بوابات التغيير

          

من منا لم يفكر في لحظة جنون او حلم يقظة ان يغير حياته كاملة مهنته، اسمه، عائلته ووطنه؟!. قد يعتبرالبعض هذا الامر مغامرة جنونية نهايتها الفشل اوحماقة يرتكبها صاحبها للهرب من حياته. ويعتبرها البعض الآخر امرا معقولا وقابلا للتحقيق بل وهنالك من يرغب في مواصلة المغامرة الى آخرها عل وعسى ان تلبي او تشبع ما في نفسه من رغبة في التغيير.. وعند التفكيرفي الامر نرى ان قليلين يقومون بالمساس بحياتهم لان هذا الامر يتطلب جرأة كبيرة بل وشجاعة، وخصوصا مع الاخذ بنظرالاعتبارأن التجربة قد تبوء بالفشل ويفقد بعدها جميع الاشياء التي كان يمتلكها…

 نحن الان في أوطاننا نعيش حالة حرب فضلا عن إستشراء الفساد واملنا الوحيد في التغيير هو ان يعم السلام ونعيش مرتاحي البال بعيدا عن القتل وسفك الدماء والاخبارالتعيسة والحزينة، التي ليس من شأنها إلا رفع وتيرة الاحباط ..نتمسك فيها باصغر الاشياء لكي نجلب لانفسنا السعادة بعيدا عن الواقع المرير..نكتفي بما لدينا ولانطمح الى التغيير”كما يجب” كي لا ينقلب الحلم كابوسا مزعجا حسب ما نعتقد، إلا ان أجراس الموت والفزع واليأس بدأت تدق وتسللت الهواجس الى القلوب البأس والظمآء لتعيش بقية حياتها كبشرهؤلاء كانو أكثرجرأة من الاخرين من مواطني البلدان الهادئة في البحث عن التغييرمن خلال رحلتهم الى المجهول وهم يجابهون الموت في كل لحظة، من سماسرة تجارالاعضاء البشرية وامواج البحارالمتلاطمة، وقسوة الدرك..أما في المجتمعات الاخرى التي يعمها السلم والتي نحن بصددها فالتفكيربالتغييرهوأمردائم ولكنه في بعض الاحيان قد يصل الى حد التطرف المضحك..       نسمع غالبا أونرى تقاريرا تلفزيونية عن مدير شركة يترك شركته وحياته السعيدة من وجهة نظر الاخرين ليعيش في الريف ويقوم بتربية الحيوانات ويمارس الزراعة، وشخصا ما في منصب مرموق يترك منصبه ليقوم بالإلتحاق بدورات في الطبخ وصناعة الخبزكي يقوم بعدها بفتح مخبزأو مطعم…وغيرها من الامثلة الحية التي لاتدل إلا على جرأة الشخص واندفاعه وراء ما يحب، وغالبا ما يشعرهؤلاء بالسعادة عند تغييرهم لحياتهم…حتى وان كان ما يجنونه هو اقل من السابق .

اما التغيير الآخر فهوالاكثرتطرفا حينما يضيق الشخص ذرعا بنفسه وبمحيطه، ويرحل عن بيته دون أن يأخذ شيئا ويختفي لكي يظهر بعد ذلك في مكان ما، باسم آخر وبمهنة اخرى وزوجة او زوج آخرين..دون ان يفكر في حياته السابقة التي قد تصبح فقط محطة في حياته للذكرى دون الالتفات اليه…أما السيناريوالاغرب هو ان يختفي ثم يظهر في مكان بعيد عن وطنه وعائلته منتحرا ومنهيا حياته الى الأبد .

التغيير مهم جدا في حياة الانسان ولكن الذي تجب معرفته ان الفرق كبير ما بين التغيير والحلم او الخيال، فقد يكون التغيير حلما لم ولن نستطيع تحقيقه او امرا محالا غير قابل للتحقق… وعند التمعن في التغيير فقد نجد اسبابا كثيرة قد تدفع الشخص اليه مثل حادث ما، او ولادة طفل او رؤية فيلم وثائقي على شاشة التلفاز، وعلى الرغم من ان الشخص ليس واثقا من اختياره كون ذلك ينطوي على تضحيات مثل الاندفاع نحو المجهول ولكنه يخاطر ويمضي قدما في ذلك عله يلقى الراحة النفسية…

 في كل عام تسجل وزارة الداخلية الفرنسية حوالي 35000 شخص مفقودين، وهذا الرقم يشمل المطلوبين من قبل العدالة، والقاصرين الهاربين من بيت العائلة، والبالغين الذين يعانون من الكآبة، والاشخاص الذين يودون تغيير حياتهم والذين تطالب عائلاتهم بالبحث عنهم لدى اختفائهم.وحسب وزارة الداخلية فخلال سنة واحدة هنالك 2500 إمرأة ورجل من المتزوجين والمتزوجات وامهات اطفال رضع يختفون هربا من واقعهم.نصف هؤلاء يعودون الى البيت اما النصف الآخرفإنهم يرفضون العودة واقامة العلاقة مع عوائلهم بل يرفضون حتى إعطاء عناوينهم ، وبذلك يتم شطب اسمائهم من سجل المطلوبين او المفقودين في وزراة الداخلية.

لاشيء يجبرأي عائلة في فرنسا على القيام بالبحث عن فقيدها الذي لايود ان يتواصل معها، فكل فرد حر في تغييرنمط حياته حسب المادة 1 و2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ..هنا في فرنسا كل مواطن له الحق في الاختفاء بإستثناء القاصرين !! ..      

د. تارا إبراهيم – باريس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *