دار داران دور عبادي دق بابنا؟ محمد مندلاوي

قبل أن أبدأ، أود أن يعلم القارئ الكريم، أن عنوان المقال ليس له علاقة بمضمون المقال، سوى أنه عنوان يربط بين ما تردده الأطفال في الصف الأول الابتدائي في المدرسة، حين يقرؤون دار داران دور، وهكذا أطفال السياسة الكورد، حين يرددون بذات الصيغة الصبيانية بعض الألفاظ الشبيهة بها  دون تفكير بانعكاساتها الخطيرة ونتائجها الوخيمة على الشعب الكوردي.

لا ندري متى نسمع إلى خطاب سياسي كوردي واضحة المعالم ومحددة الأهداف، يحدد ويعلن للعدو المحتل وللعالم أجمع حدود كوردستان الحقيقية كما يجب؟، ويطالب علناً بحقوق الشعب الكوردي القومية والوطنية كاملة متكاملة من دون نقصان؟ للأسف الشديد، هناك ثلة من السياسيين والقادة الكورد لا زالوا يتخبطون في تصريحاتهم التي تملأ صفحات الإعلام الكوردي والعربي والعالمي، حين يتحدثون عن الأمور المصيرية الخطيرة التي تخص الحقوق المشروعة لهذا الشعب الجريح، بل الأَمَر من هذا كله، في أحيان كثيرة وبسبب جهلهم المركب وعدم درايتهم بألف باء السياسة يصرحون تصريحات في غاية الخطورة والأهمية لكن عند مراجعتها ودراستها وتحليل مفرداتها ترى أنها ضد الشعب الكوردي أرضاً وشعباً وتاريخاً. لا شك إن هذا الغباء والسفه المتفشي بين السياسيين الكورد، وخاصة حين يستخدمون الكلام بعكس معناه، هو الذي حفز العرب.. كي تقول متهكماً: الكورد يجيدون كل شيء إلا السياسة.

لكن بعد الانتخابات الاتحادية المفصلية، التي جرت في الثاني عشر من أيار  2018 ونظراً لحساسية الوضع الراهن الذي يمر به المنطقة والعالم يجب على أي سياسي كوردي جاهل، أو أي إنسان كوردي يشغل موقعاً هاماً وحساساً ولا يفقه شيئاً في عالم السياسة، أن يحترم ذاته وينحى بنفسه جانباً حتى يتبوأ مكانه الرجل المناسب المؤهل تأهيلاً دراسياً عالياً – أنا لست منهم- لكي يملأ موقعه بجدارة واقتدار في كوردستان أو في البرلمان العراقي الاتحادي في بغداد ممثلاً عن الشعب الكوردي في جنوب كوردستان.     

ربما يسأل القارئ الكريم، ما هي النقاط التي على السياسي الكوردي أن لا تغادر فكره ويتعامل وفقها مع غير الكورد، وتحديداً العرب، والمستعربون، وأعني بهذا الأخير حكام العراق الجدد أولئك الذين لا زالوا يحتلون نصف مساحة جنوب كوردستان، ويرفضون فك الارتباط معه حتى يعلن استقلاله التام ويؤسس دولته الوطنية أسوة بدول العالم. ولا أستثني هنا أولئك الذين يسيرون في ركاب الأشياع من السنة  وأشباه العلمانيين. أولاً: هل يشاهد في وسائل الإعلام المتعددة، وفي مراكز القرار، وعلى أرض الواقع في بغداد العاصمة وبقية مدن العراق في الوسط والغرب والجنوب ملامح شراكة الكورد والعرب في هذا الكيان المسمى جمهورية العراق الاتحادي؟؟ ثانياً: يجب على كل سياسي كوردي في الكيان العراق الاتحادي، أن لا يعتبر نفسه عراقياً مائة بالمائة إلا بقدر ما تفرضه شروط الاتحاد والتزام الجانب العربي ببنود التي وردت في وثيقة هذا الاتحاد – الدستور- الذي انبثق بين الإقليم الكوردي، جنوب كوردستان، والإقليم العربي المسمى عراق. وهذا يسري على كل مواطن كوردي ضمن الحدود السياسية لهذا الكيان الاتحادي، لأن المواطن الكوردي له وطن ينتمي له منذ آلاف السنين اسمه كوردستان، أما الكيان العراقي، كما أسلفت كيان اتحادي انبثق بعد عام 2005 من إقليمين جنوب كوردستان والعراق، فارتباط المواطن الكوردي بالعراق نص عليه بنود وفقرات الدستور الاتحادي، بأنه ينتمي إلى إقليمه الكوردستاني لا العراقي، ولا إلى القومية العربية أيضاً، وإلا لماذا يمنح الدستور الاتحادي ذات الحق الذي يتمتع به العراق الاتحادي لإقليم كوردستان؟ إلا في بعض الأمور الذي تنازل عنه الطرفان العربي والكوردي للكيان الاتحادي. وهكذا يقول الدستور في عدد من مواده وفقراته، حيث يقول في مادته الأولى: جمهورية العراق دولة اتحادية. السؤال هنا، هل أن الاتحاد ينبثق من كيان واحد؟ أم من كيانين فما فوق؟ بلا شك من كيانين فما فوق. تأكيداً على أن للكورد مثلما للعرب، يقول الدستور في مادته الرابعة: اللغة العربية واللغة الكوردية هما لغتان رسميتان للعراق.. . هذا تأكيد ثاني على أن العرب والكورد يتعايشان في كيان اتحادي أسسوه عام 2005. إلا أن الجانب العربي وحتى المستعربون الشيعة كعادتهم ليسوا صادقون ولا أمناء في تحالفاتهم، لقد خرقوا على مدى الأعوام الماضية خمسة وخمسون مادة دستورية اتحادية، وهذا الخرق الفاضح جعل الاتحاد الفتي يترنح على أيدهم، لذا لا ندري في أية لحظة سينفرط عقد الاتحاد ويذهب كل إلى حال سبيله ويؤسس دولته الوطنية. ثانياً: قال الدستور: إصدار الجريدة الرسمية تكون باللغتين. وهذا  دليلاً آخراً على أن الكورد ليسوا عراقيون بل هم كوردستانيون في حالة الاتحاد مع العراق. ويضيف الدستور في الفقرة ب- أن التكلم والمخاطبة والتعبير في المجالات الرسمية كمجلس النواب، ومجلس الوزراء، والمحاكم، والمؤتمرات الرسمية، بأي من اللغتين. هنا المشرع ساوى تماماً بين اللغتين حتى لا تتسيد إحداهما على الأخرى. وفي الفقرة ج- يقول: الاعتراف بالوثائق الرسمية باللغتين وإصدار الوثائق الرسمية بهما. وهذا أيضاً دليلاً آخراً على أن الكورد شعب قائم بذاته ووطنه أيضاً لم ولن يكن جزءاً من الكيان العراقي إلا في مرحلة الاتحاد القسري الذي فرضه الاستعمار البريطاني وانتهى نهائياً عام 2003 على أيدي الجيش الأمريكي. وفي الفقرة هـ – يقول الدستور: أية مجالات أخرى يحتمها مبدأ المساواة، مثل الأوراق النقدية، وجوازات السفر، والطوابع. إن هذا النص الدستوري أيضاً يبين بكل وضوح أن الكورد والعرب شعبان مختلفان عن بعضهما في كل شيء، كل منهما له وطنه وتاريخه ولغته وزيه الخاص الخ إلا أن السياسة الدولية التي تقودها الدول العظمى وفقاً لمصالحها.. طلبت منهما أن يتحدا بينهما في كيان واحد إلى حين، لكن خلال هذا الوقت من الدهر لم يفقدا خصوصيتهما القومية والوطنية، حيث أن الانتماء للوطن شيء مقدس له خصوصيته، والعيش ضمن كيان اتحادي شيء آخر مرتبط بوجود هذا الاتحاد إلى التاريخ الذي يريده البيت الأبيض الأمريكي. والدليل الآخر على أن كوردستان وطن الكورد ليس جزءاً من الكيان العراقي، لقد ذكر الدستور الاتحادي في خمس فقرات متباينة اسم “إقليم كوردستان” دون لاحقة العراق. لكن للأسف الشديد السياسي الكوردي الأمي في كل أحاديثه يكرر مرات ومرات ” كوردستان العراق” أو “كورد العراق” أو “نحن جزء من العراق” ومثل هذا الكلام.. يشيعه ويتبناه أيضاً حزب جلال الطالباني، المسمى بالاتحاد الوطني الكوردستاني الذي لا زال يقوده الطالباني من قبره، حيث يذكر نظامه الداخلي أربعة عشر مرة صيغة: كوردستان العراق!!، بينما الدستور العراق الاتحادي يقول صراحة: إقليم كوردستان. نكتفي بهذا القدر في هذه الجزئية، وإلا هناك مواد وفقرات كثيرة في الدستور الاتحادي يشير صراحة إلى كوردستان من غير العراق أرضاً وشعباً وتاريخاً. حتى في زمن حكم نظام حزب البعث المجرم، اعترف رسمياً وطبقه عملياً بأن كوردستان ليست العراق، من لا يتذكر حين أمر رئيس النظام الديكتاتور صدام حسين في بداية التسعينات من القرن الماضي بسحب جميع دوائر الدولة العراقية من جنوب كوردستان. أليس هذا اعتراف علني وصريح بأن كوردستان ليست العراق، وإلا كيف بدولة تأمر الشرطة والجيش وقوى الأمن والدوائر الخدمية الخ بالانسحاب من جزء من أرض وطنه أن كان جزءاً منه بحق وحقيقة؟؟.

يجب على السياسي الكوردي أن يكون كلامه سياسياً أن لأن السياسة كالفلسفة، التي من أساسياتها الاهتمام بالأبعاد الحقيقية لوجود الإنسان على هذا الكوكب الأزرق، وهكذا المشتغل في عالم السياسة، يجب عليه أن يكون ملماً بكل شيء يتعلق بكوكبنا الدوار وما عليه من كائنات، حتى يضبط لسانه ولا يستخدم مفردات غير دالة على معانيها تلحق أضراراً جسيماً بالكورد وكوردستان. أكرر، يجب على السياسي الكوردي، أن يختار لتصريحاته وأحاديثه مفردات صحيحة وسليمة حتى وأن تغضب هذه المفردات الأعداء، وأعني بالأعداء أولئك الذين لم يعيشوا في أجواء سياسية صحية فلذا آذانهم غير متعودة على سماع مصطلحات صحيحة التي تحمل في طياتها معانيها السليمة الصائبة، مثل كوردستان دون أن تلحقه بالعراق، أو الشعب الكوردي، وليس الكورد العراقيون، لأن الكورد كوردستانيون؟،لا يجوز أن تقول كوردستان جزء من العراق، أو تقول منطقة كوردستان، لأن تسمية المنطقة تعني أنها جزء من دولة ما. أو تسمي أبنائك بأسماء عربية كأحمد وحسين وخالد الخ هذا لا يجوز قط، ما من أحد يسمي أبنائه أو يطلق أسماءاً على مناطق ومشاريع يستعيرها من لغة عدوه ذلك الذي يحتل أجزاءاً وطنه؟؟. هل يوجد فلسطيني سمى أبنه شامير؟ أو حسقيل؟ أو سمى إحدى مدنه بأورشليم، أو تل أبيب؟. لذا يجب على كل كوردي أن يستنبط الأسماء من صميم جلالة لغته الكوردية، ومن واقع شعبه الكوردي. هل يوجد قبرصي يوناني سمى الأشياء بتسميات تركية مقيتة؟؟ بالطبع لا. إذاً يجب على السياسي الكوردي أن يعمل وفق ما تتطلبها مصلحة الشعب الكوردي فقط لا غير، وإلا يترك منصبه ويرحل..، إلا يشاهد السياسي الكوردي كيف أن السياسيين العرب من أجل مصلحتهم يخالفون حتى قرآنهم ونصوصهم المقدسة؟، حيث أن القرآن في آيات صريحة يقول أن أرض إسرائيل هي ملك كتبها الله لليهود كما جاءت في سورة المائدة آية 21: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم.. . وفي سورة الأعراف آية 128- 129 يقول القرآن: قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون. وفي نفس السورة آية 137 يقول القرآن: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون. في هذه الآيات القرآن يوافق ما جاء في سفر التكوين 15: 7: وقال له: أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها. وأيضاً في سفر التكوين 17:8: يقول له: وأهبك أنت وذريتك من بعدك جميع أرض كنعان – إسرائيل، فلسطين- التي نزلت فيها غريباً ملكاً أبدياً. وأكون لهم إلها. وفي سورة القصص آية 5 قال القرآن عن بني إسرائيل: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. أرجو من جميع القراء الكرام وتحديداً السياسيون الكورد، أن يذهبوا إلى “موقع الإسلام” السعودي الرسمي ويقرؤوا تفاسير هؤلاء الأربعة الكبار، الجلالين، الطبري، ابن كثير، القرطبي، ليروا بأم أعينهم ماذا يقول هؤلاء الفطاحل في تفسيراتهم عن هذه الآيات القرآنية. عزيزي القارئ الكريم، كما أن السياسي العربي، كذلك السياسي التركي الطوراني لا يعبأ بالنصوص المقدسة أيضاً، حيث أن النظام الحكم الآن في جمهورية تركيا إسلامي يرأسه المدعو رجب طيب أردوغان، لكن الزنا وبيع الخمور الخ مشرعة بقانون ويعاقب بالسجن من يعيقها ويقف ضدها!!!. أ تلاحظ أيها الكوردي، كيف أن السياسي العربي والتركي يخالف نصوصاً مقدسة من أجل مصلحته؟؟. أود هنا أن أقول، أنا لا أدعوا إلى مخالفة النصوص الدينية لأي دين كان، لكني فقط أردت أن أضع أمام السياسي الكوردي مثل هذه الأمور حتى يعرف كيف يتعامل مع هؤلاء المراوغون، ويلعب معهم ألاعيب السياسة على حقيقتها لا غير.

يجب على السياسي الكوردي، أن لا يتعامل مع بغداد كأن الاستفتاء الذي أفتى فيه الشعب الكوردي بنسبة 95% لفك الارتباط مع العراق والاستقلال صار شيئاً من الماضي، يجب عليه أن يضع نصب عينه بأن الاستفتاء لا زال قائماً ويمكن الرجوع إليه في أية لحظة تتغير فيها السياسة الدولية لصالح الشعب الكوردي المظلوم. ثم يجب على السياسي الكوردي أن يتعامل مع العرب وغيرهم في كركوك والمناطق المستقطعة الأخرى كمستوطنين أوباش جاءت بهم السلطات العراقية العنصرية المتعاقبة لتغيير هذه المناطق الكوردية، الكوردستانية ديموغرافياً. في الحقيقة شيء يحير، لا أدري كيف وافق السياسي الكوردي بإجراء استفتاء على أجزاء من أرض وطنه؟؟؟!!! كيف يحق للمستوطن الذي يجب أن يحاكم ويغرم من أن يكون له صوت في وطن ليس له حق الوجود فيه؟؟؟!!!. يجب على السياسي الكوردي، أن يعلم، أن الشعب الكوردي يتابع ما يقول ويتداوله في حياته اليومية، أن كان كلامه خطأ نتيجة الجهل و اللامبالاة سيعتبر خطيئة، أي ذنباً متعمداً يرتكبه بحق الشعب وسيعاقب عليه عاجلاً أم آجلاً، لأن خطئه هذا سيكلف الشعب أثمان باهظة من الدماء والأرواح البريئة. لذا، يجب على السياسي الكوردي، أن يقرأ لعدوه ويهضم نتاجاته حتى يعرفه جيداً. عليه أن يعرف، أن السياسي الحاكم في العراق اليوم ينتمي لمدرسة عقائدية يستخدم التقية – الكذب الشرعي- في تعامله مع الآخرين، أضف له، أنه لا يعتبر الكورد بشراً، بل من نسل الجن الكفار، لذا يحق له وفق انتمائه لتلك المدرسة العقائدية أن يستعمل معهم كل أنواع الكذب والمراوغة والود المغشوش، ويحق له حتى أن يحكم بهم السيف ويبيدهم كما أفتى بذلك أحد مشايخهم الكبار.  

20 06 2018

“حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه أنت”

(تشرشل)

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *