خمسة أيام في ديترويت

خمسة أيام من 15/5/2013 الى 19/5/2013 لم تكن كغيرها من الأيام التي مرّت في السنوات السابقة بقيمتها الروحية منذ أختيار شهر أيار لعبادة العذراء مريم البتول – أم الله – من قبل البابا أينوشنسيوس الحادي عشر، ففي منتصف هذا الشهر أي في الخامس عشر منه وهو أيضاً تذكار العذراء مريم حافظة الزروع، بدأ اليوم الأول من أيام المؤتمر القومي الكلداني العام في مدينة ديترويت الأمريكية – مركز ثقل الكلدان في العالم، وأختتمت أعماله بعد خمسة أيام أي في يوم 19/5/2013 وهو اليوم التاريخي في هذه الأيام والذي لا يصادف مثله يوم آخر(يصادف يوم الأحد ولكن ليس في 19/5)، فكانت صدفة مباركة أن يكون الأفتتاح في يوم عيد العذراء حافظة الزروع، والأختتام في يوم عيد حلول الروح القدس على التلاميذ في يوم العنصرة، فأصبحت الأيام الثلاثة الأخرى مُظَلّلة ومحمية من العذراء مريم والروح القدس والدليل كان معالجة وحل جميع الأشكالات والأختلافات في الآراء والصعوبات التي ظهرت خلال المناقشات المكثفة بين الأحزاب والتنظيمات الكلدانية، وكان الوصول الى الأتفاق التاريخي بينها وأنبثاق ((ميثاق شرف أتحاد القوى السياسية الكلدانية)).

هذه الظلال الروحية كانت قوة كبيرة دافعة لأكثر من سبعون مندوبا من الناشطين الكلدان من كافة أنحاء العالم سواء كانوا من التنظيمات والأحزاب الكلدانية أو من المستقلّين يجمعهم هدف واحد ورغبة حقيقية لتوحيد الخطاب الكلداني الذي كان تبعثره سببا مُضافاً لما لَحِق بالكلدان من غبن وتهميش وصلت الى حد محاولة ألغاء قوميتهم ولغتهم الكلدانية، فبروح التعاون والمحبة التي سادت بين الجميع تم الوصول الى النتيجة التي عُقِدَ من أجلها المؤتمر، تلك النتيجة التي كانت ثمرة جهود جميع المؤتمرين، بدءاً من المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد في أمريكا وكندا، وجهود اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي عملت بكل شفافية وديمقراطية طيلة سنة كاملة رغم الصعوبات التي تظهرفي مثل هذه الحالات لأن الأجتماعات كانت تحصل في البالتوك بين الأعضاء في أنحاء مختلفة من العالم رغم الأختلاف في التوقيتات بين الدول، وكان لروح التضحية التي سادت بين رؤساء الأحزاب والتنظيمات الكلدانية العامل المؤثّر المهم في الوصول الى هذه النتيجة.

جميع أيام المؤتمر كانت أيام أعراس حقيقية، فأذا كان اليوم الأول هو يوم أفتتاح المؤتمر في أكبر قاعة للجالية الكلدانية في ديترويت (قاعة شنندوا) حيث كان عدد الحاضرين يتجاوز الألف شخص بينهم عدد من المسؤولين الحكوميين والدينيين في مقدمتهم سيادة مار أبراهيم أبراهيم الذي كانت لكلمته الأفتتاحية أثراً عميقاً في نفوس المؤتمرين وزميله سيادة المطران مار باوي سورو الذي قوبلت كلمته المؤثّرة بالأرتياح التام، وكذلك كلمة سيادة المطران مار سرهد يوسب جمو التي ألقاها بالنيابة الأب الفاضل نوئيل الراهب.

وكانت رسالة غبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو وبركاته الأبوية قوّة أضافية للمؤتمر، كما تُليَت رسالة سيادة مار يوحنا زورا مطران أبرشية مار أدي الكلدانية في كندا الذي أخبر المؤتمرون بأنه شاركهم في صلواته وتمنّى للمؤتمر كل النجاح والتوفيق، فضلاً عن رسائل أخرى عديدة من جهات سياسية تدعو للمؤتمر بالموفقية.

وكانت البحوث ومناقشاتها تقدّم في أيام المؤتمر الثلاثة التالية ليوم الأفتتاح من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الخامسة عصراً، تليها فترة أستراحة قصيرة لينتقل المؤتمرون الى أحدى القاعات حيث تعرض نشاطات الجالية الكلدانية الأجتماعية والأقتصادية والثقافية والفنية، وعندما نقول عن ديترويت “مركز ثقل الكلدان” فأنها الحقيقة دون أدنى شك أنها جالية شابّة، ففي الوقت الذي كان جيل الآباء والأجداد ينصرف الى العمل والأعمال الحرّة منذ الصغر، أصبح توجه الجيل الحالي نحو الدراسة والتحصيل العلمي فأستطاع شبابه أن يصل الى درجات عليا من السياسة والأقتصاد، فعندما يكون رئيس غرفة التجارة للجالية التي تملك مشاريع وأعمال بمليارات الدولارات شاب في الثلاثين من عمره، فأن تلك الجالية هي شابّة، وعندما يصل شاب من الجالية في الثلاثين من العمرالى منصب عضو في مجلس ولاية مشيكن نتيجة دعم الجالية له، فهي جالية شابة ذو مستقبل مشرق، وعندما لا تخلو مستشفيات ديترويت من طبيب أو صيدلي أو طبيب أسنان أو محلل مختبر أو ممرض كلداني، فأن تلك الجالية تستحق أن تكون مركز ثقل للكلدان، وعندما تكون في مدينة ديترويت أكثر من عشرة كنائس كلدانية، وفي بعض من هذه الكنائس يُقام أكثر من ثلاثة أو أربعة قداديس يوم الأحد وتكون جميع هذه الكنائس غاصّة بالمؤمنين على أختلاف أعمارهم وأجناسهم، فأن تلك الجالية هي حيّة، وعندما يكون في تلك الجالية مئات العائلات التي تكفل بمعيشة مئات العائلات المهاجرة من العراق في دول الجوار كالأردن وسوريا ولبنان لمدة شهر لسنين مضت وأخرى قادمة، فتلك الجالية تستحق لقب “مركز ثقل الكلدان”.

وكان يوم أختتام المؤتمر الذي صادف يوم الأحد “عيد حلول الروح القدس على التلاميذ في عليّة صهيون” حيث تمت مناقشة آخر الفقرات من الساعة الحادية عشرة صباحاً وحتى الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر وتم الأتفاق على جميعها وكان ذلك في منتزه الجالية ذو المساحة الشاسعة الذي يبعد عن المدينة حوالي أربعون كيلومتراً ويحتوي على كنيسة حديثة البناء بأسم مار كوركيس ومنتزه كبير فيه بحيرتان مع مجموعة من الدور والقاعات يؤمّه أبناء الجالية لقضاء بعض الوقت في حدائقه ومناظره الطبيعية البهيجة في فصل الصيف، بعدئذ توجه الجميع الى الكنيسة التي أقام القدّاس فيها سيادة مار أبراهيم أبراهيم، وبحضور سيادة مار باوي سورو والأب نوئيل وكافة أعضاء المؤتمر وجمع غفير من المؤمنين الذين غصّت الكنيسة بهم، وبعد القدّاس أستفسر سيادة مار أبراهيم من الدكتور نوري منصور عن نتيجة المؤتمر، فزفّ الدكتور نوري بشرى الأتفاق الذي حصل فعلا التصفيق أرجاء الكنيسة.

وهنا لا بد لي من الأشارة الى جهود خاصّة ومتميّزة لثلاثة شخصيات كانت لجهودها الأثر الرئيسي فضلاً عن جهود رؤساء الأحزاب والتنظيمات الكلدانية الأخرى، هذه الشخصيات حسب قناعتي كانت كل من الدكتور عبدالله رابي الذي أدار جلسات المؤتمر بكفائة نادرة والدكتور نوري منصور رئيس المنبر الديمقراطي الكلداني الموحّد في أمريكا وكندا الذي كان عامل التوفيق أثنا فترات الصعوبات، والدكتور نوري بركة الذي كانت لآراءه ومقترحاته أثرها الفعّال في الوصول الى ما وصل اليه المؤتمر.

 

بطرس آدم

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *