تساؤلات مشروعة حول المطالبة بإستحداث محافظة سهل نينوى

 

أنا مع مبدأ : الإختلاف في الرأي يجب أن لا يفسد في الود قضية ، لذا أطرح التساؤلات التالية على بساط البحث أمام أشقاءنا الساسة الذين يطالبون بإستحداث محافظة مسيحية ، علها تثير لديهم قدراً من المراجعة الذاتية الواقعية للمشروع وإستقراء تطورات المشهد العراقي بدقة ، للخروج بتقييم موضوعي واقعي وإستنتاجات منطقية مجردة بعيداً عن الإندفاع الحماسي والمصالح الشخصية ، وتجنب الإنجراف خلف الوعود المضللة لإستخلاص عِبر من أحداث الماضي المؤسفة ، ومحاولة التكهن بتاريخ نفاذ صلاحية الروابط بين الإقليم والمركز، ثم إلقاء نظرة ثاقبة من كافة الجوانب إلى اللوحة السياسية التي أمامنا لمشاهدة العلامات الصفراء والخضراء والحمراء لمستقبل المنطقة ، كما يخطط القائد العسكري قبل دخوله ساحة معركة حاسمة تقرر مصير جنوده وضباطه وخلاص شعبه ومستقبل وطنه حين يضع على الخارطة التي أمامه خطة تفصيلية دقيقة لعملياته ويضع على أرض الواقع مساحة مفترضة للحركة يستخدمها في أسوأ الإحتمالات وفي مخيلته بدائل لكافة التطورات .

إن الغرض من إثارة هذه التساؤلات ليس الإستمتاع بكلمة “لا” ، ولا النقد من أجل النقد ، ولا كلمة حق يُراد بها باطل ، بل من أجل الحفاظ على أمن وسلامة أبناء شعبنا في مساكنهم وبلداتهم ، والحرص على ديمومة بقاء وإستقرارالأجيال القادمة في وطن الأباء والاجداد في زمن المعايير المزدوجة في التعامل الدولي والمفاهيم المتناقضة في التطبيق ، عصر تناغم المصالح الإستراتيجية على حساب المبادئ وإبرام الصفقات التجارية في دكاكين السياسة المشبوهة وبنودها السرية ، ولكي يتحمل الأشقاء الذين يروجون لإقامة هذه المحافظة ، المسؤولية التاريخية والقومية والإنسانية والأخلاقية أمام شعبنا عن نتائج العملية الحسابية المعقدة التي يجرونها في ظروف صعبة غير مستقرة يمر بها العراق والتي تتزامن مع ما تتعرض له بعض الأنظمة العربية من هزات عنيفة قد يمتد فيها الربيع إلى وحشة الخريف وثلوج الشتاء وعواصف الصيف التي لا يمكن التكهن بمدى الرؤية فيها والتحكم بنتائجها وتأثيرها على مستقبل شعوب المنطقة عموماً وعلى المسيحيين في مجتمعاتها بشكل خاص ، سيما وأن التطرف الإسلامي المتصاعد يستهدفهم في كثير من الدول الشرق أوسطية ويحاول نشر جناحيه وظلاله القاتمة فوق تلك البقعة المضطربة من العالم ، ومن هذا المنطلق أطرح التساؤلات والأفكار التي تراودني بخصوص هذه القضية المصيرية التي تتعلق بوجود ومستقبل شعبنا في الوطن للمراجعة وليس للإجابة :

1. كيف ستُثَبت حدود محافظة سهل نينوى في الوقت الذي ما زال ملف الخلافات حول المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية والإقليم ساخناً ودون حل منذ سنوات ، لا بل مرشح للتصعيد والإنفجار في أي وقت حينما تفشل كافة المفاوضات والمساعي والحلول المقترحة ، سيما وأن أطراف هذا النزاع مرتبطة بعلاقات إقليمية ودولية متشابكة وتخضع لحسابات إستراتيجية تمس سيادة بعض دول المنطقة ، والدليل هو تحركات وتحشدات عسكرية داخل حدودنا الشمالية والشرقية والتي تتزامن مع تهديدات رسمية للقادة الكرد بإعلان إستقلال الإقليم ، وما سيتمخض عن هذه الخطوة من تداعيات محتملة تلوح بوادرها على خارطة المنطقة في خضم ضبابية الموقف الامريكي وغموض موقف المجتمع الدولي ؟ آلا تعتقدون بأن إقامة هذه المحافظة في الوقت الراهن سيزيد من خطورة الوضع ويضيف عقدة جديدة إلى بقية القضايا المستعصية بين بغداد وأربيل ويضع بلداتنا بين مطرقة كافة القوى المناهضة للمحافظة المسيحية وبين سندان الأحداث المتزاحمة في المحافظات الشمالية ، فتتكرر أمامنا أحدى صورالماضي التي ما زالت عالقة في ذاكرة شعبنا ؟

2. هل تم مناقشة أمراً في غاية الخطورة ماذا سيكون موقف محافظة الأقليات وحدودها محصورة داخل مثلث مشوه بين محافظات دهوك وأربيل ونينوى، في حالة إعلان إقليم كردستان إستقلاله بشكل مفاجئ وضم بعض المناطق المتنازع عليها إليه قسراً ، عند تصلب المواقف السياسية ووصول المفاوضات إلى طريق مغلق بكتل خرسانية ؟ وهذا إحتمال وارد سيما وأن رسائل التهديد تصدر من مراكز قيادية عليا ترفع الكارت الأحمر من وقت لأخر كلما إقترب الشوط الثاني من نهايته وإشتدت المنافسة لتسجيل هدف الفوز الذهبي .

3. حقيقة تاريخية تقول أن لعبة السياسة تتدخل فيها عوامل ومصالح إقتصادية وإستراتيجية وقومية مبنية على حسابات مستقبلية دقيقة ، برأيكم  لماذا يدعم إقليم كردستان إستحداث المحافظة المنشودة إدارياً وسياسياً ومادياً طالما سترتبط بالمركز؟ وهل بمقدورها أن تبقى كذلك وعلاقاتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية وحدودها ومصالحها متشابكة مع الإقليم وخاصة بعد أن يعلن إنفصاله عن العراق الفدرالي ؟ وهل تفكرون بإعلان المحافظة المسيحية إقليماً لإثبات حياديتها بين الطرفين ؟

4. هل يمكن للمحافظة أن تقاوم ضغوطات خارجية للإنضمام إلى الإقليم بعد إستقلاله في حالة نشوب لا سامح الله صراع ديموغرافي قومي طائفي غير واضح المعالم في هذه المنطقة الرخوة الفاصلة بين كافة الفرقاء من العرب ومن يقف معهم ، والأكراد ومن يؤيدهم والتركمان ومن يساندهم سيما ورائحة الذهب الأسود تنبعث من سهول وأطراف المحافظة الجديدة إضافة إلى بقية الموارد الطبيعية الأخرى؟ وهل يمكننا حينذاك ان نقف على الحياد ونحمي محافظتنا ببلداتها وقراها المتداخلة مع غيرها بإمكانياتنا المتواضعة دون مساعدات خارجية وخاصة عند تباين المواقف والأراء بين مكونات المسيحيين واليزيدية والشبك وغيرهم إلى مساند ومعارض ؟ هل يمكن تحديد الأطراف العراقية الأخرى والقوى الإقليمية والدولية التي تؤيدنا وتساندنا وتقف معنا بثبات في هذا المشروع ؟ وكيف ستكون الضمانات ؟

5. في حالة رفض محافظة نينوى إستحداث محافظة للأقليات مقتطعة من أراضيها وبلداتها ، إضافة إلى معارضة بعض الأحزاب والقوى المؤثرة في بغداد والمدعومة إقليمياً والتي لا تؤيد المشروع وتعتبره خطاً أحمراً ومخططاً  لتقسيم البلد ؟ ماذا ستكون خطوتكم اللاحقة وكيف ستواصلون سعيكم ؟ هل حصلتم على تأييد الكنيسة وكافة التنظيمات السياسية والمؤسسات الإجتماعية والثقافية الكلدانية في داخل الوطن وخارجه ؟

6. لو تم تمرير المشروع في البرلمان بطريقة أو بأخرى من منطلق تبادل المنافع وتقاسم المكاسب بين التكتلات والتحالفات الرئيسية (طبقاً لمبدأ هاي إلك وهاي إلي) وتم تشكيل المحافظة المذكورة ، ما هي مشاريعكم للراغبين بالإنتقال إليها ، إضافة إلى أعباء العاطلين والمهجرين الأخرين وعدم وجود مؤسسات تستوعب الوضع الجديد ؟ وما هي برامجكم لأبناء شعبنا في محافظة سهل نينوى لوقف نزيف الهجرة ؟ ولكون المشروع مطروح من قبلكم ، فلابد من وجود دراسة مستفيضة لديكم جاهزة للتنفيذ بعد الموافقات الرسمية والقانونية ، أي بلدة تعتقدون ستكون المركز ؟ وما هي برأيكم حدود المحافظة ؟ من أية رئة ستتنفس الهواء الخارجي ومن أي شباك ستطل على العالم في وضعها الجغرافي المعقد ؟ وهل سيناط واجب حمايتها بالمسيحيين والأقليات الأخرى فقط ؟ أم ستعتمدون على قوات نظامية وعناصر أمنية من الحكومة المركزية لحفظ الأمن والإستقرار فيها طالما المحافظة مرتبطة بها ؟ آلا يوّلد ذلك إحراجاً لكم وموقف غير ودي تجاه  إقليم كردستان ؟

7. في الوقت الذي لم تسطع كافة القوات الأمريكية والحرس الوطني والأجهزة الأمنية المركزية والمتعاونة معها في الحفاظ على أمن وسلامة المسيحيين والأقليات الأخرى في بغداد والموصل وغيرها لان يد الإرهاب والقوى المتطرفة ما زالت طويلة وتخترق بين الحين والأخر كافة الإجراءات الأمنية وتضرب بعنف مناطق تعتبرأمنة في بغداد وكافة المحافظات وحتى الشمالية أحياناً ومن ضمنها بعض بلداتنا كتللسقف وبرطلة ؟ من سيحمينا مستقبلاً في حالة بقاء المحافظة مرتبطة ببغداد والقوات الأمريكية على أبواب الرحيل عن العراق وقواتنا الإتحادية مخترقة وناقصة التدريب والتسليح ، والبلد يعيش في أجواء فوضى إقتصادية شاملة ، وفساد إداري ومالي مستفحل وحكومة محاصصة عاجزة ، وتكتلات سياسية متناحرة ، وأحزاب متمترسة في خنادقها تستفز وتوجه أصابع الإتهام لبعضها ، تخطط في الخفاء وتلتقي تحت قبة برلمان شبه مًعطل لتختلف على معظم المقترحات والأراء ، في الوقت الذي تنظم القوى المناهضة نفسها وتترصد لتنقّضُ كلما سنحت لها الفرصة .

8. فإذا كانت لدى الداعين للمشروع والقائمين على تنفيذه إجابات حقيقية مقنعة لكافة هذه التساؤلات المطروحة وغيرها ، ولديهم تصورات شاملة وضمانات أكيدة لكافة إحتمالات المستقبل لبقائها بعيدةً عن التجاذبات السياسية والصراعات المحلية والإقليمية ، ووضعوا خططاً لمواجهة أي خروقات امنية وحددوا موقفاً ثابتاً عند إشتداد المنافسة بين اللاعبين الكبار ، لكي لا تتكرر إحدى صور الماضي ويصبح شعبنا كبش فداء لتنفيذ أجندات الأخرين وتتحول هذه الواحة الوديعة المسالمة إلى ساحة صراع بين حلفاء اليوم وفرقاء الغد ، فإني أشد على أياديهم وأقول لهم بوركت جهودكم وتحية لمساعيكم وهنيئاً لأبناء شعبنا بمحافظة سهل الحرية والإستقرار والامان ، وواحة الخير والإطمئنان والمستقبل المنشود والسلام .

9. ولكن بكل حزن وأسف يشهد العالم دون مبالاة ويدون التاريخ على صفحاته منذ عقود وسنوات ، بأن بقايا السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين ( ميسَبتيميا ) الذين عَلّموا البشرية الحرف وقسّموا الزمن لهذا الكوكب ووضعوا اللبنات الأولى للمنجزات العلمية الحديثة التي ننعم بها في كافة مناحي حياتنا اليومية ووسائل عيشنا المتطورة ، ورسموا خارطة مستقبل الإنسان على الأرض ووضعوا بصماتهم في أعماق الفضاء ، أجبرت الظروف القاسية والاحداث المأساوية الكثيرين منهم أن يحملوا مصيرهم بيدهم كحقيبة مسافر ويرحلوا عن أرض أبائهم وأجدادهم إلى أصقاع الدنيا ، والباقون يقفون على تلول الحافات الأخيرة من وطنهم حائرين لا يعرفون ماذا يخبئ لهم القدر وتحمل في طياتها لهم الأيام ، متعبين ، منهوكي القوى من جراء المطاردة والقتل والتشريد ، بعد ان أخذ منهم السيف مأخذاً من المجازر التي أرتكبت بحقهم والنكبات التي تَعرّضوا لها منذ عهود وقرون ولحد اليوم حيث لم يبقى في القوس منزع .

                                                1 / 11 / 2011

You may also like...