تاريخ المسيحيه على ارض النجف/ بقلم حسين الجنابي

ثلاثة وثلاثون كنيسة وديرا تنتشر على ارض النجف، شاخصة  أطلالها هنا وهناك دليل مادي على تاريخ كنائسها وأنغام نواقيسها التي كانت تنشر الديانة المسيحية  للعالم والتي تمثل المرجعية العليا للمسيحيين القدامى .
ولعل كنوز النجف واهميتها ودورها الذي اثبتته  التنقيبات، التي اجريت في الكنائس  تلقى اهتمام دولة الفاتيكان لكي تساعد في ابراز معالم النجف المسيحية، التي تمثل رسالة حية يمكن ان تساهم في حوار الحضارات والاديان، وتبين ان النجف عبر التأريخ لم تفرق بالدين والمذهب، بل  احتضنت الجميع، فكانت ولازالت مدينة التعايش السلمي بين الاديان.

مسيحييو النجف علماء طب ومنطق..

تقول الباحثة سلمى حسين ان “اشهر علماء المسيحية في النجف، كانوا علماء في الطب والمنطق، ووسائل الاقناع والتأثيرفي النفوس كماراثيليا والقديس حنا نيشوع والقديس ماريوحنا (هوشاغ ) وشمعون وشمعون بن جابر”.
وتضيف حسين “كان للحيرة دور كبير في نشر الديانة المسيحية وخصوصا المذهب النسطوري الذي ينسب للبطريق نسطوريوس المتوفي سنة  450ميلادي وكان المركز الرئيسي للمسيحية في الحيرة، ومنها تسربت الى الجزيرة العربية وتعلم المسيحيين السريانية، فكتبوا ورتلوا بها، ثم نشروها في بلاد فارس واليمامة وعمان ثم من اليمامة انتقلت الى نجران واليمن ومناطق اخرى”.
وعن تسميتهم بالنصارى، تذكر “سمي مسيحييو الحيرة بالعباد بعد ان امنوا بالدين المسيحي، على (المذهب النسطوري) في القرن الرابع الميلادي، واول من امن وادخل الدين المسيحي هو النعمان بن المنذر الاول او الاكبر 403- 431ميلادي ،ففي عام 420 م حدثت فتنة بين المسيحيين والوثنيين، فأنتصر النعمان الاكبر للمسيحبيين وحماهم، وكانت هذه الحادثة دليل على حرية اعتناق المسيحية لعرب الحيرة، وهناك رواية تؤكد ان القديس سمعان، شفى النعمان من مرض عصبي الم به وذلك بأخراج الشيطان من جسده فتنصر”.
وتوضح حسين ان “الأديرة كثيرة وهي منتشرة في محافظة النجف الاشرف وقد كشفت التنقيبات وجود كنيسة كبيرة جدا في ظهر الكوفة”، مشيرة الى ان من اشهر كنائس النجف “دير الاساقف، دير ابن مزعوق ،دير الاعو، دير بيعة المزعوق، دير ابلج، دير ابن براق، دير ابن وضاح(المعروف بمار عبدا معري )، دير اذر منج المعروف (اذرمانج)، دير ابي موسى، دير بني صرينار، دير بني مرينا، دير بونا، دير نوما، دير الحريق، دير حنة، دير حنه المعروف (الاكيراح)، دير الحرقة، دير هند الصغرى، دير الجرعة المعروف (دير عبد المسيح بن بقيلة)،دير الجماجم،دير عبد يشوع،دير العذاري ،دير اللج المعروف(اللجة)،دير مازفانثون،دير مارت مريم، دير محراق، دير هند الكبرى المعروف(ام عمرو)،ودير ذات الاكيراح فضلا عن وجود دير الزرنوق ودير سرجس ودير الاسكون”.

الصليب في احدى الكنائس في النجف

كنائس… روائع في الفن والعمران
وفيما يخص بناء الاديرة والكنائس تبين سلمى “كانوا يستخدمون الاجر والمرمر والجص والقرميد مما جعلهم يحترفون روائع الفن والعمران في كنائسهم ، فالدير كلما كبر كلما زاد عدد الرهبان والمتدينين فيه، وكان كل دير محصن بسور مكين شاهق يدفع عنه شر الهجمات ويقيه من المعتدين”.
واوضحت ان “من اشهر علماء المسيحية من ابناء الحيرة هم،ماراثيليا،والقديس حنا نيشوع (من عشيرة ملك الحيرة النعمان بن المنذر)،والقديس ماريوحنا (هوشاغ )وهو الذي حضر مجمع اسحاق الجاثليق عام410م ،وشمعون الذي امضى اعمال مجمع (بهيالا) سنة486م ،وشمعون الذي حضر مجمع (اقاق)،وشمعون بن جابر الذي نصر الملك النعمان الرابع سنة 594م،وبنى الكنائس المعظمة ،ومن اعيان النصارى عبد المسيح بن بقيلة ،وكان لهم نظاما دينيا ورتبا ورؤساء ومرؤسين وزعماء الدين ومن اسماء الزعامات المعروفة انذاك”الابيل(المسيح بن مريم)،البطريك (رئيس النصارى)،الجاثاليق(دون البطريق)،الأسقف والمطران ،الحبر (من رؤساء النصارى) وان اغلب المبشرين  كانوا علماء في الطب والمنطق ،ووسائل الاقناع والتأثيرفي النفوس و كان للدير دور كبير في نشر الثقافة وتدريس مختلف العلوم والمعارف”.

33 كنيسة ودير في النجف والحيرة والكوفة
اما مؤرخ استاذ التاريخ الاول في جامعة الكوفة لدكتور حسن عيسى الحكيم، يقول” تحولت الحيرة الى ديانة مسيحية بعد ان كانت وثنية”، مؤكدا احصاء 33 كنيسة ودير تنتشر في بحر النجف والحيرة والكوفة، انتشرت في ربوعها السريانية,
ويضيف انه وعلى اثر ذلك انتشرت الأديرة في الحيرة و في ظاهرها، وغالباً ماكان المسيحييون يتخذون من منطقة ظاهر الحيرة مكانا لهم، لان الراهب والمتدين المسيحي كانا يختليان في منطقة بعيدة عن السكان للتعبد، ولكون بحر النجف كان يقع في ظاهر مدينة الحيرة وهو منطقة خالية من السكن، لذا اختار رجال الدين المسيح المعابد والكنائس فيها، فضلاً عن انتشار الكنائس قرب مدينة الكوفة، ومنها عاقولا التي تقع بين الكوفة والحيرة (منطقة مطار النجف الاشرف الدولي ومعامل الاسمنت حالياً) وانشئت فيها كنائس، فالسريان كانوا يسكنون عاقولا ،وبنية كنيسة هند الصغرى على خندق الكوفة (الذي يعرف بكري سعدة حالياً)، اما في احدى المناطق على حافة بحر النجف كان يقع دير هند الكبرى بين النجف والحيرة قرب قصر الخورنق” .
ويبين الحكيم “لدينا رواية تؤكد ان خالد بن الوليد عندما اراد ان يفتح الحيرة عام12هـ عسكر في ارض النجف في منطقة الغري ثم بدأ يسقط القصور الواقعة بين النجف والحيرة فضلاً عن احتلاله الاديرة في هذه المنطقة وكان بن الوليد يخير المسيحيين في فتح كنائسهم حرباً ام سلماً ،وكانوا يدفعون الجزية فغالباً ماتفتح الكنائس سلماً، فهناك حادثة تؤكد ان الراهب المعروف عبد المسيح بن بقيلة في الحيرة جرت بينه وبين خالد بن الوليد محادثة وتحاورا قبل دخول الاخير مدينة الحيرة ،وتضيف الراوية ان ابن الوليد سأل الراهب عبد المسيح ماذا ادركت في هذا المكان –الحيرة- قال : ادركت سفن الهند والصين وهي تمخر في هذا البحر، واشار عبد المسيح الى بحر النجف”.
ويتحدث  الحكيم عن عدد الاديرة “قمت باحصاء الكنائس ودونتها في كتاب(المفصل في تأريخ النجف الاشرف )وفي كتابي الاخر (مدينة الحيرة ) وتوصلت الى وجود 33 دير وكنيسة منتشرة في المثلث الحضاري النجف والكوفة والحيرة ثم تتوغل الاديرة لتصل الى منطقة الرهبان في بحر النجف التي تقع بالقرب من منطقة الرهيمة التي لاتبعد عن النجف سوى20كم اذ توجد بقايا لأديرة في المنطقة”.
ويؤكد الحكيم “حينما انتهى دور الحيرة كدولة كبيرة وهيمن الاسلام على هذه المنطقة بقيت الكنائس والمسيحيون ،حتى ان الامام علي (ع) اثناء خلافته في الكوفة مر بأحد الاديرة وكان الناقوس يدق فسأل الذين كانوا معه؟ ماذا يحكي هذا الناقوس ، فقيل له ياأمير المؤمنين وهل يتكلم قال الامام (ع) نعم يتكلم وبدأ الامام علي (ع) يفسر نغمات ودقات الناقوس، مؤكداً فيها نوع من العبادة والتوحيد لله سبحانه”.

بوابة احدى كنائس النجف

طبيب مسيحي يعالج الامام علي
ويضيف “في عهد الامام علي بن ابي طالب (ع) كانت الاديرة تؤدي دورها الديني، وعندما اصيب الامام (ع) في 19رمضان جيء له بطبيب مسيحي من منطقة عين التمر يسمى اثير السكوني الذين كشف عن رأس الامام (ع) وقال له ياامير المؤمنين: “انك ميت فاعهد عهدك فالضربة وصلت الى الدماغ”، وهذه دلالة على ان المنطقة المسيحية تمتد من الحيرة وضواحيها الى عين التمر في كربلاء”.
يتابع الحكيم”ان الشابشتي في كتاب الديارات يكتب عن اديرة العراق ويحدد الأديرة الموجودة في منطقة بحر النجف، ولو جمعنا الشعر الذي قيل في هذه الأديرة فيمكن أن يصل إلى ديوان أو أكثر، لان محاورات شعرية كانت تجري في هذه الأديرة والكنائس في محافظة النجف الاشرف”.
ويبين “لدينا نصوص لشعراء الكوفة ومنهم الشاعر ابو نؤاس وهو من  شعراء العصر العباسي الذين يخرجون الى الاديرة ،وهم ينشدون الشعر وكثيراً من الشعر العربي مدون ضمن هذه الاديرة التي بقيت الى منتصف العصر العباسي ومن ثم بدأ الناس يهاجرون الى بغداد”.

صليب مسيحي في النجف قبل 1700 عام

انتشار الاديرة والكنائس
ويؤكد محمد الميالي مدير اثار محافظة النجف الاشرف “اجرينا مسوحات حديثة بخصوص الاديرة والكنائس ولم تكتمل المسوحات بعد ولكن تشير الى وجود الكنائس من منطقة مطار النجف الاشرف الدولي الى ناحية الحيرة ثم المناذرة وصولاً الى بحر النجف كعيون الرهبان وقصور الاثلة ولدينا احصائية بخصوص المناطق المنقبة في محافظة النجف تصل الى 200 موقع اثري ونعتقد ان العدد سيزداد في حال اتمام عملية المسح الحديث وخاصة مسوحات الاثار المسيحية في المحافظة كما تحيط بالكنائس مقابر مسيحية ولعل التنقيبنات الاخيرة اثبتت لنا ان اكبر مقبرة للمسيحيين في العراق توجد في محافظة النجف الاشرف مساحتها 1416 دونم تقع في منطقة تسمى ام خشم  تحوي قبور كثيرة جدا للنصارى “.
ويذكر الدكتور محمد باقر البهادلي، “ارتبطت مدينة النجف ،تأريخيا وجغرافيا بالحيرة والكوفة.فالوجود العربي القبلي ،كان متمركزا حول منطقة النجف في العصر الذي سبق الاسلام وان هجرت القبائل اليها ازدادت بتجمع من عرب المناذرة والحيرة كما يقصدها الأمراء والملوك لغرض الصيد والتمتع بهوائها النقي وقد تناثرت بالقرب منها الأديرة والقصور مثل قصر الخور نق والسدير”.

اديرة معروفة ببساتينها وازهارها

ويضيف الباحث هاشم ناصر المحنك “ان الاديرة كانت منتشرة في الكوفة ومن اشهرها دير حرقة ودير ام عمرو ودير سلسلة فضلا عن ديرالجماجم الذي كانت تصنع بالقرب منه الكؤوس الخشبية وكانت هذه الاديرة معروفة ببساتينها الواسعة وازهارها اذ كانوا يزرعون فيها الورد والعذراءوالخزامي والاقحوان والبنفسج”.
ويمكن الاشارة الى احد اقدم النصوص الادبية التي يصف فيها أبو فرج الاصبهاني تلك الأديرة في النجف :
بمارة مريم الكبرى              وظل فنائها فقف
بقصرابي الخصيب المشرف الموفي على النجف
فأكناف   الخورنق   والسدير  ملاعب    السلف
الى النخل  المكمم   والحمائم    فوقه     الهتف
لعل عمر النجف الذي يمتد الى اكثر من مليون سنة حسب ما ذكرته التنقيبات الاثرية التي ترجعه الى عصر البلايستوسين المتوسط وما بعده من العصور حتى العصر الحجري القديم ….يبين لنا اهمية هذه المدينة المقدسة التي خرجت مدارسها الاف العلماء المسيح والمسلمين وملايين العباد الذين لم يركعوا الا لله .

  حسين الجنابي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *