تل جوخا في الناصرية.. من أكثر المواقع الأثرية عرضة للسرقة في العالم

 

الجيران – وكالات:

قبل أن يتوقف أبو أحمد عن نبش الأرض في منطقة تل جوخا الأثرية كان يحرص على أن يتبع مرافقوه خطواته وعدم الابتعاد بعيدا لتجنب انهيار التربة تحت أقدامهم وكذلك حرصا على عدم سحق اللقى الأثرية في منطقة ترابية هشة البنية.

ويقول أبو أحمد، أنهم كانوا يدخلون المنطقة الأثرية وهم يستقلون سياراتهم إلا انهم تجنبوا هذا الأمر بعد أن نبههم أحد الحراس السابقين للمكان بأن السيارات تسحق الآثار المدفونة في التربة.

وبعدها اكتشف أنهم كانوا يسيرون بسياراتهم فوق سقوف بيوت أثرية أو مقابر جماعية لمن سكنوا المنطقة قبل آلاف السنين وتحولت في السنوات الأخيرة إلى ساحة نبش مفتوحة أمام الجميع دون رقيب.

وتل جوخا الممتد على مساحة ثمانية كيلو مترات مربعة، قرب ناحية النصر (55 كم شمال الناصرية)، يتعرض إلى عمليات نبش وسرقة مستمرة وصنفته الامم المتحدة كأكثر المواقع الأثرية المعرضة للسرقة في العالم.

ويقول المعاون الفني لرئيس مجلس محافظة ذي قار السابق عبد الحسين هادي هجر إن شخصا واحدا كان يتولى حماية المنطقة الاثرية الشاسعة. وأضاف ان الشرطة المحلية ضبطت بالصدفة قبل أيام احد لصوص الآثار وبحوزته تمثالا اثريا مهما.

وأشار الى ان مديرية شرطة الآثار المكلفة بالحماية كادرها صغير ولا تقوى على حماية الموقع، والمنطقة التي تحيط بها تضم كذلك مواقع اثرية اخرى مثل (ام العقارب) و(شميث) غرب مدينة الرفاعي.

وعند الطلب من أبو أحمد ذكر اسمه بالكامل قال إنه اسمه لن يفع أحدا على اعتبار انه كان واحدا من مئات الأشخاص الذين نبشوا في الموقع الأثري وعثروا على أحجار ومعادن ثمينة وتماثيل وآثار أخرى باعوها الى تجار محليين.

وأضاف ان “التجار المحليين كانوا يقولون لنا إن معظم الاحجار الكريمة والذهب سيتم اعادة تصنيعها لتكون محابس او سبح للصلاة، وبعدها اكتشفنا ان هنالك خطوط لتهريب اللقى المهمة الى كل دول الجوار”.

وقال أبو أحمد أيضا “نحن كنباشين بالمنطقة لا نحصل الا على القليل من الاموال التي تشكل مصدر رزقنا الاساس ولم يمنعنا احد من التقاط الاثار الا مؤخرا. لكن سمعنا ان اثار تل جوخا اثمانها غالية بعد ان تم القبض على تجار مؤخرا في لبنان”.

ويقول ممثل منظمة اليونسكو في بغداد ضياء السراي إن “عملية سرقة الآثار العراقية بدأت بشكل ممنهج منذ زمن النظام السابق، وقد اشرف عدي ابن صدام حسين على عملية تهريب الاثأر وبيعها الى الدول العالم، أو مبادلتها بحيوانات نادرة وسيارات حديثة “.

وأضاف أن “العملية تطورت بعد سقوط النظام وأصبحت المناطق الاثرية مفتوحة للجميع”.

ويقول إن منظمته رصدت فقدان أكثر من 130 إلف قطعة أثرية في العراق منذ عام 2003 الى الان، مشيرا إلى ان اليونسكو ساهمت بإعادة 7 ألاف قطعة أثرية الى المتحف العراقي.

كما أشار إلى أن هناك كما هائلا من الآثار مخزنة بطريقة غير نظامية وغير علمية بسبب قلة التخصيصات لوزارة السياحة والآثار وبسبب إهمال الحكومة بهذا الجانب.

ويؤكد السراي أن نسبة الآثار التي سرقت من ذي قار تصل الى 78% من المناطق المحصورة بين محافظتي ذي قار وواسط.

ويرجح مسؤول محلي سابق يدعى جميل شبيب تواطؤ الحراس مع اللصوص لنبش المواقع الأثرية وبيع الآثار في السوق السوداء تمهيدا لتهريبها خارج البلاد.

لكن ليس جميع اللقى الأثرية تهرب إلى خارج العراق حيث يشاع على نحو واسع اقتناء مسؤولين وأثرياء لأحجار ثمينة وارتدائها بداعي إنها مباركة.

ويقول حسين الصباغ الذي يملك متجرا لبيع الأحجار الثمينة في الناصرية إن “المسؤولين ورجال الدين يقتنون الأحجار الكريمة لأنهم يعتبرون بعضا منها مباركة وتطرد الشر عنه”.

وأضاف “المسؤول لا يعنيه ان يعود الخاتم الى عهد الدولة الساسانية او العباسية، ولا يعتبره تعديا على التاريخ، بقدر اهتمامه ببركة الحجر الكريم والأسماء والآيات او الطلاسم المنقوشة عليه. الخواتم والمسابح أصبحت جزءا لا يتجزأ من هندام المسؤول ورجل الدين”.

ويؤكد الصباغ بالقول “اننا نعرض بضاعتنا من الاحجار الكريمة علانية وبدون تردد او خوف فلا توجد تعليمات محددة من الدولة تمنع المتاجرة بالأحجار الكريمة الاثرية، حتى لو كانت تعود الى العصور السومرية”.

وتشير تقارير اختصاصية الى إن هناك ما يقرب من 170 ألف قطعة أثرية فُقدت من العراق اثناء غزو البلاد في 2003، من بينها 15 ألف قطعة مسجلةً ضمن مقتنيات المتحف الوطني.

وتمكنت وزارة السياحة والآثار العراقية بعد سنوات من استعادة آلاف القطع بعضها تضرر بالكامل والبعض الآخر بحالة متوسطة.

ويقول العراق إنه استعادة مطلع العام 2010 نحو 1046 قطعة أثرية من الولايات المتحدة كانت ضمن قطع كثيرة هُربت في مختلف الأوقات بصورة غير شرعية.

وكشفت دراسة آثارية أجراها معهد أميركي مؤخرا ان هناك دلائل جديدة على استمرار بيع الآثار العراقية في السوق السوداء.

وصادقت 189 دولة على اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي في اليونسكو وهي ملزمة بإعادة الاثار المسروقة الى العراق.

إلا أن الحكومة العراقية واجهت مشكلة مع بعض الدول التي تبيح امتلاك الاثار والمقتنيات التراثية ضمن قوانينها النافذة.

ويوجد في العراق نحو 12 ألف موقع أثري تعود إلى حضارة السومريين والبابليين والآشوريين والحضارة الإسلامية، ودولة بني العباس التي اتخذت من بغداد عاصمةً لخمسة قرون، ولا تزال هذه الأماكن مهددة بالسرقة والنهب والتجاوزات غير المرخصة.

وحصل أبو أحمد على أعلى صفقة لعمله في نبش المناطق الآثار في نهاية تسعينيات القرن الماضي عندما عثر على تمثال حجري صغير على شكل طائر وباعه بمبلغ يعادل خمسة أضعاف راتب معلم المدرسة في ذلك الوقت.

ويعلم أبو أحمد أنه سيحصل على ثمن أكثر فيما إذا استطاع إيصال بضاعته الى بغداد وأكثر بكثير فيما اذا تمكن من إيصاله للسوق السوداء خارج البلاد حيث لا تزال الآثار العراقية تباع علانية في بعض المزادات.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *