خيبة أمل الشعب العراقي

ثمانُ سنواتٍ إلا شهر مَرَّت على التغيير السياسي الذي حدث في العراق، والشعب العراقي يترقب أن يجني ثماراً ايجابية تُنسيه ما عاناه من الحرمان والقمع على أيدي قوى النظام الديكتاتوري البعثي، ولكن الأحزاب التي هيمنت على السلطة السياسية للأسف لم تتعاون بجديةٍ وإخلاص مع الشعب بكل مكوناته لتحقيق المهمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية المتعلقة بحياته ومعيشته وحريته التي كان محروماً منها، بل أثبتت وراثتها للكثير من سلبيات النظام السابق سواءً كان في مجال الفقر والحرمان والبطالة، أوالمجالات الجمة الأخرى كالفساد الإداري والمالي والتخلف الإقتصادي والإجتماعي وغياب المجتمع المدني بكل شكل من أشكاله، بالإضافة الى السماح بظهور النظام الطبقي والسيطرة الحزبية . بيد أن هذا الواقع ومِن غير شك بحاجةٍ الى وقتٍ وجهدٍ كبيرَين للخلاص منه وعِلاج المشاكل الناتجة عنه، كما يحتاج الى تضافر جهود المجتمع بأكمله لتحقيق الأهداف التي ينشدها ويصبو إليها الشعب العراقي .

وبعد مرور السنوات الثمان على حكم الأحزاب الدينية الإسلامية والطائفية وزيادة الموارد المالية، قابلها تفاقم ظاهرة الفساد المالي حتى فاحت رائحته بدرجةٍ تُزكم الأنوف، في الوقت الذي كان يجب العكس أن يحدث وهو مكافحة هذه الظاهرة البشعة ومعاقبة الفاسدين بصرامة، وإزاء هذا التهاون بدأ الناس يتململون ويتغلب عليهم النفور من الحكم، فكان لا بدَّ من تحركهم لمواجهة هذه الحالة المزرية.

حكومة المحاصصة الحزبية والطائفية لم تسعَ لوضع خطةٍ تنموية اقتصادية واجتماعية بهدف تغيير بنية الإقتصاد والمجتمع، وإنما اعتمدت سياسة تجارية بالكامل أغرقت الأسواق بالسلع، دون أن تبذل الجهد لتغيير بنية الريف العراقي والزراعة ولا أعطت الإهتمام للتصنيع. إن هذه الحالة السلبية تُعيق نمو الإقتصاد ولا تساعد على تنامي الثروة الوطنية وبالتالي لا تساهم في مكافحة البطالة بشكليها المكشوف والمقنع لأبناء العراق من الجنسَين، كما أن بذخ الأموال هدراً بهذا الشكل لا يُحقق للوطن الراسمال التراكمي المطلوب والذي يعتبر السند المهم للغاية من أجل أمن العراق الغذائي بنوع خاص والسلعي بنوع عام .

إن التنمية المجتمعية المدنية والحريات العامة والديمقراطية هي مجرد مصطلحات لدى الحكومة العراقية، إذ لم تعمل على تنميتها لا في المجتمع ولا في قيادات وبنية الأحزاب السياسية الحاكمة. إن مفهوم الحرية والديمقراطية لا يقتصر على إجراء الإنتخابات وهو طبعاً مهم لنزاهتها، ولكنهما يحتويان على قيم ومؤشرات كثيرة ينبغي أن تتوفر في الأداء الحكومي وعلاقته مع الشعب، وفي ما يتعلق ببنية وأنشطة الأحزاب السياسية. فمتى كان لأيٍّ رئيس حكومة ومنذ ثمان سنوات مبادرة ً للدعوة الى إقامة ندوات شعبية تحاورية مع مختلف فئاتها، وهل قام أحدهم بتفقد الأحياء الشعبية والوقوف على مشكلاتها لإيجاد حلٍّ لها؟ ومتى تمَّ استفتاء الشعب على مسائل أساسية تمس مصيره ومستقبله. أليست هذه كلها إشكاليات تجعل العلاقة بين الشعب وحكومته معقدة وتؤدي الى التباعد عن بعضهما؟

ليس لأحدٍ الإنكار بأن الأمن والإستقرار كانا في اضطراب دائم نتيجة الصراع المذهبي الشيعي والسني تنازعاً على السلطة، نتج عنه فراغ وإهمال إستغلتهما الأطراف الإقليمية التي يقلقها ويؤرقها بروز عراق جديد بعد زوال عنه الديكتاتورية التي استعبدت شعبه لأكثر من ثلاثة عقود، فأراد أن يسلك طريق التقدم باعتماد مباديء الديمقراطية والحرية، فتصدَّت لطموحاته وجنَّدت مجموعات من الإرهابيين، وسهلت لهم التسلل الى العراق فعاثوا فيه فساداً ودماراً وأحبطوا جهود الحكومة العراقية وأشغلوها عن الإنصراف الى متابعة مشاريعها التنموية والخدمية، بل شلّوا قدراتها الى الحد التي لم تعد قادرة ً على ردعهم ودحرهم، ولكن الشعب لم يكن راضياً على أداء الحكومة بهذا الصدد، وحمَّلوها المسؤولية الكاملة بعدم جديتها بمكافحة الإرهاب بل إتهموا بعض عناصرها بالضلوع فيه.

بعد مرور هذه الفترة الطويلة لا يجد المواطنون في بغداد والمحافظات الحد الأدنى من الخدمات، لماذا تنعدم خدمات الكهرباء والماء بهذا الشكل المزري؟ لماذا تكون خدمات الإتصال بهذه الرداءة؟ لماذا تتراكم القمامة كالأطلال في الأحياء السكنية والأزقة؟ لماذا عمَّ الفقر والبطالة ولماذا ولماذا. . . أليست هذه الحزمة من الظواهر السلبية سبباً لتحرك الشباب والنساء والرجال نحو التظاهر يدفعهم اليأس من عدم ايفاء الحكومة بوعودها لتوفر لهم العمل والحياة الكريمة! هل المطلوب منها أن تتصدى لهم وتقمعهم، أم الواجب عليها أن تستمع إليهم وتُحاورهم وتبذل كُلَّ جهدٍ ممكن لتلبية مطالبهم المشروعة؟ إنهم لم يخرجوا الى الشارع لتغيير النظام بل للمطالبة بإجراء إصلاحات جذرية في سياسة الحكومة التي هم انتخبوها لتعمل من أجل إسعادهم . إذا لم تستجب الحكومة الى المطالب الشعبية، فإن سقف مطالب الشعب سيرتفع وهذا من حقه ولن يُجدي التعامل معه بالقسوة والقمع. كما أن التأخر في الإستجابة ليس بصالح الحكومة ولا بمصلحة الوطن من حيث الإستقرار والتطور ودرء الأخطار الخارجية المحيطة بالعراق.

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 9 / 3 / 2011

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *