تهجير أكثر من ألفي عائلة مسيحية في حمص

الخميس 5 من ابريل 2012

بعض الأديرة فتحت أبوابها لـ «800 » وافدفرضت الأزمة التي تمر بها سورية وتحديداً محافظة حمص واقعاً مريراً على البشر والحجر معاً، وخلخل الإرهابيون الأمن والأمان الذي طالما تميزت به سورية كما خلخلوا خدمات الناس،
وتركت الأزمة خلفها صوراً وحكايا يندى لها الجبين، ما دفع بالسكان الآمنين إلى ترك بيوتهم قسراً وإلى أن تتحمل أعباءهم المناطق والبلدات المجاورة وتتحمل معهم ضغط معيشتهم، (تشرين) تابعت الصورة على الأرض ورصدت هذا الواقع المأساوي..
ألفا عائلة قدّر غسان مخول- رئيس اللجنة الاقتصادية العمالية والفلاحية في شعبة الحزب في منطقة مشتى الحلو عدد العائلات الموجودة في منطقة المشتى والكفارين والقرى المجاورة مثل (الجويخات) و(عيون الوادي) بألفي عائلة -على أقل تقدير- وذلك حتى العاشر من شهر آذار الماضي، وهي في أغلبيتها عائلات قدمت من حمص، هذا إضافة إلى أن بعض أديرة المنطقة مثل (السيلزيان) استقبلت (800) وافد من حمص وذلك في الأسبوع الأول من شهر آذار، ومن ثم تدبر هؤلاء المئات أمكنة إقامتهم إما لدى أقارب أو أصدقاء.. وذلك دلالة واضحة على الأوضاع شديدة الصعوبة التي تمر بها بعض المحافظات مثل: حمص حيث دفعت بالكثيرين للمجيء إلى مشتى الحلو وبعض القرى التي تتبع لمحافظة طرطوس، إضافة إلى ريف المنطقة الغربية من محافظة حمص.
كما ونستدل من خلال عقود الإيجار المسجلة لدى بلدية المشتى على عدد العائلات التي أجبرت على ترك مدينة حمص (بعد أن تعطلت مرافق حياتها كلياً لاسيما في شهري شباط وآذار) فقد بلغ عدد عقود الإيجار (61) عقداً في كانون الأول وشباط من العام الحالي، كما وسجل الشهر الأخير من العام الماضي (34) عقداً في حين أنه في أوقات مماثلة من أعوام مضت كان عدد العقود شبه معدوم. بدوره يقول رئيس بلدية الكفرون المهندس حسن علي: إن تجمع الكفارين معتاد على استقبال الناس في المواسم السياحية ما يعني أنه لم يشكل فرقاً يذكر سوى في التوقيت وفي الضغط الذي ترتب على المدارس إذ ازداد عدد الطلاب إلى الضعف تقريباً في بعض الصفوف، مع التذكير بأن عدد مدارس الكفارين هو ثمان للتعليم الأساسي وإعداديتان وثانوية واحدة.
شتاءات مختلفة إذاً فهذه القرى المضيفة كان لها فيما مضى شتاءاتها الساكنة إلا من صخب عناصر الطبيعة… شتاءات ملهمة لكل محب للعزلة، لكن في هذا الشتاء تغيّر طعمها.. فقد خالط أصوات ا لرياح صخب حياة لجموع قادمة من حمص ومن أحياء ساخنة جداً، ولسوء حظ هذه الجموع فقد خبرت شتاءً تميز بقساوته إذا ما قورن بأعوام مضت، ما وضع الجهات المعنية في محافظة طرطوس أمام مسؤوليات خدمية مضاعفة أهمها تأمين مواد الطاقة من مازوت وغاز، إضافة إلى المواد الغذائية والتموينية، وأيضاً فقد حملت محافظة طرطوس عبء قرى المنطقة الغربية من محافظة حمص.. فهذه القرى الغربية أتخمت هي الأخرى بالوافدين من مدينة حمص، وعانت ضغطاً معيشياً وخدماتياً ضخماً، ما دفع بمن وفد إليها أن يبحث عن غازه ومازوته وحتى البنزين في قرى طرطوس ما رتّب أرتالاً من السيارات المنتظرة أمام محطات الوقود (مع الإشارة إلى أن عدد هذه الأخيرة في منطقة المشتى هو ست محطات)، وأيضاً ترتب عن هذا الضغط البشري والخدماتي ارتفاعاً غير مسبوق في سعر أسطوانات الغاز الذي وصل إلى 550 أو 600ل.س، ويبقى سعراً معقولاً إذا ما قورن بسعر الأسطوانة في حمص الذي وصل إلى ألف ل.س، هذا في حال توفرت هذه المادة.
مخول أشار إلى الحلول الإسعافية التي تم اتخاذها فقد خصص محافظ طرطوس منطقة المشتى بـ(200) ألف ليتر من المازوت كحل إسعافي، وزعت بطريقة التوزيع المباشر للمواطنين، وزاد عدد معتمدي الغاز من اثنين إلى خمسة، إضافة إلى مراكز التوزيع الحكومية وعددها ثلاثة، وازدادت إنتاجية المخبز الآلي، كما رفدت المؤسسة الاستهلاكية بكثير من المواد التموينية الأساسية، وقد سجل فرع المؤسسة حجم مبيعات غير مسبوق ليوم واحد فقط بقيمة (800) ألف ل.س وهو رقم لم يتحقق خلال شهر واحد من الأعوام الماضية.
كثافة طلابية يضيف مخول: عملنا ما بوسعنا لتأمين مادة المازوت للجميع، بما فيها المدارس التي ازدادت الكثافة الطلابية فيها.. فقد ارتفعت من (25) طالباً في الشعبة الواحدة إلى (45) وأحياناً إلى (50) طالباً، وتم العمل بشكل طوعي على تأهيل عدد من المقاعد المنسقة، وافتتحت شعبتان إضافيتان في المرحلة الإعدادية، وسهلت (تربية طرطوس) من قبول الطلاب الحماصنة ولم يحدث أن رفض أي طلب للنقل إلى مدارس المنطقة، مع التنويه إلى أن عدد مدارس مشتى الحلو هو ثانوية واحدة، وإعدادية ومدرسة تعليم أساسي (حلقة أولى وثانية).
على خط الهلال الأحمر السيدة رويدا سعادة صاحبة مؤسسة (أنيس سعادة للاحتياجات الخاصة) قدّرت عدد الأسر المسجلة والمستحقة لإعانات الهلال الأحمر بـ(1400) عائلة وذلك في منطقة المشتى والقرى المجاورة، وهي إعانات مختلفة (غذائية منزلية وغيرها) وبدأ التوزيع مع مطلع شهر آذار، حيث جعلت هذه المؤسسة الأهلية الخيرية من مقرها مركزاً للتوزيع، كما وسيقام مركز آخر للتوزيع في بلدة المشتى نفسها- إضافة إلى أن كنيسة السيدة أقامت هي الأخرى مركزاً لتوزيع الإعانات تم التبرع بها من قبل المجتمع الأهلي المحلي في المنطقة. فنادق ولكن..! بدوره يقول م. يوسف إبراهيم – مدير مكتب السياحة في مشتى الحلو: إن إشغالات الفنادق شبه معدومة، فعلى سبيل المثال لم تتجاوز نسبة نزلاء منتجع المشتى الـ (10%) أما زبائن الإطعام (في الفنادق) فهم قلة قليلة، كما وانتفت ظاهرة عطلة نهاية الأسبوع ومظاهر الفرح ومنها المهرجانات فما من بلدة سياحية أقامت مهرجاناتها السنوية وذلك منذ بداية الأزمة.
زيادة في عدد الأسر المحتاجة ومبادرات« أهلية » بالمساعدات ويضيف إبراهيم: لم يسجل مكتب السياحة في سجل زواره أي زائر وذلك منذ ستة أشهر تقريباً. إذاً فهذه المنطقة السياحية وغيرها شهدت وتشهد موسماً من نوع آخر ليس به إلا طعم الحكايات كالحة السواد عن عنف متفاقم في مدينة حمص مارسته وتمارسه مجموعات مسلحة، وعن مناطق وشوارع خصصت للقنص، وعن غياب كامل للخدمات فالرصاص والقذائف أصابا مقتلاً ليس فقط من البشر بل من أسلاك الهاتف والكهرباء، أما القمامة فقد تراكمت وسط الأبنية السكنية، وتحمّل سكان مدينة حمص الكثير والكثير جداً من العنف الذي تأجج إلى ذروته في بعض الأحياء: كالحميدية، بستان الديوان، وادي السايح، والذي ترك آثاره الكبيرة على شرفات وواجهات الأبنية والمحال التجارية..وأسقف اخترقتها قذائف.. أسطح علتها حرائق وغيرها وغيرها من أضرار للبشر والحجر.. تلك الأيام شديدة العنف دفعت بالبقية المتبقية لمغادرة أحيائها وسكناها.. مع بعضهم التقينا وكانت لهم حكاياتهم، كثير من أصحاب المهن خياطون، قصابون، حلاقون، أصحاب محلات تجارية وحتى أطباء تحدثوا لـ (تشرين) يقول أحدهم (مهنته خياط): منذ أشهر لا أعمل.. بالكاد كنت أفتح محلي ومن ثم لم أعد أتمكن من فتحه ولم يعد من زبائن، تركت مدينة حمص مع بداية شهر آذار والرزق على الله..
يقول آخر: تمسكت حتى تلك الأيام الفظيعة بالبقاء في منزلي، لكن قذيفة أتت على سقفه.. لدي أطفال وعلي الحفاظ على حياتهم.. جئت بهم والآن ماذا أفعل هل أتركهم وأعود.. ولكن لمن أتركهم؟. يتحدث رجل مسن بأسى بالغ فيقول: شيخوختي وأمراضها ووحدتي دفعوني لمغادرة منزلي.. ذاكرته تأبى إلا أن تتذكر مشاهد مقتل العديد من عناصر حفظ النظام اليافعين.. يقول: كانوا كأبنائي.. وأشاح بعينيه اللتين كمن لم تغادرهما أبداً صور جثث هؤلاء اليافعين… مشتى الحلو إحدى السيدات كان عليها أخذ جرعاتها الدوائية بانتظام كي تبرأ تماماً من مرض عضال ألمّ بها.. تقول: كان علي الاختيار بين منزلي والبقاء به وبين مغادرة حمص.. فقد فات على موعد أخذ دوائها أكثر من أسبوعين ولم يكن ذاك في مصلحة شفائها، فقررت المغادرة بعد أن غادر طبيبها واستحال ذهابها إلى آخر أو إلى مشفى أو أية مؤسسة صحية عامة أو خاصة بعد أن أغلقت جميعها، إذاً لو أردنا متابعة كل الحكايات فإنها تقول عن ما يشبه الجحيم قد وقع آنذاك..
مشاهدات.. – من النادر جداً مشاهدة زبائن للإطعام في منطقة مشتى الحلو إن كان في فنادق أو مطاعم، لهذا تحول الكثير منها إلى مقاهٍ أو كافتيريات أو ما يشبه النوادي مع أسعار إما خفضت على نحو بسيط أو حافظت على ما كانت عليه قبل الأزمة.. – تقلصت إلى حد كبير ظاهرة شرب النرجيلة بسبب ضيق ذات اليد في زمن الأزمة وليس لأسباب صحية.. أما الأحاديث الدائرة بين رواد هذه المقاهي فهي أحاديث الأزمة التي تمر بها البلاد والعباد. – المتربعون من الأساتذة على عروش الدروس الخصوصية غادروا هم أيضاً مدينة حمص، وتجد إما الأستاذ يلحق بطلابه متنقلاً من منزل إلى آخر، أو إذا كان للأستاذ مكانة وسمعة تعليمية خاصة فإن الطلاب يأتون إليه. – الأسعار حلقت على نحو جنوني في ظل موجة الغلاء العامة هذه، وعندما تسأل عن أسباب غياب الرقابة التموينية: يقولون لك: إن عدد المراقبين المخصصين لكل المنطقة هو أربعة فقط! – ازدحام مروري شديد تشاهده في مشتى الحلو، صافيتا، مرمريتا (الحواش) وغيرها وهي بلدات ربما اعتادت مثل هذا الازدحام لكن بوطأة أقل ولموسم سياحي قصير. إيجارات شهرية مرتفعة للشقق (لاسيما في قرى الريف الغربي من محافظة حمص) تستنزف المدخرات المتواضعة للوافدين، مثلما استنزفت الأزمة قدرتهم على التحمل. لكن للمؤجرين رأي آخر: فقد خفضوا إلى حد كبير من إيجارات شققهم المفروشة وكثير منها يتراوح إيجاره بين سبعة آلاف إلى عشرة آلاف ل.س فقط، وهو إيجار شهري مخفض جداً لكنه يشكل عبئاً ثقيلاً على الوافدين ممن نضبت دخولهم.

سيريا نوبلز

Nala4U.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *