوام الماضية الى الانشقاقات والانسحابات والتي بلغت ذروتها هذه الايام واقوى دليل على ذلك الخلاف الذي حصل بينهم بخصوص المفوضية المستقلة للانتخابات الامر الذي يهدد كياناتهم بالتفتت والانهيار ان لم يتداركوا الموقف .

  ان العرب السنة في العراق مدعوون الى تبني موقف واضح وصريح، بشكل يميزون فيه بين التناقضين: الرئيسي والثانوي، بين من يلتقون معهم أو يختلفون معهم، بين حكومتي المركز والاقليم فالتخبط يضرهم وينال من وحدتهم، كما يضرهم اكثر الاختلاف في الروية والانجذاب الى هذا وذاك، مع احذ التطورات التي طرأت على المشهد السياسي العراقي بنظرالاعتبار وان يتوصلوا الى معرفة حجمهم الحقيقي، والتجنب من أن تكون مواقفهم بمثابة أداة طيعة بيد اعدائهم يحركونها ضد وذاك بمعزل عن ارادة ومصالح السنة ومطاليبهم المشروعة ومن الممكن تحقيق الارادة دون معاداة اي من المكونات الاجتماعية العراقية.

You may also like...