الى متى يتحمل الكلدان تجاوزات الأخوة الآثوريين؟

 كان صدور بيان بطريركية بابل الكلدانية يوم15\1\2012 بعد أن بلغ السيل الزبى، فرغم هدوء شخصية أبينا البطريرك، وما عُرفَ عنه من هدوء ورزانة ومحبة فائقة للعراق وشعبه بمختلف اديانه وطوائفه، الا أن ما جرى ويجري من أعتداء صارخ على أبناء كنيسته من الكلدان الذين هم أصحاب العراق وأصحاب آخر حكم وطني فيه قبل أكثر من ( 2600 ) سنة.

والمؤلم أن يصدر كل ذلك من أخوة آواهم العراق وخاصة الكلدان عندما كانوا في وضعٍ مُزرٍ بسبب التقتيل والمذابح التي تعرّضوا لها في الحرب العالمية الأولى على أيدي الأتراك، فآوتهم البلدات الكلدانية في شمال العراق، ولا سيّما بعد مأساتهم في مذبحة سميل المعروفة الأسباب والأهداف. الا أنه مع الأسف وكما يقول المثل (بعد أن حملته خلفي، مدّ يده في الخرج) والأمثلة على ذلك عديدة ولكننا سوف نتطرّق الى البعض منها.

– كانت بلدة تلكيف حتى النصف الثاني من القرن الماضي من أهم وأكبر البلدات الكلدانية، فيها ثلاث كنائس منها كنيسة القلب الأقدس، أكبركنيسة في العراق وفي الشرق الأوسط وكانت نسبة الكلدان فيها تتجاوز 99% من سكانها، ولكن بسبب ظروف قاهرة لا مجال لذكرها هنا تم تغيير وضعها الديموغرافي لغير صالح السكان الأصليين، وكان أن أستغلّه الآثوريين لتنفيذ خطّتهم التي كانوا قد رسموها مسبقا فتركوا قراهم في أقصى شمال العراق رغم حالة الأستقرار والأمان فيها وبتمويل من جهات خاصة، مستغلين ما عُرِفَ عن الكلدان من حسن نيّة لتكون الآن تلكيف أكبر تجمع آثوري في المنطقة، ونظرة على النشاطات الكنسية الآثورية فيها توضّح الصورة (الرابط 1) وفي تقديري أن حالة عنكاوة سوف لن يكون أفضل من تلكيف في المستقبل أذا لم ينتبه أهالي عنكاوة للأمر، والدليل لم تبقَ بلدة في سهل محافظة نينوى لا يوجد فيها مقرات الأحزاب الآثورية التي هي سائرة نحو التغيير الديموغرافي سواء بالأستيطان العملي، أو بغسل أدمغة أبناء هذه البلدات وتقديم الأغراءات المادية لهم لزرع الفكر الآثوري بين أبنائها، وشيطنة كل يخص الكلدان.

– كان الآثوريين وأحزابهم وتنظيماتهم المدنية ومنظماتهم العالمية السبّاقين الى كل مشروع يهدف أو يؤدي الى تقسيم العراق وألغاء كيانه كدولة مستقلة، ملقّنين أبنائهم حلمهم في أعادة تأسيس أمبراطوريتهم الآشورية التي أنقرضت قبل (2600) سنة وأعادة أحيائها في شمال العراق بدعم وأسناد الأتحاد الآشوري العالمي الذي أوضح ذلك في مشروعه الذي ينص (في محاولة لجعل المحافظة الخاصة بشعبنا في منطقة سهل نينوى واقعاً حقيقياً في العراق، سيستخدم الاتحاد الآشوري العالمي – الأميريكيتين خدمات برو بونو Pro Bono basis، من شركة روتان وتاكر Rutan & Tucker إحدى الشركات الرائدة في مجال العلاقات الحكومية والقانون السياسي ومقرها كاليفورنيا. يقود هذا المشروع آشور بيرايو، شريك روتان تاكر جنباً الى جنب مع ثلاث منظمات بحثية آشورية) ولذلك فليس غريبا أن تكون كافة الأحزاب والتنظيمات الآثورية المنزوية تحت تسمية (التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشوري) هي من تسعى الى تأسيس المحافظة المسيحية في سهل نينوى، مقدمة لتقسيم العراق.

من الغريب أن تعتمد الأحزاب الآثورية الى أساليب التضليل والخداع للوصول الى أهدافها، وهذا ما أكدّه أحد منظّري هذه الأحزاب في مقال له وهو يسوق تبريرات للكذب والغش فيقول (هناك العديد من الأحزاب يحملون أسماء معينة ولكن في الواقع يعملون وفق مبادىء مخالفة بل متناقضة بحجة تحقيق مصلحة أو أهداف الأمة التي تنتمي أليها!! (طبعا يقصد الآثورية) وكأنما تحقيق أهداف الأمة لا تتحقق الا بالخداع والغش!! فمن المعلوم أن حاملي هذا المبدأ الذي يطلق عليه أسم (مبدأ التقيّة) وهو مبدأ الغش والكذب والنفاق لتمريرأهداف معينة بحجة تفادي الضرر المادي أو المعنوي، وهو مبدأ مقبول في الأسلام واليهودية ولكنه مرفوض في المسيحية. وهو نفس (مبدأ الميكافيللي) الذي أشتهر بعبارة (الغاية تبرر الوسيلة).

– كان ما تطرق اليه بيان البطريركية، وفي الفقرة الأولى منه حول عدم تمثيل السيد يونادم كنا للمسيحيين العراقيين هو الحقيقة بعينها، وسبق وأن تطرقت الى ذلك في مقال لي تحت عنوان (المحافظة المسيحية مشروع ولد ميتا، ونشر في عنكاوة بتاريخ 1\10\2011، جاء فيه نصّا ((واهمٌ من يعتقد أن من يطلقون على نفسهم ممثلي المسيحيين في الحكومة المركزية أو في حكومة الأقليم، سواء في البرلمانَيْن أو في مجالس المحافظات، هم ممثلوا المسيحيين الحقيقيين، بل هم ممثلوا الجهات التي أتت بهم ووضعتهم في هذه المراكز، لذلك فمن غير المنطقي أن يقوموا بأية خطوة الا لمصلحة الأحزاب والكتل والجهات التي تبنَّتهم ووضعتهم على كراسيهم، وهي بالتأكيد لا علاقة للمسيحيين بكل ذلك، أنهم فَعَلَةُ في كرم المحتل وكرم من يسعى الى تقسيم العراق)).

– والغريب في الأمر أن من يساهم في أدخال هذه الأوهام في عقول الآثوريين هم البعض من رجال الدين، فليس بعيدا تاريخ تهنئة مار دنخا بطريرك الآثوريين لأبناء كنيسته في عيد الميلاد المجيد الماضي حينما لم يُراعِ شعور أكثر من مليون كلداني في العراق والخارج ناكرا قوميتهم الكلدانية العريقة والتاريخية، وكان ذلك غريبا منه وهو رجل الدين الذي لا بد وأنه قرأ العهد القديم الذي يرد فيه أسم الكلدان مئات المرات وفي مختلف أسفاره (وهنا أود أن أجلب أنتباه سيادته الى سفر يهوديت الأصحاح الخامس، الأعداد 6 – 23، ليرى من هم الكلدان).

ولكن!!! هل نلقِ اللوم على الغير ونبرىء أنفسنا؟؟ الصراحة تتطلب منا نقد تصرفاتنا كذلك أن حِدنا عن طريق خدمة أمتنا وكنيستنا ووضعنا جانبا أرث وحضارة وتاريخ هذه الأمة العظيمة وهذه الكنيسة التاريخية المؤسسة في القرن الأول الميلادي، أو أذا تماهلنا أو تقاعسنا في واجباتنا الوطنية لهذا العراق العظيم وهذه الكنيسة الرائدة وأنجرفنا نحو الأغراءات المادية الزائلة وواضعين أنفسنا في خدمة أعداء أمتنا وكنيستنا الوطنية، منجرفين مع مشاريع أعداء العراق والطامعين فيه نحو تفتيته وتقسيمه.

أن نداء البطريركية الكلدانية هو نداء كذلك لكل كلداني أهتزّت فيه المفاهيم القومية ليعود الى حضم أمته الأصيل الدافىء، أمته التي هي أرقى الأمم تاريخا وحضارة وعلما، وأن يتجاوز المنافع الزمنية الزائلة، وهنا لا أستثني حتى البعض من رجال كنيستنا المجاهدة من الآباء الكهنة الأفاضل والأساقفة الأجلاء لأعادة تقييم الأمور في مرحلة ما بعد نداء أبينا البطريرك الذي كشفَ ما كان غير ظاهرا للبعض لنكون جميعنا أذرعا قوية له ليتمكّن من تسيير دفة الكنيسة الكلدانية والشعب الكلداني، لأنه واجب علينا يفرضه أيماننا المسيحي في الطاعة لأوامر غبطة أبينا الكلي الطوبى لكي لا ينفذ من خلالنا عدو لهذه الأمة ولهذه الكنيسة المجاهدة.

بطرس آدم
17\12\2012

You may also like...