الى ماذا ترمز إعتداءات بادينان؟

مِن خلال متابعتي للأحداث التي أعقبت عملية التغيير السياسي في العراق التي حدثت في نيسان عام 2003 لم تُشكِّل أحداث بادينان مفاجأةً لديَّ فقد كانت في تقديري مؤجلة لحين خفوت مثيلاتها في جنوب العراق ( البصرة ) ووسطه ( بغداد ) وشماله ( الموصل وكركوك ) ليبدأ بعدها الدور الموكل الى الإسلاميين السلفيين الأكراد، وإن دلَّ هذا على شيء فهو يدل على مخططٍ  مدروس بعناية يستهدف إفراغ الشرق الأوسط  من مواطنيه المسيحيين الأصليين والتسلسل يبدأ بالعراق!

لا أشك لحظةً بإخلاص قيادة إقليم كردستان رئاسةً وحكومةً وبرلماناً وبجديتها في تأمين حماية مواطنيها واللاجئين اليها الهاربين من سيف الإرهابيين في مدن العراق الرئيسية، ومن أفدح الأخطاء أن يتهم بعض كتابنا القيادة الكردية بتواطيء أجهزتها مع الزمر الإجرامية التي نفذت تلك الأعمال المشينة يوم الجمعة الثاني من كانون الأول 2011 ، وعلى القيادة الكردية أن تنظر الى ذلك كرد فعل عفوي يُمليه الحزن والإنفعال. ولكن من الممكن القول بأن الأجهزة الأمنية في محافظة دهوك والمدن التابعة لها مثل زاخو والقرى المحيطة بها لم يكن إداؤها بالمستوى المطلوب بحيث أن السيطرة على الوضع لم تـتم بالسرعة اللازمة، وقد يكون لهذا البطء في التحرك ما يبرره لأن أوضاع الإقليم تتمتع بالأمن والإستقرار بخلاف أوضاع بعض المناطق العراقية، فلم تكن هناك حاجة لوضعها في استنفار دائم لتدارك الأحداث فور وقوعها ومع ذلك فإنها تُعتبر مقصرة ويجب محاسبتها .

إن مثل هذه الأفعال الإجرامية المؤلمة لم تأتِ من الفراغ، بل إنها ترمز الى تخطيط قد أعِدَّ لها مسبقاً تقوده أطراف داخلية وخارجية بالإتفاق مع المناوئين للسلطة في الإقليم، وإلا بماذا يُفسر تجمع هذه الحشود المهاجمة التي زاد عددُها عن ثلاثة آلاف مهاجم في زاخو ثم امتدَّ الهجوم بسرعة الى مركز محافظة دهوك وقضاء سميل. إن هذه الهجمة الشرسة تُثبت أن السلطة في الإقليم قد غضَّت الطرف عما يقوم به الشيوخ ورجال الدين من بث الكراهية والأحقاد بين فئات المجتمع الكردستاني المتعدد الكيانات، فإنهم لا ينفكون من ايقاد نار العداء الديني وزرع بذور الفتنة بينهم وتحريض الشباب وشحنهم  بالنعرة الإسلامية التزمتية للإعتداء على المسيحيين واليزيديين بالقتل وتدمير ممتلكاتهم،ألا يُعَدُّ ذلك إرهاباً؟ أليس من حقنا مطالبة قادة الإقليم القيام باستئصال شأفة الإرهاب؟

لقد كانت نظرة العالَم الى الحكم في الإقليم إيجابيةً معتقداً بأنه قويٌّ ومتراصفٌ في الداخل إلا أن أحداث بهدينان أثبتت عكس ذلك، ولا يُستبعد أن النهج الديمقراطي الذي اختاره الإقليم قد يُقضى عليه بمجرد هبوب عاصفةٍ غوغائية تُثيرها العناصر الإرهابية المتغلغلة في المجتمع الكردستاني المدعومة من قبل دعاة الإسلام السياسي في البلدان العربية الذين سرقوا ثورات الشباب العربي التي أشعلوها ضدَّ حكام بلدانهم الديكتاتوريين، وهم ينتظرون من هذه العناصر أن تحذوا حذوهم  في إسقاط الحكم الديمقراطي في كردستان العراق وإقامة حكم استبدادي يعتمد السيف لأسلمة غير المسلمين في المجتمع الكردستاني.

الى ماذا ترمز أعمال الشغب والتخريب التي طالت المواطنين المسيحيين واليزيديين في دهوك وزاخو وسميل حيث صُعقوا لمشاهدتهم رهطاً كبيراً من الشباب المنفلت يحرق ويُدمِّرممتلكاتهم بدون وازع من ضميرأو خوف من القانون، إن هذه الأعمال الإرهابية اللامسؤولة تُمَثِّل سابقةً خطرة لايقتصر تهديدها على أمن وسلامة ومستقبل المجنى عليهم المسيحيين واليزيديين، وإنما تُهدِّد الأمن والأستقرار في الإقليم وتقف حائلاً دون استمرار تجربته الرائدة في تطوره وبناء ما استحدثه من مؤسسات ديمقراطية وما اعتمده من قيم التآخي والعيش المشترك تحت ظلال الحرية التي لا بدَّ منها في زمننا الراهن. ولذلك تُعتبر هذه الأعمال إنذاراً وأن المحَرَّضين عليها معروفون هي الزُمَر الإسلامية المتطرفة التي ظهرت في وسط المجتمعات الإسلامية تحت مسميات متعددة كالجهاديين والسلفيين والإخوان والأنصار . . . إنهم جميعاً متزمتون ويحملون الكراهية بعنفٍ لِمن يختلفون عنهم في الدين وهم يلتقون في الفكر المتطرف الهادف الى التنكر بل إلغاء حقوق كُلِّ إنسان لا يدين بالإسلام وسلب حريته!

ولا يساورني شكٌّ بأن ردَّ فعل قيادة إقليم كردستان سيكون حازماً حيال هذه الزُمَر المتجاوزة على القانون رغم ارتباطها بأطراف دعم ٍ عديدة دينية وسياسية، ولكن تصميم الحكومة الكردية على مواصلة النهوض بالإقليم من حيث التطور والإزدهار ليُصبح أجمل واحةٍ في الشرق الأوسط  لا سيما أنه غزير بثرواته الطبيعية وبموقعه الخلاب وشعبه المثابر، لن تسمح لهؤلاء العابثين بأمنه بتدمير حلم شعبه الذي ناضل طويلاً لتحقيقه، إنها ستقطع دابر هؤلاء المتطرفين وبموجب القانون ولن تدع لها مجالاً لإيجاد أرضية خصبة للنخر فيها ثانية. وواهم هو مَن يعتقد بأن هؤلاء الذين أساؤوا الى القانون والدين معاً سيلقون تسامحاً أو تهاوناً، فالشعب الكردي لن يهون عليه نضالُه لسنين طويلة في سبيل تحقيق أمانيه لتأتي بعض الجماعات المتخلفة وتحرمه منها ! إنها مسألة وقت فقط لتنقية المجتمع الكردستاني من زُمَر العصيان والتخلف والتزمت الديني ليعاود نشاطه في التقدم والإزدهار وإحلال السلام والتآخي بين جميع مكوناته القومية والدينية ! وأخيراً نطالب

القيادة الكردية أن تقوم بتعويض المتضررين من جرّاء الهجمة الشرسة التي تعرض لـوحشيتها    المسيحيون واليزيديون، لتستتبَّ العدالة والمساواة بين شعب كردستان بكل أطيافه، كما نُهيب بها وهي القادرة أن تجعل القانون فوق الجميع ولا يستثنى من ذلك أيَّ رجل دين، لقد خيَّب أملنا مثقفو وإعلاميو الشعب الكردي لعدم اهتمامهم ولا مبالاتهم وهم يشاهدون هذه الهجمة التكفيرية ذات العـنف الوحشي. متى يُؤنبكم ضميركم وأنتم تتـفرجون على قـتل واضطهاد الشعب المسيحي المسالم وهو الأعرق في بلاد ما بين النهرين لا لذنب إلا لـكونه مسيحياً؟ تُرى، هل سيصحى ضمير المجتمع الكردي والعربي والدولي لإنقاذ الشعب المسيحي المضطهد في وطنه العراق ؟

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...