دور الكنيسة الكلدانية في النهضة القومية الكلدانية المعاصرة 1-2

لكل أمة مؤسساتها المختلفة، من سياسية و ثقافية و اجتماعية و دينية ، تشترك هذه المؤسسات في هدف واحد هوالنهوض بهذه الأمة و تقديم الخدمات لأبنائها من اجل حياة كريمة و بناء مستقبل أفضل لهم.
في الظروف العادية تعمل هذه المؤسسات بشكل مستقل عن بعضها البعض و حسب اختصاصاتها و أهدافها و تطلعاتها واهتماماتها ، لكن في الأزمات والشدائد و المحن التي تواجه هذه الأمة و التي قد تصل في بعض الأحيان الى درجة تهدد وجودها و مستقبلها ، عندها لا يبقى اي خيارأو مناورة امام هذه المؤسسات الاّ ان تلتف حول بعضها البعض لمواجهة تلك الظروف للخروج من تلك الأزمات بأقل الخسائر، و لتعيد بناء ما قد فقد و شوّه و دمّر.
لو تصفحنا التاريخ نجد امثلة كثيرة على ما أصيبت به أمم و شعوب من مصائب و ويلات ، لكن بكفاءة و إصرار و حسن تصرف قياداتها، و نتيجة لتكاتف و تعاون مؤسساتها المختلفة تمكنت من ان تتعافى وتتقدم في تحقيق اهدافها و اثبات وجودها من جديد .
 فنرى مثلاً تعاون و مؤسسات الشعب اليهودي و تفاعلها فيما بينها ، و في مقدمتها مؤسستهم الدينية و رجالها ، قد ساهم كثيراً في انجاح مشروع  تأسيس دولة عبرية قوية . فرجل الدين اليهودي بالإضافة الى التزاماته كرجل دين ، الا انه في الوقت ذاته قد نجده  سياسيا نشطاً و رجل أعمال ناجح ايضاً ، و بذلك يصبح دوره عنصراً مهماً و فاعلاً و مؤثراً في خدمة قضايا شعبه المصيرية.

 شاهدنا أيضاً كيف تتعامل المؤسسات الدينية الإسلامية الشيعية و السنية في العراق مع الأحداث و التطورات السياسية التي شهدها و يشهدها البلد، و تفاعلها المستمر معها بكل طاقاتها و امكانياتها . كذلك نرى رجال الدين المسلمين اصبحوا اليوم المؤثر الأكبر في الحياة السياسية والاجتماعية لبلدانهم. و نشاهد ايظاً التظاهرات الأخيرة في الدول العربية ، و كيف أصبحت المساجد مراكز للتجمع و نقاط لإانطلاق المظاهرات و المسيرات ، و كيف  أصبحوا رجال الدين المسلمين يشاركون  بكثافة و اندفاع في تلك التظاهرات  والتي اثمرت بتحقيق اهداف شعوبهم.
كما كان دور البطريرك الماروني السابق مارنصرالله صفير مؤثراً على الساحة السياسية اللبنانية، و كانت تصريحاته و لقاءاته يحسب لها الف حساب عند السياسيين اللبنانيين و المارونيين منهم بشكل خاص.
واليوم نرى البطريرك الجديد مار بشارة الراعي  يلتقي بالسياسيين اللبنانيين و يدعو رؤساء الأحزاب المسيحية الى اجتماع خاص معه للتباحث في الشأن الداخلي الماروني و المستجدات السياسية على الساحة اللبنانية.
ولعل هناك مثال آخر امامنا وهو دور الكنيسة الآثورية و رجال دينها في دعم الأحزاب و المؤسسات القومية الاثورية علناً و بإفتخار و دون تردد. و هذا الدور و النهج الذي سلكته الكنيسة الآثورية و رجالها ساعد كثيراً في تفوق الأحزاب الآثورية (بالرغم من قلة عدد الآثوريين )على اقرانهم من الكلدان و السريان ، بل و تستولي(الأحزاب الآشورية) على الحقوق القومية و السياسية للكلدان و السريان في التمثيل الحكومي و البرلماني ، ومن ثم أصبحت هي التي تقرر مصيرهم و بالطريقة التي تتناسب و آيدولوجيتها الشمولية.

لنعود الى شعبنا الكلداني و قضيتنا في ترسيخ وجودنا في وطننا الأم  و في نيل حقوقنا القومية و السياسية و الدينية فيه ، و التي تكاد ان تكون كلها مفقودة الى يومنا هذا.
 فتسميتنا القومية الكلدانية الأصيلة  قد تم حذفها من دستور اقليم كردستان قسراً  لتمتزج مع أخريات دون احترام ارادة شعبنا الكلداني بكل مؤسساته الدينية و السياسية و القومية و الثقافية . أما حقوقنا السياسية فلا وجود لها ، فليس لنا اليوم اي تمثيل سياسي و قومي كلداني في البرلمانين ، العراقي و الكوردستاني ، اما حقوقنا الدينية كمسيحيين، فيجري الحديث عنها و كأنها مكرمة و منية من شركائنا في الوطن الذين يعتبروننا عملياً  و في احسن الأحوال ، شعب من الدرجة الثانية يحق له العيش فقط ، فاقداً للإرادة و الحقوق الأساسية الأخرى.
أما قرانا و مناطق تواجدنا فهي تعاني من قيام السلطة و القوى المتنفذة بمحاولات مدروسة لتغيير ديموغرافيتها عن طريق الاستيلاء على الأراضي و العقارات العائدة لها و توزيعها على غير أهلها و ساكنيها.

أمام هذه التحديات و الظروف الصعبة التي يمر بها شعبنا الكلداني اليوم ، لابد من وثبة جسورة و صادقة  لكل مؤسساتنا الكلدانية ، لتعمل بكل طاقاتها و امكانياتها من أجل النهوض بهذه الأمة من جديد ، كأمة حية لها حقوقها و دورها في وطنها. و لعل اولى هذه المؤسسات الكلدانية المطالبة بالتحرك الجاد وفق مفهوم و استراتيجية جديدة مدروسة ، هي كنسيتنا الكلدانية المقدسة ، لأنها لا تزال هي الممثل الأكبر لشعبنا الكلداني و هي المعادلة الأصعب بين مؤسساته ، وبذلك تقع على عاتقها المسؤولية الكبرى في الدفاع عن هذه الأمة و المطالبة بحقوقها و رسم مستقبلها بالتعاون مع بقية المؤسسات.

يخطأ من يظن بان المؤسسة الكنسية الكلدانية هي بمنأى عن الخطر من الهجمة الشرسة التي تطال المؤسسات السياسية والقومية و الثقافية  للشعب الكلداني ، و انما هو عكس ذلك تماماً ، فإن اضعاف مؤسساتنا القومية و السياسية و الثقافية و محاولات تحريفها عن مسارها الصحيح بكل الوسائل و المغريات، سينعكس سلباً على الكنيسة الكلدانية  ودورها و فاعليتها و مكانتها و مستقبلها .
 والعلاقة هي طردية بين قوة و دور الكنيسة الكلدانية و قوة مؤسساتنا السياسية و القومية العاملة في الساحة ، فالكنيسة تكون في وضع افضل في اداء مهامها حينما يكون للكلدان احزاب نشطة و قوية وممثلين أكفاء في الحكومة و البرلمان يقومون بدورهم في ايصال معانات ابناء أمتهم و مؤسساتهم الى الجهات المعنية من أجل ايجاد الحلول المناسبة و المرجوة لها.
 وفي نفس الوقت فإن ضعف مؤسساتنا القومية و السياسية سينعكس سلبا على دور و مكانة الكنيسة ايضاً  ، وهذا ما نلمسه اليوم للأسف الشديد على الساحتين السياسية و القومية على الأقل.

 ان الذين يتربصون بمؤسساتنا السياسية و القومية اليوم من أجل اضعافها الى الحد الذي تعجز عن القيام باي دورفاعل و مؤثر لها ، انما يريدون بذلك فرض وصايتهم على الشعب الكلداني بهدف الإستيلاء على كافة  حقوقه .
و بالتأكيد أصحاب هذه الآيدولوجيته الشوفينية تفرض عليهم أيدولوجيتهم بأن يكون هدفهم  التالي الغير المعلن هو ضرب الكنيسة الكلدانية بكل الوسائل المتاحة لهم من أجل إضعافها و زعزعتها لكي لا  تتمكن من القيام بدورها  في نهضة الكلدان و اثبات وجودهم.

للموضوع بقية

سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *