بيان السينودس الكلداني… حكمة ودرس وبلاغة

كل الأنظار وكل الأفئدة كانت ترنو الى بغداد قلب الوطن الأم العراق الحبيب وهي تترقب آباء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في إجتماعهم برئاسة غبطة أبينا الباطريرك لويس الأول ساكو الجالس سعيداً على كرسي بابل على الكلدان في العراق والعالم، وكل يوم يمر بل وكل ساعة وكل دقيقة ونحن نتسائل متى سينتهي الإجتماع؟ وهل سيأخذ وقتاً أكثر من المقرر؟، وكم بقيّ من الوقت؟، وهكذا كُنا قلقون مترقبون وكأن الطير على رؤوسنا!، وأخيراً، نعم أخيراً لقد إنتهت أعمال السينودس وظهر (الدخان الأبيض!) وصدر البيان الختامي وكان يدل دلالة واضحة جلية لا تقبل الجدل أن غبطة الباطريرك الجليل والمَصف الأسقفي المبارك يتمتعان بحس عال من المصداقية والشفافية في تحليل الأمور وتجنب الحافات الحادة والإقتراب الى الهدف بحكمة وإرسال رسائل هادئة ومطمئنة الى الجميع وكانت صياغة البيان حقاً صياغة بليغة تعالج هموم الكنيسة وشعبها في الوطن والمهجر، وتنظر بعينين متوازنتين الى كل الإمور وكأنها تمشي على سلك رفيع. نعم لم يُشفي غليلنا كُلياً بيان السينودس ولكن الإشارات الصادرة والتلميحات بين الأسطر الذكية المختارة بدقة وعناية تؤكد أن الفرحة قريبة جداً وأن حكماء وربابنة كنيسة الكلدان المشرقية يعرفون ويتنبؤون بمشاعر وهواجس رعاياهم، الى الآن هذا حسنٌ جداً ونأتي لتحليل بعض ما ورد في البيان الختامي.

بدأ السينودس بالصلاة ثم بالرياضة الروحية (بإلتماس الروح القدس في حملهم هموم شعبهم وتطلعاته)، حقاً لنا أن نطمئن فالصليب الذي يطوق أعناق الأساقفة ويربض على صدورهم هو إيمانهم وهو مصداقيتهم وهو دليلهم الى ما يريده الروح القدس من كل واحد منهم. وعبر الأساقفة لغبطة أبيهم الباطريرك عن تمنياتهم بتحقيق شعاره (الأصالة والوحدة والتجدد)، وهل الأصالة لها معنى آخر غير أصالة وعراقة كنيستنا المشرقية الكلدانية الكاثوليكية التي توجها السنودس (بإفتخاره بهويتها الكلدانية بأنها تعود بتأريخها الى زمن الرسل، الى مار توما ومار أدي ومار ماري الذين قدموا من بعيد ليشهدوا للمسيح ويحملوا البشرى الى أقطار العالم البعيد حتى الهند والتبت والصين، (لاحظ عزيزي القارئ أن الإسم الكلداني لم يُنعَم علينا به بابا الفاتيكان في القرن السادس عشر الميلادي كما يدعي الآخرون!)، أما روعة البيان وبلاغته فكانت في هذه الأسطر الدسمة الروحية المملوءة من النعمة والبركة، (هؤلاء الآباء يقولون اليوم لأبنائهم وبناتهم، لقد عدتم الى الإنتشار في أنحاء العالم الأربع، لا تنسوا أن كنيستكم رسولية، إحملوا معكم ذلك الروح الذي حمله آبائكم المبشرون فتشهدون مثلهم على غنى كنيستكم العريقة وعلى قيم تربيتكم عليها.)، كما ويقول آباء السينودس للباقين، (لاتستسلموا للواقع الصعب، تعالوا نبني الإيمان على شعار أصالة، تجدد، ووحدة، فنجعل من هذا التعاون نموذجاً يحتذى في كل مكان).

هل لاحظتم السمو الروحي والإيماني في طلب السينودس من آلاف الكلدان المؤلفة في المهاجر والشتات أنهم رسل المسيح ورسل السلام للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فهل يوجد أكبر من هذا الفخر وأروع من هذا التكليف؟!، لقد لمس هذا الكلام شغاف قلوبنا سيدنا الباطريرك ونحن حقاً نمثل القيم الكنسية والقيم الكلدانية في الوطن الجريح وفي المهاجر والشتات، فنحن آولئك الكلدان الذين لن يغادروا جلودهم وإن تناوبت المحن وإنقلب الزمان والمكان!، نحن أبنائك سيدنا الباطريرك ونحن جنودٌ نحمل سيف الحق الذي هو سيف الكلمة الصادقة الذي تعلمناها من ملكنا وربنا وإلهنا يسوع المسيح له المجد الذي قال ليكن كلامكم (نعم نعم ولا لا)، هؤلاء هم أبنائكم سيدنا الباطريك فإفخر بهم يا مولانا أي فخر.

وننتظر من الجانب الآخر ولو بصيص من النور بإتجاه الوحدة ياسيدنا الباطريرك ولكن خاب رجاؤنا فالبيت المنقسم على نفسه كيف سيتجه للوحدة معنا؟!، ولكن غبطتكم أرسلتم الرسالة وكانت واضحة شفافة وحدوية غيورة مؤمنة مُشبعة بروح مسيحية كلدانية صادقة الى من يهمه الأمر، والواجب وأكثر أديتموه غبطتكم ولكن لا حياة لمن تنادي ياسيدنا.

حسناً جداً فعلتم بتأكيد تجديد شراكة كنيستنا الكلدانية الكاثوليكة مع الكرسي الرسولي ومع الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية، فمن يريد الوحدة فعلى الرحب والسعة وأهلاً وسهلاً بإخواننا الآشوريون ونحن في هذه الشراكة الأيمانية التي لاتفك عراها مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

 

نراكم تبتسمون جميعاً والتفاؤل يبدو جلياً على مُحيّاكم سيدنا الباطريرك وكأنكم تحملون البشرى الينا لتهدأ نفوسنا وتطمئن قلوبنا… ويبقى هاجسنا يا سيدنا الباطريرك أن تُحل العقدة الأخيرة وهي قبول الأسقف الجليل مار باوي سورو مطراناً يتسلم إحدى أبرشياتنا وخاصة أن الكرسي الرسولي قبل إنضمامة للكنيسة الكاثوليكية، ونحن على ثقة بأن غبطتكم والإكليروس الكلداني بما تملكونه من إيمان وحكمة قد وضعتم الحل الناجع لهذا الأمر الذي تحكمكم فيه القوانين الكنسية الكاثوليكية، ونحن نصلي ونترقب إعلان الفرحة الكبرى التي ينتظرها كل كلداني أصيل منذ أكثر من ست سنوات.

يا سيدنا الباطريك نحن نذكركم بصلواتنا يومياً… غبطتكم والأساقفة والكهنة والشمامسة وشعب الكنيسة الكلدانية كله، وتتجه أنظارنا الى الجالس على عرش السماء والأرض موطء قدميه، أن يمدكم بمعونته ويسدد خطواتكم بأنواره الروحية المُحية الإلهية وأن تتشفع لغبطتكم ولكنيستنا ولشعبنا الجريح أم الله وأم المسيح وأمنا جميعاً مريم العذراء.

نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم الى الأبد.

مؤيد هيلو

سان دييغو

6 / 19 / 2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *