سـفـينة الـﭘـطريـرك ساكـو في خـضم الأحـداث الساخـنة ، إلى أين ؟ الحـلقة الأولى

في التأريخ حـضارات سادت ثم بادت ، إمبراطوريات هـيمنت فـتلاشت ، ممالك حـكـمت وذابت ، وعـليه لا نستغـرب غـداً أن يُـقال عـن أيامنا : كانت وتبخـرت ! … خاصة وإدارات دول عـصرنا ومعـهم بعـض من قادتـنا ! يـشتـركـون في لقاءات دهالـيز مخـيف ظلامها ، ينـسجـون فـبركات مشكـوكة نـواياها ، يزجّـون أنـفـسهم في تحالفات مشـبـوهة عـواقـبها ، أما الشعـوب ! فـمغـلوب عـلى أمرها ليس لها حـول ولا قـوة لـتـغـيـيـرها .

إن منحـنى الخـط الـبـياني لأوضاع العـراق حادّ متـصاعـد مؤلمة أحـداثها ، يشير إلى إرتـفاع لهـيـبها وتـزاحـم ألـسنـتها وتـسارع إنـطلاقها مما يـؤدي إلى هـيجان نيرانها وإنـتـشار دخانها ، لسنا نـرى إتجاهاً ثابتاً لها ، إنها تحجـب الآفاق حـولها ، وإزاء الحالة هـذه كـيف يمكـنـنا تخـمين المخـفي وراءها ….. وتـصوير المجهـول في مستـقـبلها ؟ .

في وضعـنا الحالي لسنا نطالب بـ عَـصا سحـرية تـشق البحـر ولا بقـوة ميتافـيزيكـية تـفـطـر القـمر ، وإنما نـنـتـظـر عـلى مضض سلطة قادرة كـقـدرة ذاك الرجّال النمر الـذي قـلت عـنه لم يمنح لـنا حـرية الفـجـر … حـسناً فها أمامك كـل ليلة من ليالي العـراق هي الـقـدَر ، فـهل أنت الآن حـرٌ ! ….

نحـتاج حـكـومة تـقـرّ قـوانين صالحة للجـميع فـتـنـشـد السلام والـتـطـور كي نـلمس خـيرها ، وعـنـدها لن نكـون بحاجة إلى ربـيع يـطيح بها ولا إنـقلاب يعـزلها أو حـرب تـدمر الشعـب وتـدمرها ….. ولكـن إذا غابت هـكـذا ستـراتيجـية فإن الـدولة تـصبح معـلولة مشلولة ، والجـدول الزمني أمامها خـطة لسقـوطها والأمثـلة كـثيرة عـليها . 

عـراقـنا مبتلي منـذ القِـدَم وإلى كـل حـدب وصَوب تـتـقاذفه أمواج الـيَم ، شعـبنا يرتطم هـنا وهـناك يتحـمل الألم ، فـمنهم مَن سُـلبت أتعاب عـمره في وضح نهاره ، فإفـتـرش الأرض الجـرداء ملابسه وتـوَسـد الحجـر تحـت رأسه بعـد أن كان سـيـداً في بـيته وإبناً أصيلاً في وطنه وأنت شاهـد عـليه ، ومنهم مَن تـكـسَّـرت أضلاعه وآخـر فـقِـئت عـيناه فـهـل ينـتـظر حـتى يُـقـطع عـنه نـفـَـسَه فـيرث ملكـوته ؟ ألهـذا خلقه ربه ؟ .

لا نـنـدهـش عـنـد إحـتراق أصابع مَن يلعـب بالنار ، ولكـن كـيف لا نستغـرب وأفـواج مسيحـيّـينا ومعهم الآخـرين ، أبرياء تائهـين في الطرقات مطرودين ، مجـردين من ممتـلكاتهم التي هي عـرق الجـبـين !! وذنبهم الـيقـين : ليسوا مسلمين … إن مشهـداً كهـذا لـن تـرى مثـله حـتى في غابات المجـرمين المجانين .

غـبطة ﭘـطريركـنا العـزيز :

 قال لك سيادة الـبرزاني : أنـنا نـواجه دولة إرهابـية وليس عـصابات …… وأنت تـرى أن عـصابات داعـش الإسلامية بل الـدولة الإرهابـية الإسلامية …. تـؤجج روح الثأر والإنـتـقام المتـناوب يوماً بعـد يوم بـين أبناء الشعـب والـدماء تـسيل لكـن شعـبنا المسيحي المسكـين ليس عـنـده هـكـذا إستعـداد للإتيان بذات الفعـل المشين ، للأسباب :

1- إيماناً … المسيح المصلوب والغافـر ساكـن في قـلوبهم فلا يفـكـرون في الثأر والإنـتـقام  2- عـملياً … قـيادته الكـنسية داخـل العـراق لا تملك رادعاً تحـميه  3- عـددياً … يمثـل أقـلية وسط كـثافة سكانية مرتـفـعة  4- جغـرافـياً … مُحاط ! فـليس عـنـده جانب أمين يحـمي ظهـره 5-مادياً … غـير قادر عـلى تأمين مستـلزمات الـدفاع عـن الـنـفـس  6- إنـتـظاراً … فأقاربه سـبقـوه فـغادروا 7- هـرباً … لإنـقاذ نـفـسه متـسللاّ من بـوابة الهجـرة 8- فعلاً … أعـداد غـفـيرة هاجـرت في الأيام الأخـيرة فـشجعـته … .

جاء في مقال سابق :

في عـصرنا الحـديث بـدأتْ الهجـرة من وطنـنا العـراق بصورة أفـراد منـذ أكـثر من مائة عام ، ثم بضعة عـوائل في ستينات القـرن الماضي إزدادتْ بعـض الشيء في سبعـيناته هـرباً من طبـيعة نظام الحكم البعثي حـتى إزدادتْ وتيرتها في الثمانينات إبّان الحـرب العـراقـية الإيرانية ، وإشتـدّتْ في التسعـينات نـتيجة حـرب الخـليج الثانية والحـصار الإقـتـصادي ، ولكـنها برزتْ كـظاهـرة عالمية منـذ سنة 2003 ……

أما في الأشهر القـليلة الفائـتة صارت أمواجاً كـثيفة تـتـدفـق عَـبر الحـدود عـلناً للحـصول عـلى موطىء قـدم مسكـناً ، ويكـونوا في مأمن للحـفاظ عـلى الكـيان وإنـقاذ الإنـسان .

سـيـدنا الـﭘـطريرك :

إنّ أرضنا موطن آبائـنا محـتـلة منـذ 1400 عام حـين صار المعـتـدون هـم أصحاب الأرض ونحـن النـزلاء ــ قـصة الثـيّـل والحجـر من تـراثـنا ــ أزاحـوا الستار الـيوم عـن توصيات القـتـل والإغـتـصاب في شريعـتهم وقـطع الرقاب في قـرآنهم وظلامية قـلوبهم لمَن إئـتمنهم ، حـين تـصرّفـوا كـقـطاع طرق إستـولـوا عـلى بـيوتـنا وأخـذوا مقـتـنياتـنا حـتى هَـوياتـنا ووثائـقـنا ، هُـجِّـرنا من مـدنـنا وقـرانا رافـضين جـيرَتـنا وطيـبتـنا ، ناكـرين مشاعـرنا ومحـبتـنا وإنـسانية أخـوّتـنا ، فـتـركـونا عـلى قارعات الطرق والسهـول والجـبال دون سـقـف يقـينا … طيب غـفـرنا لهم ! ولكـن ماذا نعـمل بعِـظام أجـدادنا التي تـفـسَّـخـت في تـربة تـرفـضنا ؟ لـذا صرنا بحاجة إلى أرض تحـملـنا ودولة تحـتـضنـنا وقـوانين تحـمينا وجـيران يـبادلونـنا إحـتـرامنا ، فـهاجـرنا مُكـرَهـين ….. قـل لـنا يا سـيـدنا بأي آلائهم تـطالـبنا برجـوعـنا وبقاء الـباقـين منا ؟ .

لا تـقـل أن داعـش مؤقـت سيهـرب منا ، أليسوا نـظائـر الـداعـش وفي وسط السلطة المركـزية بغـداد يحـتـلون بـيوتـنا ؟ فـهـل سمعـك رئيس الـوزراء السابق بتأريخ 10/ 10 / 2013 حـين طالبته بحـقـنا في بـيوتـنا التي أخِـذَتْ منا ؟

والشيء بالشيء يُـذكـر ، فإن موقـع ﭘـطريركـيتكم الإلكـتـروني لا يزال يـداهـن كـثيراً ويـزيِّـن الصورة لـنا !! بـدليل أن التـقـرير المنـشـور عـن زيارتكم الميمونة الأخـيرة بتأريخ 24 أيلول 2014 لرئيس مجـلس الـنـواب سليم الجـبـوري http://saint-adday.com/permalink/6600.html حـذفـتم منه بعـضاً من فـقـرات الـبـيان الأصلي الصادر من مكـتـب الرئيس …. وهـذه هي :

ذكـرَ بـيان لمكـتب الجـبوري أن مجـلس النواب يسعى لإنصاف كل العـراقـيّـين ومن ضمنهم إخـوتـنا المسيحـيّـين عَـبر تـشريع القـوانين الخاصة بهـذا الأمر ….. أكـد الوفـد المسيحي حاجـته إلى دعم الدولة لغـرض بقاء المسيحـيّـين الـذين يعـتزون بـبلدهم العـراق وليس لـديهم النية بالهجـرة خارج البلد ، مبـيناً أن معاناتهم ليست من “داعـش” وحـدها بل أن المسيحـيّـين يعانون في بغـداد من تهـديد المليشيات وجهات أخـرى مسلحة خارج إطار الـدولة تـقـوم بالإستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم ….

فـهـل لا تـزال تـرتجي وتـتـوقع شيئاً من تـصريحاتهم ؟ .

الـيوم ثـلـثا شعـبنا المسيحي الكـلـداني في الغـرب وأنت عاينـته عـن كـثب ، حـكـوماته تـكـفـل له مستـلـزمات حـياته المادية بصدر رحـب ، أما روحـيا فـلـنا كـنيستـنا الكـلـدانية مرتـبطـين بها فلا بـد من خـدمات كـهنة بأعـداد تـناسب حجـمنا ، عـصريّـين متجـددين ذوي عـقـلية تـنـسجم مع نـوعـية وطموحات أبنائـنا ، وتأكـيـداً عـلى كلامنا فإن غـبطتـكم في زيارتـكم الميمونة إلى أستراليا لمست بنـفـسك حاجة أبرشيتـنا إلى كهـنة فـوعـدتـنا بأن ترسـل عـدداً منهم لـنا ــ إذا تـيسر لـديك ــ وهـكـذا باقي الأبرشيات في مهجـرنا ، عـلماً أن الحاجة تـزداد كـل يوم مع وصول أعـداد من المهاجـرين الجـدد إلينا …. فـهل غـبطـتك مُحـق في بـيانـك الأخـير ومـدة الشهـر الـنـذيـر ؟ فإلى اللقاء بإذن الله الـقـديـر .

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *