تقليص حصة كوردستان من موازنة الدولة العراقية ازمة خطيرة تلوح في الأفق

رغم مضئ حوالي عشر سنوات على إسقاط النظام ، لا يلوح في الأفق مظاهر عودة الحياة الطبيعية الهادئة والآمنة المبنية على اسس من الديمقراطية ، وما نجده على ارض الواقع ، هو تواتر الأزمات بشكل مستمر ، وكمحصلة لذلك  تتوقف عملية البناء والتصنيع والعمران ، وتوضع العصي في عجلة التقدم العراقية ، فبقي العراق خلال العقد المنصرم يراوح مكانه رغم إمكانياته المالية الهائلة وقدراته البشرية الفائقة ، وفي المقدمة نلاحظ تعثر العملية السياسية العراقية ، والعراق باستمرار يخرج من ازمة ليقع في أزمة اخرى ، وقد نسي المسؤولون في هذه الدولة ان الشعب العراقي انتخبهم ليكون ديدنهم الإخلاص في العمل وخدمة العراق والسعي على تطوره وتقدمه ، وليس خلق الأزمات والتناكف على المناصب ، والسكوت على الفساد ، وجعل البلد وكأنه غابة سائبة ليس فيها امان .
اخطر تلك الأزمات هي التي تخلق مع اقليم كوردستان ، وليس معلوماً ما هو الهدف من ذلك، هل هو انتقام  شخصي ؟  لكون الرئيس مسعود البارزاني طالب بسحب الثقة من دولة رئيس الوزراء نوري المالكي ، وإن خلق العراقيل امام تطبيع العلاقات ووضع نهاية للمشاكل بين المركز والأقليم هي جزء من ذلك الثأر ؟ ام ان المسألة هي العودة الى السياسات القديمة في التعامل مع الأقليم بعقلية شوفينية .
بعد حوالي عشر سنوات على الوضع في اقليم كوردستان وفي المناطق المتنازع عليها ، خطر على بال الحكومة العراقية  ان عليها ان تبسط نفوذها على تلك المناطق ، وهكذا طفت على سطح المشهد السياسي العراقي ازمة تزامنت مع تشكيل قوات دجلة التي رابطت في محافظة ديالى كما اسند لها القائد العام للقوات المسلحة ادارة العمليات في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى التي تضم المناطق المتنازع عليها ، وجراء هذا الأنتشار حصلت اصطدامات بين قوات الأمن العراقية وقوات البيشمركة في قضاء طوزخورماتو ، فكان التوتر على اشده بين بغداد وأربيل ، وحصلت تحشدات الطرفين في المناطق المتنازع عليها .
بعد إدراك خطورة الموقف حيث ان الحرب الأهلية باتت وشيكة تطرق الأبواب ، بادرت  تدخلات ووساطات من شخصيات وقوى سياسية عراقية إضافة الى تدخل اميركا بثقلها لأنهاء الخلاف ، وبعد التفاؤل بالخروج من تلك الأزمة التي كادت تدخلنا في حرب أهلية طاحنة ، ھدأت اﻷوضاع نسبيا على ميدان المواجھة العسكرﯾة بين قوات الجيش العراقي والبيشمركة الكوردية ، وبعد الخروج من ذلك النفق نجد انفسنا مرغمين في ولوج دهاليز نفق آخر وذلك حينما طالب قيادﯾون في ائتلاف دولة القانون من خلال تصريحات صدرت عنھم بخفض حصة كردستان من 17 في المائة إلى 13 – 12 في المائة، وانضم إليھم نواب في كتلة العراقية الحرة .
إن الحجج في هذا الطلب أنهم يريدون في حصة كردستان من ميزانية الدولة، فھم ﯾرﯾدون التعامل مع كردستان كمحافظات وليس كإقليم معترف به ، وهذا يخالف مواد الدستور الذي نصّ في مادته الأولى على أن “جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”

خارطة توضح توزيع المجموعات العرقية والمذهبية في العراق (الجزيرة) من مركز الجزيرة للدراسات حسب الرابط )
http://studies.aljazeera.net/reports/2012/06/2012616121337228231.htm
وإذا القينا نظرة على نسبة 17% وهي حصة الأقليم من موازنة العراق ، فإن الواقع الحقيقي غير ذلك إذ يستقطع من هذه النسبة  17%  كنفقات سيادية وتعويضات الكوﯾت وغيرھا، فلن تبقى لكردستان في الحقيقة سوى 13% من الميزانية .
وﯾرى المتحدث الرسمي باسم كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي مؤﯾد طﯿب الذي أشار في تصريح لـجريدة «الشرق اﻷوسط يوم 09 / 12 / 12 » إلى أن ھذه اﻷزمة الجدﯾدة مرشحة للتفجر بشكل أخطر من سابقاتھا، خصوصا أن موازين القوى في ھذه المواجھة
لن تكون متكافئة؛ حيث ستكون كتلة التحالف الكردستاني ھي الطرف اﻷضعف بسبب محدودﯾة عدد مقاعدھا داخل مجلس النواب إذا ما أثيرت ھذه المسألة ھناك.
وأشار المتحدث إلى «أن ھناك محاوﻻت متواصلة لتأجيج الشارع العراقي وتأليبه على إقليم كردستان،والسعي ﻹفھام ھذا الشارع بأن اﻹقليم ﯾأخذ أكثر مما ﯾستحق من أموال الدولة، وأن التقدم والنھضة العمرانية التي ﯾشھدھا اﻹقليم ھو على حساب العراقيين اﻵخرﯾن، وھذا بحد ذاته تھرب من مسؤولية الحكومة عن التزاماتھا بإعادة إعمار البلد؛ ﻷن الموارد المتاحة أمام تلك الحكومة ھي أكثر بكثير مما تخصص ﻹقليم كردستان، وبإمكان تلك الحكومة لو كانت لدﯾھا إرادة فعلية لتحقيق النھضة التنموﯾة والعمرانية في العراق أن تفعل مثلما فعل اﻹقليم، فھي لدﯾھا نفس وزاراتنا ونفس إمكاناتنا .. ( انتهى الأقتباس ) .
إن العرب والأكراد والكلدان وسائر المكونات الأخرى شريكة في الوطن العراقي ، وينبغي على الجميع المساهمة في بناء وتقدم هذا البلد ، وإن الأكراد يقومون بعمل جيد في تعمير اقليم كوردستان ، وانا لست كردياً ولست عربياً بل قوميتي هي القومية الكلدانية وأقف على مسافة واحدة من العرب والأكراد ، ولكن الحقيقة يجب ان تقال :
الأكراد يعملون على بناء وتطوير اقليم كوردستان بهمة ونشاط ، ومن الطبيعي ان هذا الأقليم هو جزء من العراق ، فلماذا الغضب من استقرار وامن الأقليم ؟ وحينما يكون اقليم كوردستان منطقة آمنة وهادئة ومستقرة يشعر الأنسان بأهمية الحياة وعظمتها ، ولهذا نتمنى ان يكون العراق برمته هادئاً ومستقراً وآمناً وديمقراطياً وان يمنح حقوق الشعب الكلداني المسلوبه في وطنه العراقي ، وإن يشعر الأنسان العراقي بأهميته في الحياة وعظمة هذا الأنسان الذي بنى وشيد الحضارات ، وسن الشرائع والقوانين الأولى في الكون ، وقسم الوقت وبين مواقع الكواكب والبروج السماوية هذا هو العراق بلاد الكلدان ، الذين ازدهر العراق اثناء حكمهم .
نحث حكومتنا المنتخبة ان تعمل على تطوير ونهضة العراق وعلى ترسيخ الأسس الديمقراطية للحكم ، وان تعمل على تعايش وتسامح الأطياف المجتمعية الجميلة ، وان توثق الأخوة والتسامح بين هذه المكونات ، وتنأى بنفسها عن تسليح العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها .
إن العراق هو وطن الجميع ، والحكومة هي حكومة الجميع ، ورئيس وزرائها هو رئيس كل العراقيين إن كانوا من العرب او الأكراد او الكلدان او التركمان او السريان او الآثوريين او الأرمن او من المندائيين او الأزيدية او او من المسلمين من السنة او الشيعة او من المسيحيين او من الشبك او الكاكائيين .. وعليه ان يعمل على تقوية لحمة هذه المكونات لا ان يبددها ويعمل على إضعافها ، على الحكومة ان تمنح الجميع حقوقهم المشروعة بما فيها حقوق الشعب الكلداني المظلوم في وطنه العراقي .
إن خلق الأزمات مع كوردستان ليس في صالح العراق ، وإن الثروات التي تبخل بها الحكومة العراقية على اقليم كوردستان ، وتريد تصعيد الموقف معها وربما تتطور الأمور الى حرب اهلية ، فإن عوائد النفط العراقية التي ليس للعراق واردات اخرى غيرها ، فسوف يبدد  تلك المبالغ الهائلة على الأسلحة والأعتدة والخدمات اللوجستية ، فلنوفر تلك المبالغ للبناء والتعمير بدل تبديدها في الحروب والمعارك ، ولدينا تجارب مريرة من نتائج تلك الحروب ، فلتمنح كوردستان حصتها الكاملة ولتنسحب قوات دجلة من تلك المناطق لكي نعمل جميعاً على بناء العراق العظيم بدلاً من تهديمه .

د. حبيب تومي / اوسلو في 11 / 12 / 12

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *