بعد فشل بدعة الحكم الذاتي / أختراع عبارة ” محافظة مسيحية “

 

لم يتعرّض أي شعب مسيحي في منطقة الشرق الأوسط كله ( عدا مسيحيوا تركيا في الحرب الكونية الأولى ) كما تعرض له المسيحيون في العراق منذ الأحتلال الأمريكي عام 2003 وتسليم البلد للأحزاب الطائفية الدينية والقومية الشوفينية تحت سيطرة تامة لجمهورية أيران الأسلامية حيث أظهرت الوقائع بعد مرور أكثر من سبعة أعوام من الأحتلال البغيض مدى الدمار الذي تسببه هذا الأحتلال في كافة مرافق الدولة الأساسية وأهمها الأمن الذي نتج عنه أنتشار فظيع للجريمة بكل أشكالها سعيا خلف الهدف الأساسي لهذا الأحتلال وهو تجزأة وشرذمة العراق الى كيانات طائفية كسيحة لتكون لقمة سهلة     لأستغلال لغرض بسط السيطرة على ثرواته التي يسيل لها لعاب المحتل وشركائه في الجريمة . لم يعرف العراق الحديث أي من هذه الممارسات التي حصلت وتحصل للمسيحيين , لقد عاشوا مع أخوتهم المسلمين سنة وشيعة في تعايش سلمي يحترمون خصوصيات بعضهم البعض وهم يؤمنون جميعا أن هذا الوطن هو وطن الجميع , لذلك كان المسيحيون كوكبا نيّرا في سماء الوطن العراقي بأخلاصهم وعلمهم وثقافتهم وفنونهم ودمائهم التي سالت على تراب الوطن وهم يشتركون مع أخوتهم المسلمين في الدفاع عنه في أية منازلة مع الأعداء الطامعين .

 سقت هذه المقدمة ونحن نعيش الأيام الصعبة والمآسي التي حلّت وتحلّ يوميا منذ الأحتلال على المسيحيين بصورة خاصة ومن الغريب هذا الضحك على الذقون وهذه الدموع الكاذبة من جهات تدعي الحرص على المسيحيين , فهذا يقدم خدماته للدفاع عن المسيحيين, وكأنما نعيش في غابة لا حكومة ولا دولة ولا مؤسسات من أهم واجباتها توفير الأمن والأمان لأبناء الوطن, وعصاباته هي من قامت بتشريد المسيحيين من البصرة وفجّرت وأحرقت محالهم التجارية في بغداد , والآخر يقدم عرضه بحماية المسيحيين بتهجيرهم الى شمال العراق بينما لم يحم مسيحيي الموصل من تهجيرهم وقتلهم وأختطافهم حينما كا    ت الموصل بحماية قواته , والسيد رئيس الجمهورية يدعو الى تشكيل محافظة مسيحية لحماية المسيحيين كما يدعي !! أليس هذا أعترافا منه بفشله وهو يشغل أعلى منصب في قيادة البلد ؟؟ أليست هذه دعوة لصيرورة المسيحيين لاجئين في وطنهم ؟ هل هي دعوة لأحياء بدعة الحكم الذاتي الذي قبرها المخلصون الواعون من أبناء شعبنا المسيحي ؟  أليست هذه دعاوى ومحاولات دقّ الأسفين بين إخوة عاشوا في السراء والضراء متقاسمين أرضَ وهواءَ ومياهَ بلدٍ عريق، إسمُه العراق ؟ (كما عبّر عنها الأستاذ لويس أقليمس – نائب رئيس مجلس الأقليات العراقية ) .

 

وفي محاولة من الأحزاب الكردية , ظاهرها الحرص على  المسيحيين في العراق , وباطنها أحياء بدعة ما سمي بالحكم الذاتي للمسيحيين بعد أن شجبها كل مسيحي أرتوى من مياه دجلة والفرات وتنفس من هوائه العليل ويقدسون كل شبر من أرضه الطاهرة المروية بدماء شهدائه وقديسيه الأطهار , شجبها مثقفيه وآباء كنيسته الذين أبوا أن يكونوا لاجئين في وطنهم وأرضهم في رقعة محدودة لخدمة أجندة وأهداف لا ناقة لهم فيها ولا جمل . أجتمع عدد من الأحزاب الآثورية , حاولوا تطعيمها ببعض الأسماء الكلدانية التي تسير في مخططاتها , خرجوا ببدعة جديدة أطلقوا عليها تسمية “محافظة مسيحية ” تحفّظ     لى قراراتها كما أوضح السيد جونسون سياويش أحد أبرز مؤيدي ما يسمى بالحكم الذاتي عندما قال بأن” مجموعة من المجتمعين تحفّظت على الفكرة ” دون أن يذكر من هي هذه المجموعة .

أن مأساة المسيحيين في العراق بدأت بعد أحتلال العراق وترسيخ نظام المحاصصة الطائفية الذي تأسس على المفهوم الديني الطائفي العرقي , وتهميش دور من سمّاهم المحتل وأعوانه بالأقليات  التي كانت لها حصّة الأسد في الأضطهاد والقتل والأعتداءات المختلفة من قبل الأرهاب المنظّم وعصابات الأجرام التي أطلقت يدها بحرية , وبدعم من بعض الأجهزة الرسمية في أحيان كثيرة كما جاء في أتهام الحركة الديمقراطية الآشورية , بأن أطرافا حكومية لم تسمّها متورطة في أستهدافهم  ((http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,459989.0.html ))

 

أن المسيحيين في العراق وجميع المتابعين يعلمون جيدا أن المأساة التي حلّت بالمسيحية في العراق بعد الأحتلال الأمريكي سوف لن تنتهي أذا أستمر هذا النهج الذي خططت له أمريكا في العراق وهذا الدستور الملغم الذي أسس نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الدينية , وأن أمريكا بأستطاعتها كما أسقطت نظام صدام حسين عام 2003 بأمكانها لو أرادت أن تعيد الأمن والأستقرار الى البلد بتأسيس نظام حكم علماني ديمقراطي بسلطة مركزية قوية تنبذ جميع الأفكار الطائفية والعرقية والأنفصالية , هل هناك من يشك بأن  العراقيون يحنون الى نظام قويّ حتى لو كان دكتاتوريا  يعيد الأمن والأس  تقرار للبلد ويقضي على الأرهاب ورؤوسه ؟ وهل هناك من يشك بأنه لو جرى أستفتاء حر ونزيه للشعب العراقي من قبل جهة دولية محايدة للأجابة على سؤال واحد فقط هو (( هل تؤيد حكومة دكتاتورية قوية تقضي على الأرهاب والجريمة المستشرية حاليا وتعيد الأمن وسلطة القانون للعراق دون أية محاصصة طائفية دينية عرقية , أم تريد ديمقراطية أمريكا الحالية السائدة في العراق ؟؟.

 

كلمة أخيرة ,أو أمنية الى آباؤنا الأجلاء رؤساؤنا الروحيين , فأني أحلم بأن يخرجوا من قيود مفهوم بعبع السياسة الذي شلّ مع الأسف قدرات معظمهم , وتقوقعوا في صومعاتهم تاركين أبناؤهم الكلدان يواجهون المؤامرة تلو الأخرى , في حين نرى رجال الدين في الكنائس الآثورية لا تخلوا خطبة لهم في رعاياهم من كلمة ” أومتا وآتور ” , أو الكنائس الشقيقة الأخرى من مارونية وقبطية , وأنقل أدناه نص فقرة من القرارات التي أصدرها أساقفة الكنيسة المارونية في لبنان في الأول من الشهر الجاري تقول فيها (( 2. إن شلل المؤسسات الدستوريّة وانتظار الحلول من الخارج يدلاّن على ضعفٍ في الار  ادة الوطنيّة، فيما المطلوب اللقاء والتشاور والاتفاق على القرارات المصيريّة التي تجنّب البلاد مزيداً من التردّي على الصُعُد السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة.)) وأن مواقف البابا شنودة وأساقفة وكهنة الكنيسة القبطية السياسية معروفة في دفاعها ووقوفها الى جانب أبناء رعاياهم ليس فقط في تثبيت وتعميق أيمانهم , ولكن في الدفاع عن حقوقهم السياسية أيضا . كنا سنكون أول المنادين بأبتعاد رجال الدين المسيحيين عن السياسة لو كانت في البلد حكومة مدنية علمانية لا تسيّرها الأحزاب الأسلامية سواء كانت شيعية أم سنّية ولكن في الظروف الحالية التي فيها كلمة السي  د السيستاني هي النافذة على الأحزاب الشيعية  فأن الأمر يختلف .

 

وأخيرا فأني أتفق مع الأستاذ لويس أقليمس نائب رئيس مجلس الأقليات العراقية في مؤتمر وزارة حقوق الأنسان الذي عقد في أربيل الذي جاء في الفقرة التاسعة من ورقة العمل المقدمة الى المؤتمر ما يلي :- (( السعي الجادّ لإنهاء ملف المادة 140 المنتهية صلاحية نفاذها بموجب الدستور، والتي تُعدّ إحدى الموادّ التي زرعت الاضطرابَ والرعب والترهيب في أوساط أبناء الأقليات في عدد من محافظات العراق، ولاسيّما في محافظة نينوى التي نال فيها أبناءُ الأقليات، ومنهم المسيحيون بصورة خاصة، القسطَ الأوفر من هذه المشاكل. إننا نعتقد أن هذه المادة المقحمة في الدستور لإرضاء حكومة الإقليم، قد زادت من الانقسام في الولاء كما في تضارب المصالح، جرّاء المشاريع والمحفّزات المالية والهدايا العينية والوعود التي ساهمت في زرعها حكومة الإقليم عبر أدواتها المسخّرة والمنتف    ة من الوضع غير الطبيعي هناك، مستغلّةً حاجة الأهالي واهتزاز بعض الزعامات الدينية اللاهثة نحو المال والتباهي الفارغ، ممّا ساهم في خلق جزء كبيرٍ من هذه المشاكل من حيث عدم الاستقرار وزيادة التوتر بسبب إيثار هذه العناصر المجنَّدة مصالحَها الشخصية والعشائرية الضيقة على مصلحة عموم أبناء المنطقة)) .

 

بطرس آدم

تورنتو – كندا

1\12\2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *