النظام الدولي الجديد في ظل العولمة الامريكية آراء واستنتاجات ذات ابعاد مستقبلية(7)

 عصفت في العالم خلال العقدين الماضيين احداث خطيرة هددت السلم العالمي منها احداث يوغسلافيا ودول البلقان وحرب الخليج الثانية والحرب في إفغانستان وإحتلال العراق والعدوان الأسرائيلي على لبنان وغزة وغيرها من مناطق العالم , واصبح السلم و الامن الدوليين في ظل الاحادية القطبية اكثر خطورة . وعلى ضوء الحلقات السته التي قدمتها والتي تمحورت حول احداث آب في ذكراها ال20 في الاتحاد السوفياتي وتداعياتها الداخلية والدولية , وتناولت فيها اهم نتائج انعكاسات انهيار الاتحاد السوفياتي على الوضع الدولي والعلاقات الدولية . في هذه الحلقة سأتناول النظام الدولي الجديد من منطلق رؤية مستقبلية وذلك على ضوءما تم ذكره في الحلقات الماضية من هيمنة القطب الواحد واثبت ادناه ماتوصلت اليه من استنتاجات حول مستقبل النظام الدولي من خلال دراستي للعلاقات الدولية في ظل العولمة الامريكية .

آراء واستنتاجات في الوضع الدولي :

1- في ظل نظام القطب الواحد الذي سادت فيه اجواء التوتر في العالم مع تنامي التدخلات الخارجية في شؤون الدول الداخلية وسيادة منطق القوة في العلاقات الدولية , والتوسع العسكري وبسط النفوذ وانتشار الحروب والصراهات الاهلية وتنامي الارهاب , وعودة سباق التسلح العسكري من جديد ,وانتشار الاسلحة النووية , وفي ظل التطور التكنولوجي المتسارع , فأن عالم اليوم بحاجة الى تطبيق مقاصد الامم المتحدة وفي مقدمتها حفظ الامن والسلام الدوليين .

2- ان خطورة الوضع الدولي وتداعياته على المستويات الاقليمية ,يؤكد صحة راي الاحزاب الشيوعية وكل قوى اليسار والديمقراطية والمنظمات المدافعه عن حقوق الانسان في العالم والحركات المناهضة للعولمة الامريكية وكذا آراء كثير من الباحثين والاكاديميين , وكذا مواقف كثير من الدول التي تضررت بانتهاء نظام الثنائية القطبية , حيث برهنت آراء هذه القوى على حاجة العالم إلى منظمة دولية تصنع السلام وتقيم نظام دولي عادل , وليس من خيار للحفاظ على السلم العالمي  , الا بعد ان تكون الامم المتحدة ومجلس الامن يشكلان في الواقع رمزاَ للشرعية الدولية , وان لاتمارس دولة بعينها امريكا او حلف الناتوالتفرد واستخدام القوة في العلاقات الدولية وباسم الشرعية الدولية .

3- هنا يطرح سؤال كيف يتم عودة الشرعية الدولية الى الامم المتحدة ومجلس الامن بعد ان اسرتهما امريكا خلال العقديين الماضيين ؟

يرى الكثير من الاحزاب والحركات والدول والباحثين والسياسيين أن ذلك يتوقف على إصلاح المنظمة الدولية واصلاح نظامها وميثاقها الدولي الذي صيغ في اجواء الحرب الباردة .

4- ان الولايات المتحدة الامريكية وظفت الميثاق الدولي لصالح سياستها الخارجية في التوسع العسكري وبسط الهيمنه والنفوذ وخلق الذرائع للتدخل في شؤون الدول الداخلية , واثارة الازمات والحروب والاحتلالات العسكرية للبلدان ومنها احتلال افغانستان والعراق , وبهذا العمل من وجهة نظري ان امريكا وحلف الناتو قد اصدروا بيان للعالم بانهم قد استولوا على الحكم في الامم المتحدة , الواقع العملي لاحداث العالم يؤكد على عودة الحرب الباردة من جديد , وما يؤكد صحة هذا الاستنتاج , ان الاتفاقات الدولية حول منع انتشار الاسلحة النووية تطبقها امريكا بمعايير مزدوجه حيث لحد هذا اليوم ترفض اسرائيل التوقيع على اتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية , مع تنامي الانفاق المالي للاغراض العسكرية في الميزانية السنوية للولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول . وبالعودة الى الميثاق الدولي فامريكا الى الآن لم تتمكن من التوصل مع اعضاء مجلس الامن الى وضع تعريف عن مفهوم (الأرهاب الدولي) أو مفهوم ( العدوان) وحتى مفهوم ( الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من الميثاق الدولي) . لا تزال هذه الرؤية الدولية المشتركه غائبه في الميثاق الدولي , وهذا مؤشر لاستمرار ثقافة الحرب الباردة وعودة اجوائها وبيئتها .

5- مصالح شعوب العالم اليوم تتطلب الاسراع باصلاح منظمة الامم المتحدة وميثاقها الدولي , وان المشاركة في الاصلاح هو مسؤولية كل دول العالم  وشعوبها وحركاتها السياسية من اجل ضمان حفظ الامن والسلام الدوليين وبناء علاقات سياسية واقتصادية متكافئة بين الدول , فان الميثاق الدولي ان لايكون ملبيا او متماشياَ مع مصالح الدول الخمسة المنتصرة بالحرب العالمية الثانية فقط  .

6- من وجهة نظري اجد ان من ابرز الثغرات في ميثاق الامم المتحدة , والتي من خلالها تم التدخل في شؤون الدول الداخلية وحصل اخلال بمبدأ السيادة الوطنية  هو ما جاء ( في الفصل السادس والسابع من الميثاق من بنود ) .حيث أن الميثاق أعطى مجلس الأمن  (الأعضاء الدائمين)  صلاحية إتخاذ إجراءات عقابية إقتصادية وسياسية وعسكرية ,إذا ما رأى أن وضعية ما تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين . ولكن في ظل الأحادية القطبية في النظام الدولي الجديد . فقد صادرت الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو هذه الشرعية الدولية , وهذا تم نتيجة إنهيار التوازن الأستراتيجي الدولي وغياب الأقطاب الأخرى. فباسم الشرعية الدولية مثلاَ ( تم احتلال افغانستان والعراق ) . وبهذا قد صادرت حق الشعوب ونضال أحزابها الوطنية  في تقرير مصائرها الداخلية و تغيير أنظمتها الدكتاتورية الأستبدادية داخلياَ من خلال الخيار الوطني ,  وأن إستمرار الحصار 12 عام على الشعب العراقي كان برغبه امريكية لمعاقية الشعب بدلاَ من معافبة النظام . وحتى بقية قرارات مجلس الامن حول العراق تعاملت معها الولايات المتحدة الامريكية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية على سبيل المثال ( قرار مجلس الأمن رقم 688) الخاص بحماية حقوق الأنسان في العراق تعاملت معه الولايات المتحدة بأنتقائية وبما يخدم وجهتها السياسية فهي كانت لا تريد التغيير الداخلي في العراق لأن التغيير الداخلي لا ينسجم ومصالحها في المنطقة , فقد أسهمت في عرقلة وإعاقة نمو عوامل التغيير الداخلي لأجل أن تهيئ ظروف ومستلزمات دولية وإقليمية وداخلية لتنجز تدخلها العسكري بما يتناسب ومصالحها وهذا ما حصل .

7- من ملامح النظام الدولي الجديد انه مشوب بالغموض والمفاجئات والتطورات في الأحداث بحكم استراتيجية الولايات المتحدة وأهدافهاالبعيدة المدى و هيمنة احتكاراتها الكبرى على اقتصاديات العالم ودخولها في صراع تجاري واقتصادي وتكنولوجي مع الشركات الدولية الاخرى بما فيها الشركات الاحتكارية العائدة لحلفائها الاوربيين ,واصبح الصراع على المصالح هو السمه المميزة للنظام الدولي الجديد , وهذا بحد ذاته يشكل عامل عدم الاستقرار الدولي والاقليمي وهذا مايشجع على ظهور تحالفات دولية واقليمية جديدة .

8- ما اكدته احداث العالم خلال العقدين الماضية ان الولايات المتحدة الأميركية إن تمكنت من فرض حالة الأستقرار في هذه المنطقة أو تلك فأنه إستقرار نسبي يخضع للمتغيرات والمفاجئات الغير متوقعة للأحداث والمواقف السياسية للدول وحتى في التحالفات وما يعزز هذا الرأي هو نضال الشعوب المعادي للهيمنة الامريكية .

9- ورغم أن التدخل الدولي مهم وضروري في حالات إنسانية لكن تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية بأسم الشرعية الدولية , من منطلق حماية حقوق الانسان وتطبيق الديمقراطية , في الواقع ان الولايات المتحدة الامريكية تستخدم هذه المفاهيم كذرائع وشعارات تسويقية مضللة لتبرير تدخلاتها في شؤون الدول وهذا ما اكدته تجربة العراق .

10- العالم اليوم بحاجة للنضال السلمي ضد سياسة العولمة اللنيوليبرالية والتي فرضتها أمريكا قسراَ على الشعوب والدول ,أول من تضررت هي البلدان النامية نتيجة غياب التوازن الدولي بأنهيار الأتحاد السوفياتي وتركت بدون حماية سياسية ودبلوماسية وعسكرية ومساعدات إقتصادية نزيهه واصبحت هذه البلدان فريسه للهيمنة والقوة الأمريكية .

11- اكدت التجربه ان السياسات والتوجهات الاقتصادية لليبرالية الجديدة في ظل ( العولمة الرأسمالية) إنها خالية من المضامين الأجتماعية و لها تأثيرات سلبية وما أنتجته هو (عولمة الفقر) في العالم وبالذات في البلدان النامية ,مع المزيد من التهميش لهذه الدول على صعيد السياسة الدولية .

12- ما اكده الحزب الشيوعي العراقي وعدد من الاحزاب الشيوعية واليسارية في العالم انه من ضمن أدوات النضال السلمي ضد سياسة العولمة الأمريكية هو عولمة النضال وانسنته على الصعيد العالمي ضد السياسات النيوليبرالية . وبناء تحالفات يسارية ديمقراطية على صعيد كل بلد وتبني برنامج وطني ديمقراطي وخوض النضال الجماهيري في كل بلد للمطالبة بأجراءات داخلية إقتصادية وسياسية وقانونية ذات طبيعة ديمقراطية مع التعاون والتضامن والعمل المشترك بين الاحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية في المنطقة والعالم , والتعاون بين هذه الحركات والشعوب للحد من تأثيرات العولمة الأمريكية .

مستقبل العلاقات الدولية :

احداث العقدين الماضيتيين التي تعرض لها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي , كانت ثقيله جداَ على الشعوب وكان لها نتائج مآسوية ومدمرة , مع نهب الثروات وانتشار الفقر والمجاعه والامراض والجهل والحروب الاهلية والارهاب وفقدان الامن والاستقرار …الخ . ان احداث العقدين الماضيتيين دفعت الراي العام العالمي ليقول كلمته اليوم , وما تؤكده وقائع الاحداث هو الرفض لنظام القطب الواحد , فليس هناك مبرر لكي تنفرد دولة في الهيمنة على العالم والتحكم بمصائره ومصائر شعوبه مهما إمتلكت من القوة العسكرية والسياسية والأقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية ومهما كانت آيدلوجيتها . ومن خلال احداث العقديين التي شهدها العالم , فان النظام الدولي نظام الهيمنة الامريكية غير مقبول دولياَ , وبهذا فانه حالة طارئة مر بها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي , وهذه المره الاولى التي يشهد فيها العالم نظام القطبية الاحادية , وهناك كثير من الدلائل والمؤشرات التي تؤكد ان عالم الغد سيكون عالم متعدد الاقطاب وهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة .

وبما ان الاتحاد السوفياتي قد انهاربدون حرب فان نظام القطب الواحد سينهارحتماَ وبدون حرب ايضاَ , وسيشهد العالم من جديد نظام التعددية القطبية وسيعود معهاالتوازن الدولي , أن مستقبل العلاقات الدولية المعاصرة لعالم تحكمة علاقات التعاون الدولي والتكافئ  بعيداَ عن الهيمنة والتفرد والصراعات والحروب والفقر وإحترام استقلال الدول وصيانة ثرواتها ستصنعه الشعوب من جديد .

( يتبع)

11-10-2011 .

You may also like...