المطران سرهد جمو فكر قومي كلداني واضح وبمنأى عن تخوم السياسة

habeebtomi@yahoo.no

المطران الجليل مار سرهد يوسف جمو غني عن التعريف ، إذ له مواقفه الجريئة ومساهماته المتشعبة إن كان تلك المتعلقة بتوحيد الكنيسة الشرقية او بتطوير الطقوس الدينية ، فقد طور الطقس الكلداني وأعاد بناء تركيبته وطريقة تقديمه ثم كان بروزه في تطوير التراتيل الدينية ، وفي هذا المقال القصير لا نستطيع ان نحيط بكل اهتمامات وشهادات ومسؤوليات ومساهمات مار سرهد جمو فهي طويلة ومتشعبة ، ويكفي ان نقول انه تم تنصيبه مطراناً لابرشية القديس بطرس الرسول في سان دياكو ـ كاليفورنيا في تموز عام 2002 ، وكانت هذه الأبرشية الكلدانية الثانية في الولايات المتحدة وكان تعداد نفوسها يومذاك ثلاثون الفاً واليوم يبلغ تعدادها سبعون الفاً من الكاثوليك الكلدان ، إضافة الى اعداد مهمة من الكاثوليك الأثوريين .

المطران مار سرهد جمو يجمع في شخصيته خليط من المسؤولية ، إنه يقوم بالمسؤوليات الدينية والطقسية واللاهوتية على اكمل وجه وفي الوقت ذاته يتجشم عناء تحمل مسؤولية شعبه في همومه الوطنية والقومية والإنسانية ، دون ان يترك ذلك خللاً في واجباته الرئيسية في مؤسسته الكنسية .

التقيت بالمطران الجليل مار سرهد جمو في ثلاث مناسبات الأولى كانت في العراق  في نيسان من عام 2009 حيث كان حضوره الى العراق والمطران الجليل ابراهيم ابراهيم لحضور اجتماع السنهودس المنعقد في تلك الفترة في عنكاوا ، وضمن الوفد الكلداني المرافق لهما ، وكان لي شرف الأشتراك مع الوفد لمقابلة الرئيس مسعود البارزاني ، والأستاذ فاضل الميراني ، وكان محور الزيارتين يدور حول حقوق الشعب الكلداني في اقليم كوردستان والوطن العراقي عموماً ، وقد كان التركيز حول إدراج اسم القومية الكلدانية في مسودة الدستور الكوردستاني  والتعامل مع شعبنا الكلداني بشكل مستقل وبمنأى عن اية وصاية من احزاب قومية آشورية متزمتة او غيرهم ، ونحن نتذكر قرار السنهودس التاريخي للمطارنة الأجلاء في المطالبة بإدراج اسم القومية الكلدانية في مسودة الدستور الكوردستاني .

ثم كان لقائي الثاني في سان دييكو اثناء اعمال المؤتمر الكلداني الأول الذي توسم بعنوان مؤتمر النهضة الكلدانية ، فكان حضور المطران سرهد جمو مشهوداً له ، من خلال حرصة اللامحدود لتوحيد الكلمة وإعلاء اسم الكلدان وإبقاء شعلته مضيئة في المحافل الدولية وفي الوطن العراقي .

اللقاء الثالث كان في السويد على هامش انعقاد مؤتمر الأندية الكلدانية في السويد والذي توسم ايضاً عنوانا باسم مؤتمر النهضة الكلدانية فهو بحق تكلمة للمؤتمر الأول الذي انعقد في ساندييكو ، إنها طموحات كلدانية مشروعة ، فالتركيز كان نحو تحقيق الحقوق الأنسانية للشعب الكلداني ،  كان هذا المؤتمر يتسم بالتهيئة المسبقة والتنظيم ، وانا هنا لا اتمالك إلا ان اثني على جهود القائمين على المؤتمر ،  حيث ان الجميع كان يعمل على نمط الفريق الواحد والتناكف على انجاز المسؤوليات الملقاة على عاتقهم وتقديم خدماتهم لانجاح المؤتمر ، فكان بحق مؤتمر تميز بحسن التنظيم خلال ايام الأنعقاد ونفس الحالة من الترتيب والتنظيم الفيناها في مدينة يونشوبنك حيث كان اجتماعنا في نادي الكلدان .

 ما استشفيته من الناحية الفكرية من محاضرات المطران مار سرهد جمو خلال المؤتمر ومن خلال احاديثنا الجانبية بأنه يركز على الجانب الإنساني لحقوق شعبنا الكلداني ومن هذا الباب يفتح منفذاً ليكون هذا الشعب سيد نفسه ، يجب ان لا نفكر بالتسول ، اسهل طريقة هي التسول ، ونستطيع ان نحصل على بعض الفتات من التسول لكن مقابل ذلك نخسر الكرامة ، الشعب الكلداني شعب عريق ، ولا ينقصنا شئ ، لدينا لغتنا واسمنا وتاريخنا مشهود له فلماذا نبقى اتباع للاخرين ؟

يقول المطران مار سرهد جمو ما مفاده : نحن لسنا ابناء الخادمة بل نحن ابناء الأميرة ، وعلينا ان يكون لنا شخصيتنا ، وهو يتساءل لماذا علينا ان نبحث ونسعى الى ايجاد اسم وهوية ؟ في الوقت الذي نملك كل ذلك ، نحن نملك جوهرة فلماذا نعمل على ضياعها ؟

ان المطلوب من كل الجهات المتنفذة في العملية السياسية في الوطن العراقي ان يعامل شعبنا الكلداني بما يضمن حقوقه الطبيعية ، وإن يُعامل ابناء هذا الشعب بمنطق المواطنة من الدرجة الأولى في وطنهم ويجري التفاعل معهم وفق العقد الأجتماعي الذي يحدد ما لهم وما عليهم ومن دون وصاية من اي حزب او فئة تحت ذرائع دينية او غيرها .

وفي محور آخر يضيف المطران جمو : ان السلطتين الدينية والدينيوية اي الزمنية لشعبنا الكلداني يمثلان جناحي الطير فإن فقد احدهما سوف لا يستطيع الطير من الطيران ومن الأنسياب والأنطلاق نحو الأعالي ، وانا اضيف هنا ان الجناحين ينبغي ان يتحركا بوقت واحد وبحركة متناغمة فالحركة ينبغي ان يسودها الأنسجام والتنسيق ، وإلا سيكون الخلل نصيب تلك الحركة ، إن السمفونية الكلدانية ستكون رائعة ومثيرة ومثمرة حينما تكون الجهود متناسقة .

كانت احاديث المطران سرهد جمو منتقاة فيها العبارات المتسمة بالأحترام والوقار للاخر وهو يعبر عن احترامه الكبير للمكونات الأخرى من السريان والآشوريين ، لكن بنفس الوقت على الآخر ان يحترم ويوقر إرادتنا وطموحاتنا في الحرية ، نريد ان نكون معهم شركاء أنداد وليس خدم او عبيد ، نحن نطمح الى العدالة والمساواة ولا نقبل بالتبعية والذيلية ، نقبل بكسرة خبر بكرامة وشرف ولا نقبل بالرفاهية التي تأتي نتيجة الخضوع والركوع .

 إلمطران سرهد جمو يحمل في قلبه هموم شعبه ، وهو يسافر ويقطع البراري والمحيطات لكي يقف الى جانب شعبه ، لا يشعر بالراحة حينما تهضم حقوق شعبه ، وهو مع التساؤل المشروع ، لماذا يبقى الشعب الكلداني الأصيل محروم من  حقوقه في وطنه العراقي ؟

 لماذا تفرض على هذا الشعب النبيل الوصاية ؟

 لماذا يمنع حقه في التعبير عن اسمه وقوميته ومآثره وتاريخه ؟

لماذا يسمح للجميع بفضاء كبير من الحرية ثم يجري حجب هذه الحرية عن هذا الشعب الأصيل ؟ تساؤلات مشروعة تدور حول مصير شعب هضمت حقوقه في وطنه .

 إن موقف المطران الجليل سرهد جمو ينبغي ان يكون قدوة ومثال رائع لكل الأساقفة الكلدان وبشكل خاص لغبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل دلي ، إلا ينبغي على هؤلاء جميعاً ان يقفوا مع شعبهم في محنته وان يحضروا مؤتمراته وان يساندوا نشاطاته وطموحاته في وطنه ؟

 لقد وقف الأساقفة الأجلاء مع شعبهم الكلداني وبقية مسيحيي العراق فيما تعرضوا له من عمليات إرهابية وعمليات تهجير وقتل وتفجير كنائس الى آخره ، لكن الأساقفة الأجلاء لا يقفون بشجاعة مع طموحات شعبهم الكلداني في حقوق المواطنة ، فحينما يكون للاخرين حقوق دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية وقومية في هذا الوطن فإن شعبنا الكلداني ينبغي ان ينال نفس القدر من الحقوق السياسية والقومية والدينية ، وكان ينبغي ان يقف الأساقفة الأجلاء مع شعبهم وحقوقه بشجاعة ، إن نيل الشعب الكلداني لحقوقه في وطنه هو نصر ومكسب لهم في نفس الوقت .  

 بماذا نفسر الموقف المتفرج لمؤسسة الكنيسة الكلدانية من تهميش حقوق شعبها الكلداني ؟

 اليست مؤسسة الكنيسة راعية لهذا الشعب ؟

فلماذا تبقى بعيدة عن طموحاته السياسية والقومية ؟

اعود الى المؤتمر الذي دار الحديث بجلساته باللغة الكلدانية ، وقد اعترض احد الأخوان في مقاله على إطلاق التسمية الكلدانية على اللغة ، وهو يعاتب بعض الكتاب الكلدان حينما اطلقوا على ابونا ابراهيم التسمية الكلدانية ، فإن كان الكتاب المقدس يشير بأن ابونا ابراهيم خرج من اور الكلدانيين ، فماذا ستكون لغة القوم الكلداني في مدينة اور اليس من المنطق ان تكون لغة القوم الكلداني كلدانية ؟ كما اليس من المنطق ان يكون ابونا ابراهيم ( بابان اوراها ) ، كما نقول في القوش ، اليس من المنطق ان يكون كلدانياً فهل نقول عنه انه عربي او كوردي او ارمني او باكستاني ؟ فلماذا الغضب من الأسم الكلداني ؟

ما قاله المطران سرهد جمو ان السريانية كانت في اورهاي ( اورفا ) ونصيبين ، وفي بلاد الرافدين كانت الآرامية الرافدينية او الكلدانية ، وهناك اشارات واضحة في كتاب ( الحُضرا) على الكلدان . وإن اللغة الكلدانية او الآرامية الرافدينية هي التي نتكلم بها ونفهمها جيداً وهي التي نتحدث بها في القوش وباطنايا وتللسقف وباقوفا وتلكيف وعنكاوا ومنكيش وكرملش وفيشخابور وغيرها من مدننا وقرانا الكلدانية والتي نتلكم بها ونفهمها جيداً دون معاناة ، فأين الخلل ان يكون الشعب الكلداني واسم لغته اللغة الكلدانية . كل المصادر الكنسية الكلدانية تشير الى اللغة الكلدانية والى الطقس الكلداني والى التاريخ الكلداني ، فلماذا هذه الحساسية المفرطة ؟

اقول لا يجوز ان يكون ممنوعاً علينا نحن الكلدانييين ان نعبر عن رأينا وان عبرنا بصراحة سرعان ما ينطلق سيل من الأتهامات انقسامي متآمر تقسيمي خائن .. الى آخره ، ليس هذا فحسب بل تروج ضدنا حملة شعواء وحرب نفسية بغية إثباط العزيمة ، وبشكل علني واضح تمارس تفرقة مذهبية وقومية إقصائية بحق شعبنا الكلداني ، بحيث لا تمنح لابنائه اية معونة اقتصادية او مركز وظيفي مالم يعلن الولاء لتلك الأحزاب التي تدعي الدفاع عن حقوق المسيحيين . إنه اسلوب مشين سلكه حزب البعث سابقاً بحق المواطن العراقي الذي يبحث عن وظيفة او لقمة العيش في وطنه .

اقول مخلصاً وأتساءل دائماً :

((( ماذا لو ان الأحزاب القومية الآشورية التي مسكت بيدها زمام امور المسيحيين في العراق بعد نيسان 2003 لو ان هذه الأحزاب تعاملت مع كل المكونات المسيحية بشفافية واحترام وتكافؤ وبمنأى عن منطق الأقصاء والصهر القومي .

 لا ازعم بل اجزم بأن وضعنا كان مختلفاً حيث كنا نشكل كتلة وطنية دينية قومية واحدة متراصة بحق وحقيقة ، وليس كما هو الحال اليوم حيث يجري لصق الأسماء التاريخية بشكل مشوه وهزيل وتعسفي لانتاج وحدة مزعومة مبنية على كسر العظم ولوي الأعناق ))).

 إن شعبنا الكلداني سيكافح من اجل تاريخه واسمه ولغته بشكل سلمي ولا يهمه إن كان البعض من مثقفيه او سياسيّه قد وضعوا مصالحهم الذاتية في المقام الأول . إن اوقات الضيق والشدة هي المحك الذي يميز الأصدقاء الأوفياء .

اعود الى المطران الجليل سرهد جمو الذي تكلم بعمق الفكر بعيداً عن المنزلقات السياسية ، انه خاطب الآخر بكل مودة واحترام رغم اختلافه معه ، وبقي متمسكاً بفكره حول محور حقوق شعب اصيل يتأثل الى ( بني اوراهم) ، لقد عرض سحر الحجة وهو يملك ثقة عالية بنفسه وبما يطرحه ، لم يكن مقلداً بل رائداً في دعوته ، لقد فتح نافذته الينا لينساب منها الضوء المنير ، واتمنى ان تقوم مؤسسة الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية  بواجبها الداعم لشعبها الكلداني في طموحاته الوطنية والقومية .

 حبيب تومي / اوسلو في 25 / 10 / 2011

 

 

You may also like...