روسيا قطب دولي جديد ستضع نهاية والى الابد لنظام القطب الواحد (9)

بعد تفكك الأتحادالسوفياتي وانهيارالتجربة الأشتراكية ظهرت روسيا بوصفها الوريث الشرعي له من الناحية القانونية , وحصلت روسيا على مقعد الأتحاد السوفياتي السابق في مجلس الأمن ,وذلك لأنها كبرى الجمهوريات المستقلة من حيث المساحة والسكان والناتج القومي والقوة العسكرية . ان روسيا رغم ما تملكه من عناصر القوة في العلاقات الدولية , الا انها كانت تعيش حالة الفوضى السياسة والازمة الاقتصادية , مع ضعف دورها على صعيد السياسة الخارجية , وبسبب حاجتها لمساعدات إقتصادية فقد إستجاب الرئيس الروسي يلتسن في عام 1991 لشروط الولايات المتحدة الامريكية والمؤسسات المالية الدولية مقابل الحصول على المساعدات الاقتصادية. وبدأ بتطبيق برنامج الخصخصة في عام  1992 . أن إندفاعات الرئيس يلتسن نحو الولايات المتحدة الأمريكية ,هو من أحد الأسباب الرئيسية وراء المشاكل التي واجهتها روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار التجربة الاشتراكية .

الأقتصاد الروسي بعد تفكك الأتحاد السوفياتي وبرنامج الخصخصة :

كان توجه الرئيس يلتسن وطاقمه في إدارة الدولة هو السير بالأقتصاد الروسي نحو الرأسمالية و يبدو يلتسن وطاقمه اعتقدوا آنذاك ان هذا النهج يحقق الأستقرارالأقتصادي . ((فقد أوكل يلتسن إلى إيجور جيداررئاسة الوزراء وخولة مسؤولية تنفيذ برنامج الأصلاح الأقتصادي مع الشخصية الثانية أناتولي تشوبايس وبدأ هذان الشخصان من 1992 – 1994 بتطبيق نظريات اقتصادية في روسيا مفادها أن إطلاق الأسعار سيؤدي تلقائياَ إلى تنظيم الأقتصاد وانتعاشه من دون تدخل الدولة وأن الرأسمالية هي الخيارالوحيد المنقذ لروسيا))([1] ). فقامت الحكومة الروسية بعدد من الاجراءات الاقتصادية لتطبيق برنامج الخصخصة ومن هذه الاجراءات ((- تحرير التجارة داخل الأقتصاد بأزالة نظام تسعير السلع – خفض الأنفاق الحكومي بصورة شديدة – خصخصة مؤسسات الدولة – الأنضمام إلى المؤسسات المالية والأقتصادية الدولية من أجل الحصول على المساعدات اللازمة لنجاح عملية التحول , وقدانضمت روسيا إلى صندوق النقد الدولي في حزيران / 1992 بعد تبنيها الفعلي لأقتصاد السوق.([2])  ان هذا التحول في السياسة من نهج التخطيط الاقتصادي الاشتراكي والملكية العامة لوسائل الانتاج الى سياسة الخصخصة وتبني الاقتصاد الراسمالي . هو من احد اهم الاسباب لتدهور الاقتصاد الروسي ودخوله في مرحلة الازمة الاقتصادية آنذاك . ان هذا التدهور الاقتصادي جعل روسيا  في وضع المستجدي من الولايات المتحدة , ان أمريكا لديها أدوات عديدة للضغط على روسيا كي تذعن لارادتها و أهمها الأداة الأقتصادية . حيث تم ربط المساعدات الاقتصادية بتطبيق برنامج الخصخصة . هنا تثار تساؤلات عديدة منها لماذا تم بيع مؤسسات الدولة الأنتاجية والخدمية ؟ من هو المستفيد الحقيقي من تنفيذ برنامج الخصخصة ؟ تبين لاحقاَ ان ملكية مؤسسات الدولة تم بيعها إلى القطاع الخاص الرأسمالي والى البيرقراطيون والطفيليون والمافيا والشركات الأجنبية بأسعار زهيده ومن الأمثلة على تنفيذ برنامج الخصخصة في روسيا , ((إذ تم بيع 500 مؤسسة حكومية كبيرة بسعر 7,2 مليار دولار في حين قدرت قيمتها الفعلية ب220 مليار دولار , وهناك تقديرات تقول أن قيمتها 900 مليار دولار وتم بيع مصنع ليختشوف والذي يعتبر من أكبر المصانع في موسكو بسعر 44 مليون دولار , في حين قدرت قيمته الحقيقية بأكثر من مليار دولار , وفي صناعة الألمنيوم اشترى مواطن اسرائيلي 26% من اسهم مصنع الالمنيوم واشترى آخر 48% من مصنع المنيوم آخر , وتم بيع مصنع أورال ماش من أكبر المصانع في الأتحاد السوفياتي بسعر 3,27 مليون دولار وتم بيع مجمع الحديد والصلب في مدينة تشيلابينسك لقاء 3,73 مليون دولار ومصنع للجرارات في نفس المدينة تم بيعه بمبلغ 2,2 مليون دولار وهي مبالغ تقل كثيراَ عن قيمتها الحقيقية))([3] ).  ومن خلال الاطلاع على هذه الامثلة يستنتج المراقب والمتابع السياسي انها عملية سرقة منظمة لقطاع الدولة ولثروة شعوب الاتحاد السوفياتي , أكثر مما هي تطبيق لبرنامج الخصخصة . بلا شك أن بيع مؤسسات الدولةالتي لها جدوى إقتصادية في اي بلد كان يؤدي إلى تراجع و إضعاف دور الدولة السياسي والأقتصادي والأجتماعي بشكل كبير ويكون المتضرر هو الشعب والمستفيد فئة صغيرة من الرأسماليين والبيروقراطيين والطفيليين , وهذا ما تؤكده التجربة الروسية كونها شكلت تجربة عالمية فريده في عمليات الخصخصة , حيث تخلت الدولة عن بعض وظائفها منها الاقتصادية والاجتماعية وعلى صعيد الوظيفة السياسية للدولة تؤكد التجربة ان تراجع اوضعف دور الدولة على صعيد الداخل , بلا شك سيتراجع دورها على صعيد السياسة الخارجية في محيطها الاقليمي والدولي .

السياسة الخارجية لروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي :

ان الدور الروسي على صعيد السياسة الدولية في بداية حكم يلتسن قد تراجع وإنكفئ وقد بدى للكثير أن الدولة الروسية اصبحت تابعة أو ملحقة بالسياسة الأمريكية وما يعزز ذلك ( توسع الاطلسي) (NATO). يؤكد كثير من الباحثين ان يلتسن وطاقمة القيادي يعتقدون أن موالاتهم لأمريكا والغرب هو السبيل الأمثل لتخليص روسيا من الفوضى السياسية والأقتصادية والأجتماعية وذلك من خلال حصولهم على القروض والمساعدات الأقتصادية , ان نهج الولاء والتبعية للولايات المتحدة الامريكية والاستجابه لضغوطها الاقتصادية والدبلوماسية ما اكدته التجربه الروسية ان هذا النهج هو وراء تراجع الدور الروسي على الصعيدين الدولي والأقليمي  . (( وأول تطبيق لهذا التوجه هو زيارة يلتسن للولايات المتحدة الأمريكية في فبراير سنة 1992 التي أسفرت عن وثيقة التعاون الأمريكي- الروسي التي وقعها في كامب ديفيد مع جورج بوش الأب , وقد أتت الوثيقة على اسس التحالف بين الدولتين . تطبيقاَ لهذا التوجه سعت روسيا إلى طمأنة الغرب إلى نواياها خلال سياسة تقديم التنازلات المنفردة , لقد فشلت هذه السياسة في تحقيق أهدافها لأن الغرب سعى بكل جهده لأضعاف روسيا ونهب ثرواتها , وقد قدر الدارسون إنه خلال تلك الحقبة تم نهب 350 بليون دولار من ثروات الشعب الروسي من خلال المافيات الروسية الغربية))([4] ). وهذا مايؤكد أن روسيا بقيادة يلتسن في تلك الحقبة قد قبلت بالتفرد والزعامة للدورالأمريكي في العلاقات الدولية ويرى كثير من الباحثين ان تبني السياسة النيوليبرالية هي وراء تراجع الدور الروسي في السياسية الخارجية وتقديم تنازلات من طرف واحد.

روسيا في زمن بوتين :

تسلم بوتين السلطة في انتخابات عام 2000 ففي هذه الفترة كانت روسيا في حالة فوضى وأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وتراجع على صعيد السياسة الخارجية وضعف التأثير في الاحداث الدولية . في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية القطب الاوحد المهيمن على السياسة الدولية دون منافس ,أعلن بوتين عقب تولية السلطة . ((أن روسيا لا يمكنها استعادة مكانتها كقوة كبرى والحفاظ على استقلالية قرارها الداخلي والخارجي طالما ظلت معتمدة على ما تتلقاه من مساعدات خارجية, وبأمكانها الأعتماد على مواردها الذاتية وان تتوقف تماماَ عن طلب أي مساعدات من الولايات المتحدة وباقي دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى وبالفعل تحسن أداء الأقتصاد الروسي كثيراَ منذ عام 2000 بل إنه حقق نمواَ 6.9% خلال الفترة إلى آب 2003 وأعلنت روسيا بألتزاماتها في دفع الدين الخارجي المستحق عليها عن عام 2002 والذي يقدر ب17.3 مليار دولار, كما أعلنت روسيا إلغاء 35 مليار دولار من الديون المستحقة على الدول الأفريقية , وقد كان لهذا تأثيره المباشر في قبول العضوية الكاملة لروسيا في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لتتحول بذلك إلى مجموعة الثمانية في يونيو 2002 ))([5] ). ان الاجراءات الداخلية على صعيد الاقتصاد ومحاربة الفساد وادارة الدولةالتي اتخذتها الحكومة الروسية في زمن بوتين أدت الى انتعاش الاقتصاد الروسي , وانهاء الفوضى السياسية والاقتصادية . بلا شك كان لهذا التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي , أكبر الأثر لعودة روسيا لتلعب دورها المؤثر في العلاقات الدولية ومن الطبيعي عندما يمتلك اي بلد قوة اقتصادية هذا يمكن الدولة من تحديد أولوياتها في السياسة الخارجية , بلا شك ان التطور الاقتصادي ساعد روسيا  من إستعادة دورها في السياسة الدولية وأصبحت أكثر استقلالية . ((وقدم بوتين عدة مبادئ جديدة لسياسة روسيا الخارجية تدور حول تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة , مع العمل على استعادة دور روسيا في آسيا والشرق الأوسط وعدم السماح للغرب بتهميش الدور الروسي في العلاقات الدولية , وقد أضاف بوتين ثلاث عناصر جديدة لمبدأ السياسة الخارجية الروسية أولها أنه إذا استمر توسع حلف الأطلنطي شرقاَ فروسيا ستسعى إلى دعم الترابط بين دول الأتحاد السوفياتي السابق لحماية منطقة دفاعها الأول وثانيها أن روسيا تعارض نظام القطبية الأحادية ولكنها ستعمل مع الولايات المتحدة في عدة قضايا مثل الحد من التسلح وحقوق الأنسان وغيرها, وأخيراَ فأن روسيا ستعمل على دعم بيئتها الأمنية في الشرق عن طريق تقوية علاقاتها مع الصين والهند واليابان))([6] ) ويلاحظ ان هذا التوجه  لروسيا في زمن بوتين انها أعطت مؤشرات بأنها تمتلك قدرات وامكانيات لتكون قطب دولي قادم , وانها قادرة على الوقوف بوجه استراتيجية التفرد في العلاقات الدولية التي تؤدي إلى الأخلال في التوازن مع التأكيد على دور الأمم المتحدة (( وقد أكد بوتين أن استخدام وسائل القوة بتجاوز الآلية الشرعية الدولية الراهنة سيؤدي إلى تخريب أسس القانون الدولي والنظام وينبغي أن تبقى الأمم المتحدة المركز الرئيسي لتنظيم العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين وستبقى روسيا الأتحادية تقاوم بحزم المحاولات الهادفة لتقليل دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في الشؤون الدولية))([7] ). ان روسيا هي اليوم ظهرت كقطب دولي جديد مؤثر وقادر على اعادة التوازن في العلاقات الدولية حيث تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والاعلامية والدبلوماسية مع استقرار سياسي , هذا ما سأتحدث عنه في الحلقة القادمة .

يتبع

24-10-2011

You may also like...