المـُخْـتــَـطـَـف في دير ربان هـرمزد يصل ألقـوش حـراً( 6 )

 
أطـلِق والدي من السجـن العـسكـري في الموصل في أواسط تشرين الأول 1963 بعـد أن قـضى فـيه 33 يوماً مباشرة بعـد 37 يوماً قـضاها في سجـن الشمال ، وليس في جـيـبه أجـرة السيارة إلى ألقـوش والبالغة 250 فـلساً ، فـما العـمل ؟ تـذكـَّـرَ أن إمرأة بعـيدة عـن السياسة قـريـبة منا وتربطه بها صِلة دم ، تعـمل وتحـصل عـلى مورد مالي يفـوق حاجـتها وإبنها المتـزوّج معـها ، وتسكـن معـهم وفي الدار ذاتها سوية وبصداقة قـوية جـداً عائلة ألقـوشية شـيوعـيّة من الطراز الأول ليس لنا أية علاقة معها ، فإتجه إليها عـلى إعـتبار أنّ الأقـربون أولى بالمعـروف ، حـتى وصلها فـرآها جالسة مع العائلة الحـميمة جـلسة ودّية ، سـلـّم عـلى الجـميع واقـفاً ( ليس له وقـت للإستـراحة ) ردّتْ المرأةُ السلامَ لوحـدها ! بدون عـبارة تـفـضـّـل وإستـريح إرضاءاً للعائلة الشيوعـية الحاضرة لأن إتهام والدي بالإنـتماء إلى المخابرات العـراقـية والأمن وجـمْع المعـلومات عـن الشـيوعـيّـين للإيقاع بهم ستبقى ملـتـصقة في أذهان الألقـوشيّـين حـتى الموت لأن وعـيَهم ليس كافـياً لإدراك معـنى البراءة في المحاكم الشمالية والجـنوبـية رغـم إدّعائهم بالثـقافة ، لابل حـتى الشياطـين إعـترفـوا بـبراءة والدي لكـن الشيوعـيّـين لم ولن يعـتـرفـوا وبهذا يمكـنـكم أن تـقـيسوا مستـوى الوعي الثـقافي للسياسيّـين الألقـوشيّـين الساكـنين في ألقـوش في تلك الأيام عـلى الأقـل ولا تـغـرّنـَّـكم الدعايات فالأبرياء هم فـقـط عـناصرهم الذين يُـلقى القـبض عـليهم لأسبابهم المعـروفة ، والمهم أن المرأة سألـَـتـْه : ها عـبو ، هـل خـرجـتَ من السجـن ؟ قال : بلى !!! ثم إنـتهى الكلام لأن القاموس الملعـون تبخـرَتْ كـل كـلماته وإبْـيَـضـَّـتْ صفـحاته فـمن أين تأتي الكـلمات بـين شـفـَـتـَي قـريـبته ؟ شـمـَّـر والدي عـن ساعـدَيه ، وجـمعَ كـل شـجاعـته ، ونـفـخ في كـفـَّـيه ، وثـبَّـتَ عـلى الأرض ساقـَـيه ، وأقـدَمَ بجُـرأته ، وركــَّـز ذهـنه ، ومَن يـدري ربما نـذرَ كـبشاً لمطـلبه ، وإستـعـدَّ لـنطقه ، وإستعان بربّه ، ونـظـر إلى المرأة بكـلتا عـينيه ، و صِلة القـرابة تربطها به ، وقال لها بمِـلءِ فـمه : أنا محـتاج إلى 250 فـلساً أجـرة السيارة كي أصل إلى ألقـوش ؟؟ قالت : مع الأسف لا أملك فـلساً ! فـخـرج من عـندها مشياً ووصل إلى الـﮔـراج فـقال للسائق الذي لا أتـذكـّـر إسمه مع الأسف : أنا ذاهـب إلى ألقـوش وليس عـندي أجـرة السيارة الآن بل سأعـطيها لك لاحـقاً ! فـلم يعـترض السائق وربما عـطف عـليه أيضاً . ويجـب أن أقـول الحـق وأؤكـّـد بأن المرأة المذكـورة إنسانة ودودة وطـيّـبة وكـما نـقـول في ألقـوش ( شـيخ الشـمـَّـر – خـوارده ) لا تـكـره والدي عـلى الإطلاق بل تحـبُّه وتـحـب أفـراد أسرتـنا واحـداً فـواحـداً ونحـن نحـبها ونحـب أفـراد أسرتها ولكـنها لم تـتـجاسَـر أمام العائلة الصديقة الأخـرى الشـيوعـية أن تــُـبدي تعاطـفاً مع والدي قـريـبها حـتى بـ 250 فـلساً ( نعـم ، إنّ ذلك ليس مـبرّراً ، ولا مقـبولاً في مقايـيس الأصالة ولكـن المشهد ذلك جـرى ) ولم نـُـذكــِّـرْها بالموقـف أبداً ولكـن وبعـد مضي أكـثر من عـشر سنـوات وفي أحـد المواقـف ، ذكـَّـرَتـْـنا وهي متـندّمة عـلى تعاملها ذلك ولكـن بعـد فـوات الأوان . المهم وصل الوالد إلى ألقـوش وبعـد أن إغـتـسل وإرتـدى ملابسه ، كانـت أول عـبارة نـطق بها لي وأنا في الصف الثالث المتوسّـط هي : إبني كـن حـذراً ، لا تـتـدخـل في السياسة أبداً ! فأنا البريء والبعـيد عـن السياسة واجهتُ هـذا العـذاب والإضطهاد والموت عـلى أيدي السياسيّـين ، فـما بالُ الذي يتـدخـل بالسياسة ؟ .
إنّ براءة والدي في المحاكم الشمالية والجـنوبية سبَّـبتْ الإحـباط والفـشل للشيوعـيّـين الألقـوشيّـين وتساقـطـتْ تــُـهَـمُهم الباطلة التي تـكـَـرَّزوا بها طيلة سنين أمام الرأي العام . وبما لا يقـبل الشك ( كان بودّهم أن يُـعـدَم عـند الأكـراد أو عـند حـكـومة الحـرس القـومي – عـدو عـدوّي صديقي – فـحـينـئذٍ ينـفـضون قـميصهم ويتبـرّؤون من فِـعـْـلـَـتِهم وهم سادة الدعايات والكلام ويقـولون : نحـن لم نخـطفه ، نحـن لم نعـدمه ، بل غـيرنا …… ) وبدلاً من مراجعة أنـفسهم والإعـتـراف بخـطـئهم ونسيان الماضي من فـبركاتهم ، بل بالعـكـس فإن حـقـدهم الأسود وصلافـتهم دفعاهم إلى حـياكة لـفاحة جـديدة ( شال حـول الرقـبة ) من تهمة مبتـكـرة لِـيَـلفـوها حـول عـنق والدي وبدون أيّ مبـرر أو مستمسك منطقي وذلك تغـطية لخـيـبة أملهم . فعـند نهايات عام 1963 زارنا في دارنا صديق حـميم مخـلص لـنا تـربطـنا معه ومع كافة أفـراد أسرته صداقة قـوية وأصيلة ومستـمرة منـذ أيام كـركـوك أخـو المرحـوم فـؤاد هـو المرحـوم عـبد شمعـون ﮔـردي وزوجـته سعـيدة الذكـر سـليمة كـرمليسية ، جاء ضيفاً عـندنا وأبلغ والدي قائلاً إن الجـماعة يتهمونك بـ ( قـوانة جـديدة – لا أجـد ضرورة لـذكـرها في هـذا المقال  ) فـفـقـد صوابه وخـرج عـن طـَـورِه بعـد المأساة التي ألـمـَّـتْ به وأوشكـتْ عـلى إعـدامه وقال للمرحـوم عـبد : ألا يتـركـوني بحالي ، ألم يأخـذوا حـقهم الباطل مني ، ألا يستـحـون ، أنت قـريـب منهم يا عـبد ! قـل لهم هـل هـذه هي مبادئهم ؟ هـل هـكـذا عـلـّـمتهم شيوعـيتهم ؟ قـل للجـماعة إنّ الكـيل قـد طـفح هـذه المرة ولا يسع أي شيء آخـر ، ورغـم أنـني وحـيد فإنّ أية محاولة منهم لإيذائي سـيـكـون هـناك ردّ فـعـل لا يُـسِـرّهم وعـلناً – وْ شـْـما يصير خـلـّي يـصير وآني أتـحَمـَّـل كـل النـتائج – ! والحـق يـقال فإن المرحـوم عـبد لعـب دَوراً مشـرّفاً ومشـكـوراً يُـثـنى عـليه وإستـطاع أن ينـقـل إليهم الرسالة ويناقـشهم بالمنطق والعـقـل والحـق وبتوازن بـين الطرفـين ويصل إلى إقـناعهم ونبذ الأفـكار الشرّيرة عـن ذهـنهم ، فـتركـوا قـوانـتهم المخـترعة ولكـنهم بقـوا مستمرّين عـلى نـظرتهم الأولى لأن طبـيعـتهم لا تـقـبل التـنازل عـن أخـطاء إرتـكـبوها وهـذه هي شيمتهم حـتى اليوم .

You may also like...