ذهب العنصريون إلى مزبلة التاريخ وبقيت حلبجة صامدة شامخة كجبال كوردستان الأبية تتحدى عوادي الزمن /محمد مندلاوي

 

 

كثيرة هي الجروح النازفة في جسد الأمة الكوردية, إلا أن جرح حلبجة الغائر, لا زال ينزف دماً غزيراً, كأنه يشكو أولئك المجرمون الأوباش, الذين جاؤوا من خارج أسوار وطن الكورد, واستباحوا حرماته, ودنسوا أرض وسماء مدينته الحالمة, مدينة الشعر والأدب, مدينة حلبجة العزيزة على قلب كل إنسان كوردي, والتي كانت راقدة بأمن وأمان على كتف جبل (هَورَمان – هەورەمان), وعاثوا فيها نهباً وسلباً وتدميراً و تقتيلاً ضد الأطفال والشيوخ والنساء الأبرياء. أتعلم عزيزي القارئ لماذا لم يتحرك الضمير العالمي حينها؟ إنه معذور, كان بعيداُ عن مسرح وقوع الجريمة, لأنه كان في إجازة مرضية يقضي فترة نقاهة واستجمام على شاطئ الريفيرا الفرنسي , فلذا لم تزكم أنفه رائحة قنابل غاز الخردل والأجساد المحترقة التي ملئت بيوت وشوارع وأزقة مدينة حلبجة المغتصبة على أيدي الهمج الرعاع أعراب القرن العشرين. أما الأمم المتحدة, تلك المنظمة… التي تجمع تحت سقفها الموشك على الانهيار الأرستقراطيات الحاكمة في العالم, لم تسمع وقتها بوقوع المذبحة الدامية, لأنها كانت في حفلة تنكرية ماجنة, أقامها لها الأعضاء الدائمون الخمسة الكبار في أروقة مجلس الأمن الدولي. وفيما يخص العالم الإسلامي, لا نلومه, لأنه منذ أن وجد هذا العالم الزائف, وهو يعاني من الإصابة  في الدماغ, وعلى أثره أصيب بعمى الألوان, ولا يرى الأشياء على طبيعتها, فلذا أخذ جرعة دواء النوم وهو في حالة سبات دائم. وما يسمى بالعالم العربي, إنه كظاهرة صوتية, لم يناصر يوماً ما الشعب الكوردي المضطهد – بفتح الهاء- على أيدي الأتراك الطورانيون, والفرس العنصريون, في شمالي وشرقي كوردستان ولو بكلمة, فكيف يناصر الشعب الكوردي في جنوبي وغربي كوردستان ويدين الاضطهاد الممنهج والتنكيل اللاإنساني الذي قام و يقوم به العنصر العربي في هذين الجزئين من كوردستان؟, كارتكاب تلك المجازر البشعة التي نفذتها الأيادي العروبية الآثمة في مدنهما وقراهما الآمنة, دون وازع من ضمير أو رادع أخلاقي, حين اقترفت الجرائم الوحشية التي يندى لها جبين الإنسان المتحضر. إن الشعب الكوردي المناضل في عموم كوردستان, كالأعوام السابقة, سوف يحيي في السادس عشر من آذار الجاري بحزن وألم شديدين, ذكرى مرور سبعة وعشرون عاماً على جريمة العصر, تلك الجريمة النكراء التي تركت جرحاً عميقاً في جسد و وجدان الأمة الكوردية, التي قضت على أرواح خمسة آلاف إنسان كوردي أعزل, بين طفل رضيع في حضن أمه, وامرأة تكافح من أجل إعالة عائلتها بعد أن فقدت معليها على أيدي جلاوزة نظام حزب البعث المجرم, وشيخ كبير طاعن في السن, وشاب واعد كان يعمل في حقله الزراعي بنشاط وحيوية, ويحلم بغد أفضل, وبتكوين أسرة سعيدة. ناهيك عن هؤلاء الخمسة آلاف الذين قضوا لحظة ارتكاب الجريمة البشعة, هناك آلافاً مؤلفة ممن لجئوا إلى الجبال المحيطة بالمدينة و كتبت لهم النجاة, إلا أنهم شاهدوا بأم أعينهم ماذا جرى, وماذا فعل ذلك السلاح الفتاك بالناس الأبرياء, فلذا منذ تلك اللحظة التعيسة يعيشوا في كابوس دائم, وتحول حياتهم اليومية إلى جحيم لا يطاق. ومثل هؤلاء, هنالك آلافاً أخرى لم يحالفهم الحظ, ولم يستطيعوا الإفلات من القدر المشؤوم, فلذا أصيبوا بالغازات السامة, وصارعوا الموت الزؤام, لكن لم يستسلموا له, وكتب لهم البقاء على قيد الحياة, إلا أن حياتهم تحول إلى جحيم حقيقي بسبب معاناتهم اليومية من جراء التفاعلات العديدة لذلك السلاح الخبيث على وظائف أعضائهم البدنية. وعلى مدى الأعوام السابعة والعشرون الماضية, ومع انبلاج كل يوم جديد, يودع الشعب الكوردي أحداً من هؤلاء الغيارى, الذين صانوا هويتهم القومية بأرواحهم الطاهرة, ودفعوا حياتهم ثمناً لها كضريبة الانتماء لهذه الهوية الأصيلة والمميزة, التي حافظت على وجودها واستمراريتها شرائح الأمة الكوردية المجيدة رغم كل المآسي والويلات والنكبات التي حلت بها بسبب العنوان الذي تحمله هذه الهوية المقدسة, إلا وهو القومية الكوردية, التي يمتد وطنها من البحر إلى البحر, وتشترك كل أجزائه مع بعضها في لغة وتاريخ وأرض وهدف واحد. ومما لا شك فيه, إن الأمة الكوردية في آخر الأمر ستتوج سنوات نضالها الدامي  بقيام دولة كوردستان الديموقراطية على كامل التراب الكوردستاني, شاء من شاء وأبى من أبى.

وقفت لذكراك الجموع  حدادا … والأرض قد لبست عليك سوادا                       والحزن قد شمل الخليقة كلها …  فبكت عليك  تجمعاً  وفرادا                                 وتواكبت  كل الرجال  تحية  …  لك وانحنت كل النساء حدادا.

(أبيات شعرية من قصيدة “حلبچه” للشاعر أبو ثائر)

محمد مندلاوي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *