المسيحيون وأحداث العراق الراهنة  

أسئلة كثيرة تتردَّد على شفاه العراقيين ولا سيما مسيحيي العراق منهم، تهفو إليها نفوسُهم وتتوق إليها قلوبُهم، تُرى، متى سيتوقَّف القتلُ في عراقنا؟ ومتى ستُقطع يدُ الإرهاب العابثة في مجرى حياتنا مُنغصةً عيشَنا وعلى مَدَيات النهار وآناء الليل ؟ متى ستُهزَم موجاتُ الغزاة العابرة للحدود، القادمة من بؤر التآمُر فيتطهَّر العراقُ برُمَّته مِن رِجسهم؟ اليست الأعوامُ الحادية عشرة منذ التغيير السياسي في عام 2003 وحتى اليوم الحافلة بكُلِّ أنواع الصراع الدامي الطائفي والمذهبي كافية لإشباع شراهة الطامعين بالسلطة؟ أليست هذه الحالة المُزرية التي شجَّعت شُذّاذ الآفاق المُغرَّر بهم للقدوم الى العراق بتأييد وتشجيع ودعم الجهات الإقليمية والدولية المعادية للعراق واستقراره؟ متى ستتدارك الأطرافُ المتصارعة على حُكم العراق عمقَ المأساة التي أوصلوا العراق إليها، فيعمدوا الى تصفية قلوبهم ونياتهم، فيجلسوا على طاولة المفاوضات ويصرحوا بأخطائهم التي اقترفوها بحق العراقيين أبناء شعبهم؟

متى ستُطبَّق الديمقراطية من قبل ماسكي زمام السلطة في العراق فعلياً وليس تشدُّقاً؟ متى ستتفتَّح أذهانُهم لتقبُّل مُختلف الآراء ووجهات النظر، لكي يسهل تداولُ السلطة طبيعياً بيسر وشفافية؟ أليست هذه المُمارسة مدخلاً ليعُمَّ الإزدهارُ بلدنا العزيز العراق، فينعم أبناؤه بالخير الوفير؟ لماذا يُحرَم أبناءُ العراق الثري من ثروته فلا يتمتعون بالرخاء والرفاهية، لكي لا يكون فيه فقيرٌ يصعب عليه العيش، أو مريض لا يستطيع الإستشفاء، أو مُهمَّشٌ يضطرُّ لهجر الوطن؟ إن هذا كُلَّه يتأتّى من انعدام العدالة الإجتماعية وبسبب ذلك يُفتَقد السلامُ في الوطن! إن للسلام أربعَ مُرتكزات هي الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية فأين من توفيرها أصحابُ السلطة في العراق؟

لماذا يُعاني العراقيُّ من نعمة الكهرباء وبلا انقطاع، ألا يستحق أن يعيش في دائرة النور بدل الظلام، ويهنأ باستخدام المياه بوفرة وبدون عناء، ولماذا تتكدَّس النفايات في أزقَّة العراق وساحاته؟ متى يتوفَّرُ الأمان لأطفال العراق ؟ متى يطمئنُّ الناس على سلامة أبنائهم في ذهابهم الى المدارس وإيابهم؟ إنها أسئلة آنية مشروعة وعادلة فهل مِن مُجيب؟ إننا نُناشدُ أصحاب الشأن العمل على تذليل هذه الصعوبات لتسود المحبة بينهم وبين الشعب، ويجب أن لا تقتصر المحبة على الكلام فستكون عديمة المفعول إن لم تُقرَن بالعمل والحق!

أليس أهمّ ما يرنو إليه العراقيون عودة الأمن الى ربوع بلدهم الجريح، متى يتوقف تهديدُهم وتشريدُهم وإجبارُهم على الفرار والنزوح ولا سيما الشريحة الأضعف بينهم المسيحيون الذين لا حول ولا قوة لهم للدفاع عن انفسهم؟ لماذا يَعبثُ بحياة المسيحيين مُقاتلون حمقى وحاملو سلاح مستهترون مواطنون كانوا أو وافدون؟ لماذا يجعلون من القتل قدراً للمسيحيين ومصيراً محتوماً، ألأنَّهم سكان العراق الأصليون فالى استئصال شأفتهم يسعون؟ المسيحيون لا يطلبون المستحيل ولا يطمعون بما ليس لهم حقٌّ به، وإنما يحلمون بالأمان في وطنهم، وبعمل يُبعِد العوز عنهم، وبحبٍّ يتبادلونه مع شركائهم في الوطن، فهل إنَّ ما يسعون إليه ليس من صميم حقِّهم؟

إن المسيحيين في الشرق الأوسط ولا سيما في العراق وسوريا هم ضحية النزاع القائم في عالَمِنا الراهن، حيث هناك نزعتان أو قوَّتان تلعبان لعبةً قذرة بمصيرهم في محيطهم الشرق أوسطي، الأولى قوة دينية مُسيَّرة تُريد فرض إرادتها ودينها عليهم بقوة السلاح أو طردهم من ديارهم الأصلية، والثانية قوة العولمة أي نزعة الأنظمة الإلحادية التي تُقصي الله وتُشرِّع ما تُريد سَعياً الى بسط هيمنتها على البشرية وفرض برنامجها الإلحادي عليها، وفي الواقع فإنَّ كلتيهما نزعتان شريرتان تعملان على استمرار دوّامة العنف والقتل والتخريب، بينما العالَم بحاجة الى تعزيز ثقافة العدل واحترام الكرامة الإنسانية واستتباب السلام ولكن فلتعلم القوتان الغاشمتان بأن رجاء المسيحيين بالمسيح قويٌّ ومتجدِّد، وهو وحده سيبقى ملاذهم ومنقذهم في الأوقات العصيبة، وسيواصلون قبول التحديات بصبر وايمان، ممتلئين من سلام المسيح الذي يمدُّهم بالثبات والشجاعة لمجابهة المظالم والمُلِمّات.

كلمة أخيرة أوجهها الى الشعب العراقي بكُل فئاته، إن وطنكم مُعرَّض للتقسيم وما أنضج عملية التقسيم هي صراعاتكم الطائفية والمذهبية التي لم تضعوا حداً لها، فالشيعة بعنادهم واستئثارهم بالسلطة أغضبوا السنة فلجأوا الى السلاح ومحاربة الشيعة، وتلكؤ السلطة المركزية ومماطلتها بتسوية المناطق المتنازع عليها بينها وبين اكراد كردستان عمَّق هوَّة النزاع بين الجانبين الى حدِّ اختمار فكرة الإستقلال لدى الأكراد، وقد يتم إعلان ذلك بين لحظةٍ واخرى. فيا رجال العراق الأوفياء للوطن العراق! اين ايمانكم بأرض العراق؟ وأين عهدكم بالحفاظ عليها؟ إنَّها محنة غير مسبوقة بل مؤامرة مُعَدة سلفاً. هبوا للتصدّي لها بكُل وسيلة ومهما كان الثمن، فليس هناك أغلى من الوطن! وقد أفرز التاريخ أمثلة بهذا الصدد، بأنَّ الشعب المخلص لتراب وطنه هو المنتصر في النهاية!

د. كوركيس مردو
في 24 / 6 / 2014

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *