الى قوات البيشمركة وأمريكا تحرير مدن وقرى سهل نينوى اولاً . لماذا ؟

يوم 10 حزيران دخلت قوات الدولة الإسلامية في العراق والشام والتي اشتهرت بقوات داعش ، دخلت مدينة الموصل ويبدو انها دخلت لتبقى ، ولهذا يجب اعتبار هذا اليوم محطة انعطاف خطير في تاريخ العراق ، كما ان دخول هذه القوات الى المدينة بهذه السرعة ، بل الترحيب بقواتها من الأهالي يدل ان المدينة هي بيئة مجتمعية حاضنة لهذه القوات ، وفي الحقيقة لا يمكن ان تتجه هذه القوات إلا الى المناطق التي تقبل بها وتستقبلها ، والذين طالهم الأذى والتهجير القسري والأستيلاء على ممتلكاتهم ، وجرى إذلالهم كان المكون المسيحي في هذه المدينة وفي مواقف كثيرة كان الأصدقاء والجيران من المسلمين هم أدلاء لمسلحي الدولة الإسلامية لبيوت المسيحيين ليفرضوا عليهم شريعتهم الإسلامية .
إن المكون المسيحي الأصيل في هذه المدينة قد طاله التطهير الديني ، واضطر للهجرة الى اقليم كوردستان والعيش والمبيت في الحدائق العامة والمدارس والكنائس وهياكل المباني تحت التشييد ، وانتظار المساعدات الأنسانية من المنظمات والحكومات وأهل الخير .
والفصل الأخر من القصة كان الهجوم على المدن والقرى المسيحية في سهل نينوى ومن ثم الأتجاه نحو مكون (الداسنايي ) الإزيدية  في الهجوم على سنجار والقرى المحيطة بها وهنا تكررت المآسي الإنسانية وبرز التطهير الديني بأبشع صوره . حيث شاهد العالم الجموع البشرية وهي تفرش الأرض وتلحف السماء وتتضور جوعاً وتموت عطشاً ، وهكذا كانت مسيرة الإزيدية التي جسدتها الدموع الساخنة  للنائبة فيان دخيل عبر شاشات التلفزة ، نعم تحرك الضمير العالمي والإنساني وتناكفت الدول والمنظمات لإجلاء النساء والأطفال والشيوخ المحاصرين في منعطفات وشعاب جبل سنجار او بتقديم الماء والغذاء والدواء ، وكانت محنة الطائرة العراقية في سقوطها واستشهاد قائدها الشجاع وجرح اغلب ركابها وفي مقدمتهم النائبة  فيان دخيل نفسها .
ليس بالامر اليسير اغاثة عشرات الآلاف من العوائل ، بايجاد المأوى وتوفير الماء الصالح للشرب تحت درجات الصيف القائضة ، وتوفير المأكل والدواء والصرف الصحي والأفرشة ووو.. الخ
وللمرء ان يتساءل ماذا بعد توفير كل تلك المتطلبات ، هل تنتهي المشكلة بتوفير المأكل والمأوى ؟ هل تستطيع ان تبقى العوائل مقيمة في صالة مقسمة بالكراسي على عدد العوائل ؟  ؟ وماذا عن مدارس اطفالهم ؟ وماذا عن وثائقهم ومستنداتهم التي صودرت ؟ وماذا عن املاكهم ؟ وماذا عن البنات اللائي جرى سبيهم ومنهم الطفلة كريستين التي استولى عليها الوحوش ، لأن والده ليس له ما يدفعه لمسلحي الدولة الأسلامية ؟
إنها اسئلة كبيرة وكثيرة لا احد يملك الجواب عليها .
من اولويات وضع الحلول لتلك المشاكل هو تحرير هذه المدن والبلدات والقرى لكي يعود اليها ساكنيها ويمارسوا حياتهم الأعتيادية في بيوتهم وممتلكاتهم ، فتحرير تلك المدن من سيطرة الخلافة الإسلامية ، داعش ، ياتي في المقدمة ، وبعد ذلك تأتي النقطة الثانية المهمة ، وهي وضع حماية دولية لمناطقهم ، فإن إرجاعهم الى الغابة دون ضمان وحماية دولية يعني العودة  الى المربع الأول من المشكلة .
سؤال وجيه يتبادر الى الذهن : لماذا لا ندعو الى تحرير الموصل ؟
اليست محتلة من قبل قوات داعش ؟
والجواب لذلك إن الموصل جزء من داعش وداعش جزء من الموصل ، فأهل الموصل ليس لهم اي مشاكل مع مسلحي الدولة الإسلامية . لكن مشكلة هؤلاء المسلحين هي مع الشيعة من اهل تلعفر ومع الشبك ومع المسيحيين ومع الأزيدية ، وليس لهم اي مشكلة مع السنة في مدن وقرى المنطقة .
الذين هجّروا من مناطقهم وتركوا مشاكل عويصة هي المكونات التي طالهم التطهير العرقي والديني كالمكونات التي ذكرتها : التركمان لأنهم مسلمين شيعة ولنفس السبب الشبك ، والمسيحيين من كلدان وأرمن وسريان وآثوريين وكذلك الأخوة ( الدسنايي) الأزيدية إضافة المندائيين والكاكائيين . إن هذه المكونات كانت الضحية التي طالها حكم الشريعة للخلافة الإسلامية في القرن الواحد والعشرين بسبب هويتهم الدينية غير الإسلامية .
لقد سردت كل ذلك لأن التوجه الى تحرير مناطق هؤلاء في سهل نينوى سوف يحل جانب كبير من مشاكل هؤلاء العاثري الحظ الذين شملتهم الشريعة الأسلامية .
ولهذا تبقى مسألة تحرير هذه المناطق المنكوبة افضل من تحرير الموصل التي تعيش عصرها الذهبي في الحكم الإسلامي والتي اصبحت الموصل مدينة الدين الواحد والمذهب الواحد ، كما ان تحرير هذه المناطق افضل من تحرير المدن السنية الأخرى مثل تكريت والمدن التي صفقت ورحبت بقوات الداعش . فالمكونات الدينية غير الإسلامية والعرقية غير العربية قد هربت من المنطقة تحت ضغط تطبيق الشريعة لا سيما المسيحيين والإزيدية وكذلك التركمان والشبك والكاكائيين .
إن ما حل بالمدن والقرى الأزيدية والمسيحية من قتل ونهب وسبي واعتداء على الأعراض والأستحواذ على الأملاك والتهجير القسري ، فغدت الآلاف من العوائل نزيلة اماكن الهجرة في مدن وقرى اقليم كوردستان ، وها هو الشتاء على الأبواب ، وهؤلاء ينتظرون العودة الى بيوتهم ، لأنه من الصعوبة بمكان حل مشكلتهم في الهجرة بهذه السرعة ، اجل ان تحرير كل المدن والقرى مهمة لكن الأهم هو تحرير بيوت هؤلاء البشر التي حلت بهم هذه الكارثة ، وليس من المعقول ان تحتل محنتهم الأنسانية الدرجة الثانية .
تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربات جوية مؤثرة على قوات داعش ، وهذه الضربات لا تكون ذي فائدة ما لم تكن قوات مشاة على الأرض تمسح المنطقة وتنظفها من الألغام وتدافع عنها ، وهذا ما تقوم به قوات البيشمركة على الوجه الأكمل ، لكن يبدو ان امريكا ليست مستعجلة من جانبها وكما يقال من يده في الماء ليس كمن يده في النار .
من جانب آخر الولايات المتحدة تريد ان تحث الدول العربية على التحرك ، إذ ان هذه الدول دائماً تعاتب الدول الغربية لأنها لم تتدخل علماً ان الدول العربية هي صاحبة المشكلة وهي وخطابها الديني هو المسبب لظاهرة داعش والقاعدة وغيرها وعليها ان تكافح وتحصد ما زرعته بيدها .

في نفس السياق ينبغي الإشارة الى الموقف المخزي والمعيب للدول العربية الإسلامية لما حل بالمسيحيين والإزيدية ، وإذا استثنينا موقف لبنان المشرف الإنساني وكذلك الأردن والسعودية ، فإن الدول العربية الأخرى يبقى عار على جبينهم لأنهم لم يبادروا ويقدموا رغيف خبز واحد للمسيحيين والأزيدية  كمساعدات إنسانية لهذين المكونين إنها وصمة عار في جبين هذه الدول التي هي وراء خلق القاعدة والدولة الإسلامية في العراق ومن ثم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش ، إن كان بالتمويل او الجهاديين المقاتلين او ببث الخطاب الديني المتطرف.
إننا ندعو امريكا وقوات البيشمركة الى العمل لتحرير بقية المدن والقرى الأزيدية والمسيحية ، وأن يعود هؤلاء المشردون الى بيوتم ويكون لهم حماية دولية تحافظ على ممتلكاتهم وتحميهم من الدولة الإسلامية داعش . وهذا واجب إنساني وأخلاقي وقانوني لا يقبل الجدل او التأجيل 
.


د. حبيب تومي / اوسلو في 31 / 08 / 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *