المسيحيون في سورية قلقون على مستقبلهم

 

كنيسة متضررة من القصف في حمص.

أمل شموني

منذ 21 شهرا، نشبت احتجاجات في سورية مطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، ما لبثت أن تحولت إلى نزاع مسلح عنيف ودامٍ، بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر المعارض، مما أدى إلى مقتل أكثر من 43 ألف شخص، حسب آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي خضم هذا الصراع، تعالت الأصوات محذرة من وضع الأقليات، لاسيما الأقليات المسيحية.

وكتب أكرم البني في صحيفة الشرق الأوسط أن “الحديث عن الأقليات في سورية يعني الحديث عن مخاوفهم من الثورة سواء من الفوضى المحتملة المرافقة عادة لعمليات التغيير ولتراجع الدولة، أو من ناحية خطر وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم”.

وأشار البني في مقاله إلى أن هذه المخاوف نابعة من الخشية من فرض أسلوب حياة وثقافة على المجتمع، الأمر الذي سيهدد “هوية هذه الأقليات وحقوقها وطرق عيشها”.

خوف من تطبيق الشريعة الإسلامية

وقال رئيس مؤسسة الأراضي المقدسة المسيحية المسكونية راتب ربيع، وهي مؤسسة دولية تعنى بالدفاع عن مصالح المسيحيين المشرقيين، إن المشكلة في سورية أنه “أصبح غير معروف من الذي يؤذي المسيحيين”. وأضاف لـ”راديو سوا” “نحن نعتقد أن عناصر المعارضة هم الذين يتعرضون للمسيحيين. لأنهم ليسوا جميعا سوريين، هناك مرتزقة وعناصر من القاعدة وإسلاميين أتوا بعد الربيع العربي. حتى أن بعضهم يدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حلب مثلا. في المقابل، لم يعد النظام مهتما بالأقليات، لأن اهتمامه يتركز على البقاء في الحكم”.

ومع الانفلات الأمني، فإن كل من هو داخل الصراع يسعى لحماية مكتسباته، ولأن المسيحيين هم أقلية غير مسلحة، “لذا لا يوجد جهة تسعى لحماية مصالحهم”، حسب ربيع، مردفا “المسيحيون ليسوا موجودين على خريطة أي من اللاعبين الدوليين أو الاقليميين أو المحليين المشاركين في الصراع السوري”.

في هذا الإطار، قال رئيس طائفة الأرمن الكاثوليك في سورية المونسيور أنترانيك أيفازيان، لموقع “راديو سوا”، “إن أكثر من 400 ألف مسيحي غادروا البلاد”، مشيرا إلى أنه تهجّر من حمص وحدها “ما لا يقل عن 164 ألف مسيحي، كما ترك حلب عشرات الآلاف من المسيحيين إلى لبنان ودول أوروبية مختلفة”.

وأضاف “دير الزور وراس العين لم يعد فيها مسيحيون، الدرباسية تقريبا فِضْيَت، أما في مدينتي القامشلي والحسكة فالهجرة على قدم وساق. فقدنا الأمل والأمان”.

تحذير من تهجير المسيحيين

وبدوره، حذر مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس جورج صليبا، وهو سوري من منطقة الجزيرة، من أن يصبح وضع المسيحيين في سورية كما هو وضعهم في العراق، وقال “وضع المسيحيين في العراق أسوأ ما يكون. الكثير منهم تهجّروا ولم يعودوا إلى اليوم”، وذلك في إشارة إلى الحرب في العراق بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين والأعمال الطائفية اللاحقة التي دفعت إلى هجرة المسيحيين.

غير أن رئيس المجلس الوطني السوري المعارض جورج صبرا، قال “ليس هناك سبب أو مبرر لطرح مثل هذا التساؤل على الإطلاق. المسيحيون في سورية من أصل البلاد. يجب أن لا ينسى أحد أنه أول كنيسة بناها مسيحي في تاريخ الكنيسة كانت في دمشق وما أجراسها تقرع منذ 2000 عام وحتى الآن”.

من ناحيته، قال قائد قوات حلب في جيش السوري الحر وعضو هيئة القوى الثورية المعارضة العقيد عبد الجبار العكيدي “نحن ليس لدينا أبدا مشكلة مع الأقليات. يريدون أن يروجوا للحرب على أنها حرب طائفية، وهذا غير صحيح”، مشددا على أن “حربنا هي حرب شعب مظلوم ضد نظام ظالم”.

وأضاف العكيدي “يجب أن لا ننسى أن الذين يحاربون مع جيش النظام منهم من هو مسلم سني ومسيحي وشيعي وعلوي..”، لافتا إلى أن غالبية الجيش السوري النظامي هم من المسلمين السنة، وتساءل “كيف تكون حربنا طائفية ونحن مسلمون سنة في الجيش الحر نحارب مسلمين سنة في الجيش النظامي؟ وبالتالي هذا الكلام مغلوط وعار عن الصحة”.

غير أن أيفازيان قال “أنا متأكد أن بين الثوار من يريدون الأفضل لسورية ولكن الحرية والديموقراطية ليست في خطف الناس وذبحهم وقتلهم”، مضيفا “هذا الأب فادي حداد قطعوا رأسه”.

والأب فادي حداد هو كاهن كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في مدينة قطنا، وقد عثر على جثته في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في ريف دمشق بعدما خطفه مسلحون مجهولون، حسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.

المسيحيون مكوّن أساسي

“والمسيحيون هم مكوّن من مكونات الشعب السوري وما يجري على الشعب السوري يجري عليهم بشكل عام”، قال العكيدي، مضيفا أن قسما كبيرا من المسيحيين هم من مؤيدي الثورة ولكنهم غير مسلحين وغير مشاركين مع الجيش الحر “إلا في لواء واحد في ريف دمشق هو لواء السيد المسيح وفي كتيبة في مدينة حلب”.

لكن المخاوف التي لفت إليها أكرم البني في مقالته، أكدها أيفازيان قائلا “إن العديد من الكنائس تعرضت للاعتداءات، والثوار يتهمون الدولة بها. ولكن قبل الصراع في سورية كان هناك تسامح ديني وحريات دينية. الآن ليس لدينا كل ذلك”.

وأضاف “وضع المسيحيين أيام النظام كان أفضل من اليوم. وقد يكون اليوم أفضل من الغد. لا نعرف ماذا يخبئ الغد لنا. لقد أصبحنا نخاف أن نغادر منازلنا”.

كما اتهم صليبا قوى المعارضة في سورية بـ”خطف المسيحيين ليس لأنهم مع النظام بل لابتزازهم وسرقته وترهيبهم”.

ولا يخفي صليبا أن المسلمين السوريين تعرضوا لعمليات ابتزاز مماثلة أيضا، غير أنه أكد أن المسيحيين مستهدفون بشكل خاص.

“سورية الدستورية ضمانة للجميع”

وفي المقابل، نفى صبرا وجود هذه المخاوف، وقال لـ”راديو سوا” “إن الثورة السورية هي ثورة لجميع السوريين: هناك من انخرط فيها منذ اليوم الأول، والذي انخرط فيها لاحقا، والذي تردد والذي بقي في بيته. هي ثورة لمستقبل سورية الذي سيكون للجميع”، مؤكدا أن سورية الجديدة ستبنى بقوى الثورة وستكون لكل السوريين.

وأشار صبرا إلى أن “سورية الدستورية وسورية سيادة القانون هي ضمانة للأكثرية وللأقليات، للمسلمين وللمسيحيين وللدروز وللأكراد ولجميع مكونات الشعب السوري أفرادا وجماعات”.

“نحن غساسنة”

ويبلغ عدد المسيحيين في سورية، حسب الإحصاءات الرسمية التي جرت عام 2002، نحو مليون و350 ألف شخص، وهم مكوّن أساسي من مكونات المجتمع السوري.

“التاريخ يشهد كيف أن المسيحيين شاركوا في ثورة الاستقلال عن فرنسا”، هذا ما قاله القيادي السوري في تجمع 15 آذار من أجل الديموقراطية في سورية المعارض سليم العوابدة، وهو مسيحي من حوران، مضيفا “نحن غساسنة، نحن أصل سورية، لسنا طارئين على البلد”.

وأضاف العوابدة “أتفهم مخاوف الناس. وخلال الثورات والحراك السياسي تحصل تحركات سلبية. لكننا لا نرى هجرة مسيحية عارمة من سورية”.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *