رثاء…… الى الفقيد الراحل (عادل القس يونان )

 

  الى الفقيد الراحل (عادل القس يونان ) جاري وصديقي القديم ، وزميلي في اللجنة الثقافية في نادي بابل الأصيل ، في زمن الخير وأيام الماضي الجميل :  

 بينما كنت أتابع ، أفراح شعوب هذا العالم العجيب ، وهي تحتفل بعيد القديس فالنتاين بفرح وترحيب، إنتابتني لحظات تأمل وصمت مريب ، وإحساس في أعماق نفسي كئيب . عادت بي الذاكرة إلى بغداد وبيتنا الحبيب ، الذي أمضينا فيه عيش رغيد ، مرت من أمامي ذكريات مطرزة على شغاف القلب بشكل رتيب ، وظهرت أمامي صور لمأسي شعبنا في الماضي البعيد والقريب كشريط سينمائي بلا رقيب .

 رأيت كيف كان سقوط النظام السابق على المسيحيين رهيب ، وبأحداثه كان علينا عصيب ، حين ظهرت بيننا ذئاب جائعة تعوي وتنقض علينا كصيد فريد ، وتنهش بأجسادنا المتعبة من قسوة الأقدار وظلم الغريب ، وكأننا فرائس في غابة أو في خَلقنا شيء مُعيب ، أو لأننا أصحاب الأرض ومَن إبتكر الحروفَ وقسم الزمنَ ووضع للبشرية الشرائع والقوانين ، لذا يجب أن تُحرق كنائسنا وتُغتصب دورنا ويُهجر من وطنه شعبنا ، وشمسنا عن العراق إلى الأبد يجب أن تغيب .

 فسمعتُ صوتاً حزيناً من أعماق التاريخ يستغيث ويناجي نفسه كالنحيب…. دون أن يجد مصغٍ له ولا مجيب…

فجأة توقف دوران الشريط الذي في طيات الذاكرة مصون، وما أثار في نفسي من شجون، حين مزق رنينَ الهاتف ما كان في كياني من سكون ، فأيقظني وهو يَقرعُ كناقوس الردى، معزوفة رثاء وأسى، وكان المنادي ينعى بصوت فيه شجى، ويروي بأسف ماذا جرى، ويعلن بأن عادل رحلَ عن هذه الدنيا ، وأمسى إسمه بين أصدقائه ذكرى، وفي بيته قصة تُحكى ……

إنها المنية التي إقتحمت داركم في يوم المُنى، كما يفعل السارق في ليل الدُجى، وتركت زوجة وأبناءً يذرفون عليك الدمعَ وفي قلوبهم حسره … كيف حدث لك هذا.. ؟ وقبل أسابيع كنتَ واقفاً ها هنا ، ولحُبا (حبيب تومي) … بكلمات حزينة تنعى… واليوم بغيابك قد أضفت إلى الجرح … جُرحا…

ولكن… نم قرير العين لأنك ستبقى بيننا حيا ، وفي كل مناسبة تزورنا طيفا ، تشاركنا الحزنَ والفرحه….

لقد رحلت عن بيتك وأنت للقدر مستكين ، وأبناؤك ما زالوا على الدرب سائرين ، قبل أن تُكمل معهم مشوار العمرِ وهم أمنين ، فغادرتهم بلا توديع ودون تنهدات وأنين ، بعد أن رويت عطائك بعرق السنين ، لكي ترسم صورةَ  مشرقةَ  لحياتهم قبل أن تلحق بالراحلين، لهذا كنت تفتخر بالماضي وتنظر إليه بشوق وحنين….

هل تذكر… أيها الإنسان الرزين … حين كان ولدينا عائد وسلوان في كلية بغداد مع زملائهم دارسين …؟ وإتفقنا على إيصالهم إلى المدرسة بالتناوب ليكونوا معنا سالمين ، وقررنا بعدها تكليف سائقَ أجرةٍ لنقلهم لنكن أكثر مطمئنين …؟

 وتَذْكر… حين أوقف الإرهابيون سيارتَهم في ذلك الصباح الحزين ، وهم إلى المدرسة ذاهبين ، وقتلوا ذلك السائق الأمين ، فإتصلتَ بي قلقاً وكأنك تخفي عني سرِ دفين ، فجئتُ إلى محلك في شارع الصناعة مسرعاً بعد حين ، فوجدتك من الهم مُقطَّب الوجه والجبين …

هل نسيتَ كيف صعقنا ذلك الجُرم المشين … ولم ندرِ ماذا كنا سنفعل ونحن من المجهول متوجسين … فضاقت بنا الدنيا وكنا نتحدث مرتبكين . فقلتُ لك : ماذا سيكون الحل البديل ، وهل أمامنا غير درب الهجرةِ ونحن صاغرين … والذي رسمه لنا بعض إخوتنا في الدين … لترك بيوتنا التي شيدناها بعرق السنين… أم تريد أن نسهرَ كل ليلةِ لغدنا مترقبين …. ونضحي بأعزائنا أو بأحد البنين … ؟

تأملتَ وجهي وقلت… يبدو أن كلامَكَ فيه إصرار ويقين … ولكن كيف … وكيف … ! وإلى أين الرحيل… ونحن منهكين …. وحملنا ثقيل … وقد أتعبنا المسير في مشواره الأخير… !         وفي خريف العمر يفرضون علينا هذا المصير… ؟

 لم ندرك خفايا حلقات الرهان ، وكيف ستدور بنا عجلة الزمان ، وفي أي محطة أو عند أي منعطف ستقف بنا عربةُ الأيام ….! وبأي بقعة سيكون لعيشنا مقام …!  غاب عن بالِك بأن الردى ليس له في الوطن ولا في الغربة عهد  ولا  أمان ، بينما كنتَ تبحث للأبناء ما كان يراودك من أحلام ، لتحتفل معهم  في مراسيم الفصح وأعيادِ الميلادِ ، وأفراح العرس في قادم الأعوام ، ولكن عقارب الساعة توقفت والنهاية حلت، وتلاشى مِسكُ الختام ….!!!

نتضرع إلى الرب المنان ، أن يتغمدك بالرحمة والغفران ، لترقد في مثواك الأخيرعلى رجاء القيامة بسلام ، وينعم على الأهل والأبناء وأل ربي يونان والأصدقاء بالصبر والسلوان…                                    يا صديقي الراحل عادل فرج القس يونان…

                                                صباح دمّان

                                      الحفل التأبيني في سان دييكو

                                        الأربعاء 23/3/2016

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *