تساؤلات مشروعة لسيادة المطران مار ربّان القس الجزيل الإحترام

 ” خاهه عَمّا كَلْذايا ”
الهُوية وليست الهَوية

سيدي المطران الجليل، تنبأنا خيراً عندما أقدمت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وبشخص رئيسها غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلّي، بإعلانهم صراحةً وبكل وضوح موقف رجال الدين من الهوية القومية، وهذه بادرة كان المفروض أن تُتخذ منذ زمنٍ، ولكن وكما يقول المثل العراقي “لا تندم على ما فات” فقد أجمعوا على ذلك، والإنسان مهما يكن موقعه ومنصبه، إن كان بدون هوية قومية، فهو كالتائه في الصحراء يبحث عن قطرات الماء، إن الجماعة الأثنية هي ذات وحدة طبيعية بايولوجية، ولكن اليس من المعلوم بأن الهوية تعني فيما تعنيه من معاني أنها الذات؟ فمن كان بدون هوية يكون بدون ذات، تائه، لا يعرف اصله، لا حقيقة له، لا يوجد ما يميزه عن غيره، وبالمناسبة فهي تُقرأ الهُويَّة وليست الهَوية هذا الخطأ الدارج، والهُوية نسبة إلى هُوَ، والهوية القومية هي البوتقة التي تنصهر فيها فكرة القومية، وللفرد في حياته عدّة هويات، منها هوية المواطنة من حيث إنه عراقي الهوية، والهوية الشخصية التي تحتوي على عدة حقول منها الأسم واللقب والطول والعمر ومنطقة السكن والحالة العلمية وغيرها، فهي هوية شخصية، والهوية القومية التي يجب أن تكون عندنا هي الهوية الكلدانية، وكما قلنا في مقالٍ سابق، بأن الهوية الوطنية العراقية هي محدد للهوية القومية الكلدانية، لا يمكنها أن تلغي الخصوصيات الثابتة ولا تتعارض مع الهوية القومية وخصوصياتها، من لغة وتاريخ وتراث وعادات وتقاليد وغيرها، وإن الإجهار بالهوية القومية ليس عيباً ولا إنتقاصاً، ولا هي مسألة تثير الإنتباه أو الإستغراب، ولا تقلل من الهيبة والإحترام، بل العكس، عندما يجهل الإنسان هويته القومية هو عين العيب والإنتقاص، وهو دلالة من دلائل ضعف الوعي الإجتماعي.

الإجهار بالهوية القومية معناه، نعرف مَنْ هو (أنا) ومَنْ هو أنت! أو الآخر، فالهوية القومية هي أصل الإرتباط بالوطن والمواطنة.

أسوق هذه المقدمة البسيطة لسيادتكم، لتوضيح ما تعنيه الهوية القومية، فالكثير من رجال الدين الكلدان الكاثوليك ينفرون من مسألة الهوية القومية، ويعتبرونها عامل تفرقة، أو على الأقل لا يهمهم بقدر ما يهمهم الإيمان، ولكن الهوية الإيمانية إن لم تكن جنباً إلى جنب مع الهوية القومية تبقى يشوبها النقص، ولنا في حديث مار بولس الرسول خير دليل على ذلك، في أعمال الرسل الفصل السادس عشر الآية 38 عندما عرفوا بالهوية الوطنية لمار بولس خافوا وأطلقوا سراحه، “أيحق لكم أن تجلدوا مواطناً رومانياً من غير أن تحاكموه؟ أعمال 22/ 25

اليوم نحن على المحك، علمانيين ورجال دين، الشعب الكلداني باسره.

يجب على الجميع إثبات الهوية القومية، لقد أجمع السادة المطارنة الأجلاء على تثبيت موقفهم القومي في عدة مجالات، منها التأكيدات الكثيرة على رئاسة الجمهورية ورئاسة إقليم كردستان، وعلى سبيل المثال وليس للحصر، رسالة باطريركية بابل الكلدانية إلى الحاكم المدني في العراق السيد بول برايمر برقم 21 والمؤرخة في 3/9/2003 يثبتون فيها مكانة الكلدان في العراق الجديد، ودَورهم في المشاركة ببنائه، وقد وقّعها ثمانية عشر مطراناً، وقد خلت من توقيع سيادتكم، ورسالة أخرى من باطريركية بابل الكلدانية إلى فخامة رئيس إقليم كردستان الأستاذ مسعود البرزاني الجزيل الإحترام وهي برقم 39/9 مؤرخة في 25/6/2009 والتي يطالبون فيها التأكيد على الهوية القومية الكلدانية في إجتماع أساقفة الكلدان المنعقد في عنكاوة بتاريخ 5/5/ 2009 ويؤكدون ما قرره برلمان إقليم كردستان، بخصوص المادة الخامسة من مسودة دستور الإقليم. ومما يؤسف له حقاً أن نرى سيادتكم خارج هذا الجمع المبارك.

السؤال الذي يطرح نفسه هو/ لماذا خلت هذه الرسائل من توقيع سيادتكم؟ وهل هي رفض لِما أجمعَ عليه السادة المطارنة جميعاً؟ أم هي عدم إهتمام بالهوية القومية؟ أم أن سيادتكم ترون بأن هناك هوية قومية أخرى غير الكلدانية تحملونها؟ أم ترفضون ما أجمع عليه الكثيرون؟ أم أن هناك اسباباً تدعو سيادتكم إلى عدم الإعتراف بالهوية القومية؟.

السؤال الثاني الذي ما زال يقلقني هو: ما هي دوافع الزيارة التي قمتم بها لغبطة الباطريرك مار دنخا وماذا تعني؟ ولماذا قمتم بزيارة قداسة البطريرك ولم تقوموا بزيارة المطارنة الكلدان؟ هل هي وجه من أوجه تقديم الطاعة والولاء ؟ أم صيغة من صيغ الإعتذار عن البيان الذي أصدرته البطريركية الكلدانية؟ أم دعم ومساندة؟ أم هي رسالة موجهة لرؤسائك الدينيين وإخوتك المطارنة الموقعين على الوثيقة بأنك خارج ما يجمعون عليه؟ لا أدري هل تمكنت بعض القِوى من كسب ود بعض رجال الدين الكلدان؟ لإستخدامهم في ضرب الكلدان وتقطيع أوصال الجسد الكلداني؟

لربما تكون الزيارة هي زيارة معاتبة أخوية والإستفسار، لماذا اراد أن يضعنا تحت الخيمة الآثورية؟ أسئلة تقلقني يا غبطة المطران الجليل أتمنى ان اسمع جواباً شافياً من لدن سيادتكم.

أتمنى أن تكون زيارتكم المقدسة لغبطة البطريرك مار دنخا هي رسالة تحملونها إلى غبطته، لتمهيد طريق إلعودة إلى أحضان الكنيسة الكاثوليكية المقدسة الجامعة الرسولية، وإن كانت كذلك، فبوركت جهودك يا سيادة المطران الجليل، وأهلاً وسهلاً بقداسة البطريرك مار دنخا الرابع وجمعه المؤمنين في رحاب الكنيسة الكاثوليكية وقوميتهم الأم الكلدانية.

 

 

You may also like...