المواقف الانسانية عند الشخصيات الكردية المشهورة في زاخو !!

شتان بين خطبة المُلا احمد وخطبة المُلا عثمان بعد قرن!!

20 كانون الثاني 2011ان ” مقولة التاريخ يعيد نفسه ” هي افضل عبارة يمكن ان نبدأ بها مقالنا هذا، الذي هو عن دور بعض الشخصيات الكردية الانسانية في حماية والدفاع عن المسيحيين في زاخو. خلال مذابح  الامبرطورية العثمانية للمسيحيين ( الارمن والكلدان والاشوريين والسريان) وقف اغلب  الاتراك والاكراد مع قيادة جمعية الاتحاد والترقي التي كانت اتخذت الابادة قرار لهذه للاقليات.

 في اقليم زاخو(1) بالذات في السهل السندي جرت المحاولات من قبل عشائر في محافظة شرناخ مع عشائر الكويان ونافرويي وبعض الضباط العثمانيين للقيام بنفس المذابح والمجازر التي حدثت في استنبول وجميع الولايات التركية لا سيما الولايات الشرقية (اخرها كانت في فيشخابور). لكن وجود رجال من ذوي الضمير الانساني من الاخوة المسلمين من اكراد المنطقة (زاخو) تصدوا للفكرة، بل قاوموها بكل قوة، وأبدوا استعدادهم للدفاع عن اخوتهم المسيحيين على الرغم صعوبة القرار (لانه كان ضد ارادة الامبراطورية). كان على رأس المدافعين عن المسيحيين في حينها هو المرحوم محمد شمدين أغا (2) وعائلته مع الاخرين من أغوات القرى في سهل السندي. وقد ألف المرحوم الاب يونان أُوراهم بلوايا ( من قرية بلون حاليا في تركيا)  قصيدة طويلة انذاك (3)، يصف فيها البطولة الكبيرة والشجاعة التي قامت بها عائلة شمدين أغا والمرحوم المُلا أحمد الإمام (يبدوا كانت المحاولة في البداية  الهجوم على قرية بـِيدارو القريبة من زاخو ثم انتقلت الى زاخو) ، وجرت نفس المحاولة لابناء قرية بيرسفي التي انقذها  بعض ابناء قرية (دركار عجم) إقرأ المزيد  عن الموضوع عبر الرابط (4).

 في الاحداث الاخيرة التي حدثت في زاخو قبل اسبوعين، عاد التاريخ نفسه،  بدأت  شرارتها من خطبة المُلا عثمان السندي الذي كان ألقى خطبة اثناء صلاة يوم الجمعة في الجامع ، بعكس ما كان قام به المرحوم الملا أحمد الامام قبل مئة سنة، حيث اعطى الاخير  فتوى في الجامع أنه حرام على كل مسلم الاقتراب من اموال المسيحيين كما تشير قصيدة الاب يونان. بينما كانت خطبة الملا عثمان السندي قبل بضعت ايام  كمن يصب الزيت على النار، فخرجت جموع كبيرة من المصلين متوجهيين الى محل المساج الصيني في محلة العباسية (5) ومن ثم توجهوا الى المحلات والمطاعم والفنادق ومحلات الحلاقة التي  يملكها ابناء شعبنا المسيحيين واليزيديين (فقط!) في زاخو ليحرقوها وبكل دم بارد  ، ثم توجهوا الى دار المطرانية يحاولون الاعتداء عليها، ومن هناك انتقلت الشرارة الى سميل وشيوز ودهوك وغيرها من الاماكن كأننا نعيش ايام شاهبور السفاح مرة اخرى.

 لقد قام عدد من حراس المطرانية ومركز هيزل والاب بولص الهوزي مع ابنائه وبعض ابناء محلة النصارى في زاخو للدفاع عن حرم المطرانية بكل شجاعة على الرغم من قلة عددهم وامكانياتهم وبحضور السيد امير كوكا النائب في برلمان كردستان.
 لكن حضور استاذ عمر بشار اغا السندي مع رجاله على العجل الى الموقع وبقائهم هناك في الفترة العصيبة، كان له اثر كبير في نفس اخوتنا من ابناء محلة النصارى لا سيما اهالي اقليم زاخو الموجودين في المهجر الذين استحسنوا موقفه وقدموا شكرهم الجزيل له على هذا الموقف الاخوي والانساني عن طريق التلفونات (كذلك عملت رئاسة الكنيسة حسب علمنا). كذلك سمعنا من مصادر اخرى، حصل نفس الموقف لكنيسة الارمن في زاخو وقام اولاد (عبدي اغا) بالمواجهة مع الغوغائين وتم ابعادهم ايضاً .

ان موقف حكومة الاقليم ومسؤوليها وبالاخص موقف رئيس الاقليم السيد مسعود البرازاني تحلى بكل شجاعة واقدام حينما قال:” سيكون اول من سيحمل السلاح ما دامت المسألة وصلت فوق مستوى الكفر!!!” (6) بلا شك يعبر هذا الموقف عن درجة الغضب الانزعاج والاندهاش لما حدث من التعدي على بعض من سكان الاقليم بغض النظر عن ديانتهم او قوميتهم ، وعرف رئيس الاقليم مدى خطورة البربرية والهمجية التي قام بها هؤلاء الشباب الذين نسوا قيمة الحرية وقوانينها واهميتها لاستمرار الحياةفي حالة  طبيعية في الاقليم، وكذلك الخطورة التي تحيط  بتجربة كردستان بعد نضالهم ستين سنة.
 
فيما بعد قامت بعض الشخصيات من الحكومة المحلية والحزب البارتي و رؤساء العشائر من اهل المنطقة بزيارتهم لدار المطرانية وعبروا عن شجبهم وادانتهم لهذا العمل غير الاخلاقي وابدوا استعداهم للدفاع عن حرم المطرانية على الرغم من ان مبادرتهم  جاءت متأخرة ولم تتخذ التدابير المطلوبة في اللحظة اللازمة.
مرة اخرى نعيد الى اذهان كل الاخوة الاكراد ولا سيما من الاحزاب الاسلامية المعارضة  ان الوجود المسيحي في هذه المنطقة ليس بجديد، ان لم يكونوا هم اقدم الشعوب هناك، ان المنطقة وقعت تحت سلطة ادارات عديدة ومختلفة، لكن التاخي كان موجودا بين الجميع، وكان التعاون والتعاضد حاضرا دائما بين وجهاء المنطقة في مثل هذه المناسبات.

 في هذه المناسبة الاليمة نجلب الى انتباه المسؤوليين في حكومة الاقليم و قادة الاحزاب كلهم، لكي يستمر المجتمع الكردستاني بالعيش في التآخي كما كان وكما هوالمفروض، يجب ان يتم زوال اي شعور لدى اي مواطن من اي فئة كانت  بأنه من الدرجة الثانية بسبب الدين او القومية او الدرجة الحزبية او القرب من السلطة. ان شعوب المنطقة قاست واعطت ثمناً باهضاً منذ الحرب العالمية الاولى ولحد اليوم لحين تحقيق الامن والاستقرار وحرية الرأي وحقوق الفرد، يجب ان لا يضيعوا هذه الجهود وهذه الانجازات بطريقة  بسهولة وبسبب مواقف ساذجة وبعيدة عن الواقعية اليوم من قبل فئة صغيرة من الناس، او بسبب فلسفة جربها غيرهم وفشل.

 ان الامن والاستقرار لا يتم إلا بخلق روح وفكر المواطنة الصالحة لدى الفرد، البعيد من اي  كراهية اوانتقام اوقتل اوحرم اوتكفير، كما هو معلوم، ان جوهر كل الديانات السماوية وحتى الفلسفات هي تقديس القيم الانسانية ، ومن ينكرها اعتقد ينكر ارادة السماء ايضا. فالهدف الاول للاديان هو حماية الانسان من الطبيعة وازالة الالم والمرض وتحقيق العدالة والامن والاستقرار للانسان وليس القتل والتعدي على حقوق او وجود الاخرين.

 هذه المباديء لن تجد طريقها  للتحقيق في المجتمع الكردستاني إلا عن طريق التربية على المنهاج الصحيح في المدارس الحكومية والاهلية والاجنبية  من الان وصاعداً، لهذا حكومة الاقليم امام مسؤولية  قانونية واخلاقية وانسانية ووطنية لتحقيق العدالة عن طريق تقويم الانسان من طفولته على الافكار الصحيحة والمباديء الانسانية المتسامية الموجودة في الكتب السماوية  التي تحرم القتل والتعدي على حقوق الاخرين بعض النظر عن هويته الدينية او القومية،  والتي هي مطبقة في الدول المتقدمة.

ان الاستعداد لقبول الاخر المختلف (التنوع) هو امر مهم جداً جداً، يجب ان يدركه ويقبله  كل فرد في اقليم كردستان. وان فكرة وجود الاختلاف هو امر يعود للخالق سبحانه وتعالى، لذلك نجد حتى في الطبييعة نفسها الاختلاف جزء اساسي من ناموسها ومفروض على كل الموجودات فيها، وبالاخص بين اجناس البشرية، وان الانسان مهما فكر وعمل لا يستطيع أن يُوقف او ان يُغير او ان  يَزيح اي جزء من قانون الطبيعة!
في الختام نقدم شكرنا الجزيل للصديق الاستاذ عمر بشار اغا و لكل من شارك او وقف مع المسيحيين في زاخو وغيرها من الاماكن،  لا لانهم مسيحيين  فقط ، وانما لانه هو نفسه يعيش ويؤمن بالقيم الانسانية!!.

……………..
1-اقليم او قضاء زاخو كان يتالف من ثلاث نواحي السندي والسلفاني والكولي.  في منطقة السليفاني ذاقت فيشخابور مرارة المذابح في الحرب العالمية الاولى.  اقرأ المزيد في الموضوع في مقالنا المنشور في عنكاوا كوم ومواقع عديدة  تحت عنوان :
” بمناسبة اعتراف برلمان السويدي بمذابح سيفو ماذا حصل في فيشخابور وسهل نافرويي سنة 1915 ” على الرابط التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=395557.0;wap2

2- ولد المرحوم محمد شمدين اغا في زاخو سنة 1874 وكان يجيد اللغات الانكليزية والعربية والتركية فضلا عن لغة الام الكردية، كما انتخب نائبا عن المنطقة في اول دورة لمجلس النواب العراقي وتوفي في سنة 1924 اثر سقوط الطائرة التي كانت تقله من بغداد الى الموصل .حاز بعد وفاته على الوسام البابوي سنة 1925 تقديرا للموقف الذي قام به في الدفاع عن المسيحيين اثناء الحرب العالمية الاولى. الجدير بالذكر ايضا كان اول مدير لبلدية زاخو.

3-هذه بعض اهم الابيات في قصيدة  ألفها المرحوم الاب يونان اوراهم بلوايا :

كود بنافروي۸ هادخ أوذ لي
موشلماني تكبير دريلي

لأي بيدارو هجمي كولي
دقطلي لناشي وسلبي المالي
…………….

….
…. الخ
….(( في الابيات التالية يذكر عائلة محمد شمدين اغا))
…………..
جيبو جيبو رشيد آغا
وعبد الرحمان ومحمد آغا
زورا ديي حازم آغا
ياليلي دبي شمدين آغا ١٨
……………..
شود ويوا أشمعلايي
لمريا ويذي نافنجيي

كرشلي غيرت تا سورايي
تد محاميلي مشرنخايي
…………….
سبب رابا بأذي كدشا
حجي قاسم مفتي بيشا
 
لشرنخايي خورا ﭙﻴشا
دلن سورايي أوذ هراشا
…………..
ملا أحمد إيمام أيلي
بكاود جيمع موكرزلي وميري

قطلا دسورايي جايز ليلي
وهم مال ديي حراميلي
……………..   
أو تلغرف لموصل مطيلي
موالي دموصل۱٩ أمرا نبقلي

….
…. الخ
((ملاحظة هذه فقط بعض الابيات المهمة من القصيدة  التي تقارب اربعين بيت)).

4-اقرأ المزيد في  مقالنا تحت عنوان ” قصة نجاة قرية بيرسفي من مذابح الحرب العالمية الاولى ودور مختارها المشهور المرحوم مشو أغا” في موقع زاخوتا.كوم   على الرباط التالي: http://www.zaxota.com/forum/showthread.php?t=21978

5-هذا لا يعني ان المسيحيين كانوا موافقين على وجود محلات المساج الصيني او الفساد في القضايا الاخلاقية التي قد تحصل فيها.

6-تقرير منشور في عنكاوا كوم  على الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=547264.0

You may also like...