ذكـرياتي في رحاب الكـنيـسة ــ الحـلقة السادسة عـشرة ــ إستـقـبال المطران إبراهـيم إبراهـيم ــ الوصول إلى أستـراليا

سيادة المطران إبراهـيم وحـضرة الأب فـيليب نجم في دارنا في العـيد :

يوم الأحـد 27/4/1997 كان عـيد القـيامة وحـضرنا القـدّاس ورسم المطران إبراهـيم إبراهـيم في ذلك اليوم مجـموعة من الشمامسة بدرجة ( قارويا + هـوﭘـثـيقـنا ) وعـرضها عـليّ الأب فـيليـب نجم فإعـتـذرتُ عـن قـبولها وحـتى الـيوم . وفي المساء رافـقـتُ سيادته والأب فـيليب نجـم من مقـر المطرانية إلى دارنا في جـلسة بسيطة حـتى ساعة متأخـرة من الليل ــ الأب كمال بـيداويذ لم يحـضر بسبـب إنـشغالاته ــ تحـدّثـنا خـلالها عـن أوضاع جاليتـنا في أثينا ومستقـبلها ، ووضْع الكـنيسة بصورة عامة وأوصاني المطران أن لا أطيل القـدّاس ولكـني كـنت قـد وضعـْـتُ البرنامج وتـدرّب عـليه الأطفال والـقـداس غـداً .

قـدّاس التـناول في 28/4/1997 :

تجـمّع المتـناولون صباحاً في ساحة الكـنيسة والمصوّر ( سمير الريّس ) يلتـقـط لكـل طـفـل متـناول صورة ثم أخـرى جـماعـية عـلى المدرّجات ، وبعـدها إبتـدأ موكـبهم يدخـل الكـنيسة بمزمور : شبّاح لـمَريا بقـوذشيه … ثم نشيد : قـد أتى اليوم الذي أعـدّه الـقـدير … وبعـد ذلك أنـشـدتْ الطفـلة ــ ريم ــ نشيد الإستـقـبال لسيادته :

( 1 )

مرحـباً بضيفـنا النبـيل مرحـباً براعـينا الجـميل

مرحـباً بحـبرنا الجـليل وكـلنا نقـول مرحـــــــبا

أنـتم في الأمــــام والرعـيّة في وئام

كـلـّـنا في سلام ولكم منـّا السلام

( 2 )

مرحـــــــــباً بقادة الرعـيّة مجـيؤكـم يـبدو لنا بهـيّا

فـيا لها مِن فـرصة شـهـيّة إنـنا في عـيد واحـتـفال

نحـتفي يا أبونا والأخـوّة بـينـنا

كـلكـم في ضميرنا إنّ هـذا بدر التمام

( 3 )

الشكـر والتـقـدير والكِـــــــنان لِـمار أنارﮔـيروس كـلّ امتـنان

بَـديلكم – في هـذا الزمان ونـنشد الحـبّ مع الأمان

مريمُ إحـفـظيهـم ونصلـّي لأجـلهـم

فالرجــاء ! إضمنيهـم عـن يمين إبنكِ الوحـيد

ثم بدأ سيادة المطران إبراهـيم إبراهـيم القـداسَ برفـقة الكاهـنين وقـرأتُ الرسالة بلحـن أيام الآحاد وقـرأ الإنجـيل الأب كمال بـيداويذ باللغة الكـلـدانية وكـرّره الأب فـيليـب نجـم باللغة العـربـية أعـقـبها بكـلمة بالكـلـدانية ذكـر فـيها عـن موعـد إنعـقاد السنهادس للمطارنة الكـلدان في 1/5/1997 وأخـرى قـصيرة باللغة الإيطالية لأجـل سـيادة المطران اليوناني أنارﮔـيروس ، كما ألقى سـيادة المطران اليوناني كـلمة بالإيطالية ترجـمها لنا الأب فـيليـب ، ثم جاء دَوْري فـكانت كـلمتي بسيطة جاء فـيها : أن أعـداد المتـناولين العـراقـيّـين في أثينا يزداد كل سنة كمؤشَـر لإزدياد أعـداد اللاجـئين وأنـنا عـلـّـمْـنا أطفالنا حـسب معـتـقـدنا الكاثوليكي وحـذرناهـم من الوقـوع في شِـباك التعاليم الأخـرى الغـريـبة عـلى كـنيستـنا ، وأضفـتُ : إن المسيح لم يُشـبّه نفـسه بخـزانات المياه الكـبـيرة ولا بالبحار والمحـيطات بل بالينابـيع ! وعـليه سقــَـينا هـؤلاء الأطـفال المتـناولـين من مياه الينابـيع العالية الصافـية وليس من المياه الجارية في سـواقي الوديان الملوّثة .

وقـبل أن يتكلم المطران إبراهـيم ، قـدَّمه الأب فـيليـب للحاضرين بكـلمة وقال فـيها للأطفال : يجـب أن تـُـصلـّـوا وتشكـروا ( أستاذكـم مايكل الذي تعـب معـكم ) والمطران ينظر إليه لأنه لا يريد إطالة وقـت القـداس ، وأخـيراً جاء دَور المطران وإبتـدأ موجّهاً كلامه للأطفال قائلاً : أما تعـبتم واقـفـين من كـثرة الكـلمات ؟ أجاب الأطفال : كـلاّ ! فـقال المطران : بلى لقـد تعـبتم ، ثم قال : هـل فهـمتم ما قاله المتكـلـّمون ؟ ….. ثم أردف : لا تـُـصلـّـوا فـقـط لـمعـلمكم بل لجـميع الذين تعـبوا معـكم [ وفي الحـقـيقة هـو لا يـدري بأنْ لا أحـد شاركـني في ذلك الجهـد الـبسيط ] .

كـنتُ أتمنى لو كان قـد سألهم عـن الـتعـليم المسيحي ولكـنه سألهم : لِـمَن يجـب أن تـُـصلـّـوا ؟ أجاب الطـفـل رامي صبري زراﮔا : ( تا بابي وْ يمّي دْ كـمّـقـيميلي ) فـكـرّر المطران وقال : ( تا بابا وْ يمّا دْ كـمّرْوالِ ) … ثم أسـئلة قـصيرة أخـرى مشابهة ، وحـين إنـتهى من كـلمته واصَـلـْـنا القـداس حـتى نهايته فـخـرج الأطفال من الهـيكـل بتراتيل فـرحـين منـتـشين ، ولما خـرج المطران إلى الساحة رآني فـقال : بارك الله بجـهـودك ، لقـد قـرأتَ الرسالة بطبقة عالية !!! .

الأحـد 4/5/1997 وهـدية للأسقـف اليوناني :

كان المفـروض أن يكـون هـذا اليوم هـو الأحـد الأخـير لي في أثينا حـسب خـُـطـّـتي فـحـضرتُ القـداس ورآني الشماس (هادي – تلـّسقـف ) الذي كان مثـلي ينـتـظر سـنيناً في أثينا ، وسألني : هـل سنبقى في أثينا ؟ قـلتُ له : أنا ذاهـب غـداً إلى أستراليا ! فـقال : لا تمزح … فـقـلتُ له : إنك سألتـني وأنا أجـبتـُـكَ ، فـقال : إن الأوقات عـندك كـلها مزاح . فـلم أعـلـّـق أكـثر لأن سفـري كان سـريّاً وبصورة غـير شـرعـية .

كان لا بدّ أن أسـلـّم عـلى المطران اليوناني فـذهـبتُ بهـدية له مِن صنع يدي هي عـبارة عـن مدرّج خـشبي من 14 قـطعة دائرية الشـكل مخـتـلفة الأقـطار ، الأولى كـقاعـدة قـطرها 33 سـم والأخـيرة العـليا بقـطر 6 سـم وجـعـلتُ القـطع ( 3 ، 7 ، 9 ) ذات سُـمْـكٍ مضاعـَـف ! وفي القـمّـة وضعـتُ الصـليـب بطول 9 سـم وفـسّرْتُ له معانيها وأرقامها فـشـكـرني وقال : لم يفـكـّـر أحـد في كـنيسـتـنا مثل تـفـكـيرك ، كما أخـبرتـُه بأنـني مزمع عـلى مغادرة اليونان ، ولما كان عـلى عـلم بظروفـنا كلاجـئين سألني : مِن أية محـطة سـتغادر ؟ قـلتُ : من …… ، إستغـرب وقال : كـيف ؟ قـلتُ : …….. ، قال : وهـل عـندك جـواز سفـر ؟ قـلتُ : نعـم ولكـنه مزوّر ، قال : أليست مجازفة ؟ قـلتُ : بلى ولكـن لم يعـد لديّ خـيار غـيره فأنا مرفـوض من ثلاث سفارات ولخـمس سـنـوات ، فـقال : إذهـب وأنا سأصلـّي من أجـلك ، فـقـبّـلتــُه بحـرارة .

أستراليا

لأسباب ـ معـينة ـ تأخـرتُ سبعة أيام في أثينا ، ثم سافـرتُ ووصلتُ أستراليا الساعة am 6:30 من يوم الأربعاء 14/5/1997 ، ومن الطـبـيعي أنْ أحجَـز في المطار ، وفي الرابعة عـصراً نـُـقِـلتُ إلى مركـزالحـجـز ــStage 1 Villawood الذي كان أشـبه بسجـن ضيّـق وفي صباح السبت 17/5/1997 نـُـقـِلتُ إلى مُلحـق Stage 2 المجاور والـذي كـنـتُ أشبِّهه بقـرية سياحـية مُسيّجة ذات حـراسة دقـيقة ، وبعـد خـمسة أشهـر وثمانية أيام ــ 20/10/1997 ــ لم تـخـلُ من منغـصات حـصـلتُ عـلى الـﭭـيزا الـدائمية وبعـثـتـُها بالفاكـس إلى السـفارة الأسترالية / أثينا من داخـل مركـز الحـجـز قـبل خـروجي ، وكانـت سيارة الأجـرة تـنـتـظرني بتـوجـيه من دائرة الهجـرة لتأخـذني إلى الحـياة الخارجـية في شقة مؤثـثة / لـيـﭬـرﭘـول / سـدني .

مجاميع دينيّـة تـزور مركـز الحـجـز :

كانـت إدارة الحـجـز تعـلن بالمايكـروفـون يومياً عـن وصول مجاميع من المصلين من كـنائس مخـتلفة وتـدعـو الراغـبـين منا بالمشاركة معـهم ، حـيث تأتي لزيارتـنا عـلى مـدار أيام الأسـبوع وتـقـيم الصلوات كـل حـسب طقـوسها وإيمانها ، ومن بـينها كاهـن أو أسقـف كاثوليكي كـل يوم خـميس الساعة 10:30 يقـيم قـداساً يرافـقه شماس من منظمة St. Vencent De Pole ( تـوفي لاحـقاً ) وأخـتٌ عـلمانية متـقـدمة في العـمر لا أدري من أية أخـويّة ، ويسألونـنا عـن إحـتياجاتـنا .

كانت إحـدى عـدسات منظرتي الطبـيّة قـد إنكـسرتْ ولا أعـرف بُعـدُها البؤري فـطلبـتـُه برسالة إلى عائلتي في اليونان وبعـثوا لي ورقة الفـحـص الطبّي وسلـّمْـتـُها إلى تلك الأخـت فـجاءت بعـد أسبوع ومعـها العـدسة المطلوبة ، ورغـم أني لم أطـلبْ منهم شيئاً آخـراً إلاّ أنهم أتـوا لي بقاموس E-E و ـ خـُـف ـ أستخـدمه أثـناء النهار لخـفـّـته .

كـنتُ قـد تأخـّـرْتُ في ذلك المركـز ( لأسباب مؤلمة نـفـسياً ) فـكـتـبْتُ رسالة إلى المطران اليوناني في أثينا أستـنجـده فـيها ووضَّحـتُ له جانباً من الظروف التي أمرّ بها ، فـما كان منه ـ مساعـدة لي ـ إلاّ أنْ كـتبَ رسالة إلى اسقـف أسترالي الـذي سأل عـني لأجـل متابعة ملفي في دائرة الهـجـرة ! ومرّت الأيام فأبلغـتـني بها الأخـت المـذكـورة عـنـد زيارتها لـنا …. فـشكـرتها والمطران الأسـتـرالي ، ثم أخـبرتها بأنّ مشـكـلـتي حُـلـَّـتْ وأنا بإنـتـظار الـ ﭭـيزا كي أخـرج من مكان الحجـز .

أما الكاهـن الكـلداني الأقـرب إليّ ، فـبالرغـم من إلحاح صديقي عـليه في سـدني وإطلاعه عـلى ظروفي ، إلاّ أنه لم يحـرّك ساكـناً بل ورفـض تـزويـدنا بكـتاب دعـم وتأيـيـد من الكـنيسة . وكما ذكـرتُ فإن مجاميع مخـتلفة من المسيحـيّـين المصلـّين كانوا يحـضرون في أيام مخـتلفة ويُقـيمون الصلاة أمامنا ونحـن نشاركهم ونتلهّـف لدعـوتهم كي نقـضي وقـتاً معـهم ، وقـد تعـلـّمْـنا أناشيدَ جـميلة وتعـرّفـنا عـلى أناس طيّـبـين من خـلال تلك اللقاءات . ونظراً لوجـود أمثالي من جـنسيات مخـتلفة في الحـجـز فإنهم كانوا يعـتـقـدون أنـنا لسنا مسيحـيّـين أو أنـنا ( مسيحـيّـون مزوّرون ) لـذا فـفي أحـد الأيام صار أحـدهم يُـصلي عـلى رأسي وكأني وثـني ، فـلم أعارضه كي أرى ماذا يريـد مني ! ثم سألني قائلاً : هـل قـبـِلتَ المسيح ؟ قـلتُ له : أنا مسيحي منذ 2000 عام ! لكـنه لم يفـهـم جـوابي ، فـقال : هـل عـمرك 2000 سنة ؟ قـلتُ له : أخي إن المسيحـية إبتـدأتْ في بـلـدنا منـذ 2000 عام ومن عـنـدنا إنـتشرتْ إلى الشرق فأنا مسيحي منـذ ذلك الـوقـت … فـنـظر إليّ نـظرة إستغـراب وكأنه يقـول أنّ صلاته فـوق رأسي راحـت هـباءاً ، وراحـت فـلوسـك يا صابـر .

 

إفـريقي قـد يتكلم اللغة الآرامية من دون معـلـّم ! يا سـلام :

وفي أحـدى أمسيات الصلاة لهـذه الجـماعات المسيحـية الغـريـبة صار أحـدهـم ( وكان إفـريقـياً من أنـﮔـولا ) ينطق كـلمات ليس لها معـنى في قاموس أية لغة ، كأنها نهـيق تارة وزقـزقة العـصافـير تارة أخـرى أشبه بالهـذيان وبطريقة هـستيرية يرتجـف خـلالها جـسمه ويهـزّ رأسه كأنه مجـنون أما الآخـرون فـصامتون بخـشوع ! وفي نهاية هـذا النوع من الصلاة الصرَعـية سألتُ كـبـيرهـم : ما الذي كان يفـعـله الأخ ؟ قال : كان يصلـّي ، قـلتُ : بأية لغة ؟ قال : بلغة لا يفـهـمها إلاّ الروح القـدس مثلما فـعـل تلاميذ يسوع في يوم الخـمسين ( وهـو عـيد العـنصرة ) فـقـلتُ : ولكن التلاميذ تكلمـوا بلغات الناس الذين كانوا حاضرين آنذاك معهم ، وكل منهم فهمها بلـُغـته ، قال : نعـم وقـد يتكلم هـذا الرجـل يوماً بلغاتـنا نحـن الحاضرين الآن معه ! فـقـلتُ له : متى يتم ذلك ؟ قال : لا ندري ! إنها مشـيئة الروح القـدس ، فـقـلتُ له : إسمعـني جـيـداً ! عـهـد في ذمَّـتي إذا تكلم هـذا الرجل الإفـريقي بلـُغـتي الآرامية ( لغة الرب يسوع ) فأنا سأتـرك كاثـوليكـيتي وأنـتمي إلى جـماعـتكم !!! فـنظر إليّ نظرة لم أفـهـمها .

 مايكل سيبي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *