اللف والدوران لا يجديان

 

 

ما يمر به البعض من أبناء شعبنا المسيحي العراقي في هذا الزمان هو تيه ما بعده تيه، وكلمة تيه هذه كلمة معبرة ورشيقة، فما أن تذكر أمامي حتى يتبادر إلى مخيلتي، صورة عقلية، وصفا لشخص ما يحاول أن يصعد إلى قمة جبل، وبدلا من أن يتسلقهّ، فإنه يدور ويلف حوله، هو يعلم تماما إن حركة الدوران لن ينتج عنها صعوده لأعلى، هو يعلم في الوقت ذاته إن أسهل وأقصر الطرق التي تؤدي لوصوله قمة الجبل، هو أن يبدأ في تسلقه، ومع ذلك لا يريد أن يتسلق ويصر على أن يدور ويدور، فالدوران واللف بسيط وسهل، وما أشد وأشق الصعود، ولذلك هو مرة يوجه وجهه نحو المشرق، ويظل يلف ويدور، ثم تعود إليه بعد فترة، تجده ما يزال يراوح مكانه ولم يصعد خطوة واحدة، فإن سألته، لماذا لا تبدأ بالتسلق بدلا من اللف والدوران؟ أجابك أنه رأى فلانا يدور ويلف في حلقات دائرية في اتجاه الشروق وقد تمكن من الوصول إلى قمة الجبل، جوابك له ولكنك لست فلانا،، فلان هذا تكوينه الذي يميزه يمكنه من القيام بالحركة الدائرية وفي الوقت ذاته ينتج عن دورانه صعوده لأعلى، تراه وقد نظر إليك في استغراب ودهشة وكأنك قد أتيت من كوكب أخر وتتحدث لغة لا يفهمها، ويواصل دورانه،، تتركه يعاود اللف والدوران، ولكن هذه المرة وقد وجه وجهه نحو المغرب، ويظل يلف ويدور، ثم تأتي بعد فترة، تجده ما يزال يراوح في مكانه لم يصعد خطوة واحدة، تعيد عليه السؤال،، أليس من الأفضل لك أن تتسلق إلى قمة الجبل؟ يرد عليك قائلا،، ولكنني رأيت فلانا وهو يدور باتجاه الغروب وقد تمكن من الصعود والوصول، تخاطبه ولكنك لست فلانا ،، فلان هذا يختلف عنك ولقد مارس أسلوب اللف والدوران بطريقته الخاصة التي تؤهله للصعود، وقف ينظر إليك في انفعال وغضب ثم يعاود إلى إكمال دورانه.

منذ سنوات وفيما احتار البعض من أبناء شعبنا  المسيحي العراقي في هذا التيه على ارض الواقع، ولمن لا يعرف معنى التيه: هو نوع من الضلال، هو التحير والتخبط، يعرف فيه الشخص كيف السبيل للخروج من المأزق المأزوم، بل وتحويل مشكل الاختلاف مع الآخر إلى حوار واتفاق، أي تقبل الآخر كما هو في مجتمعنا المسيحي العراقي بكل ما هو مفيد وضروري لتأسيس مستقبلنا وبناء الأجيال القادمة، ولكنه يصر على أن يتبع كل طريقة أخرى غير هذا الطريق، كل طريقة لا تتعبه فكريا أو جسديا ولا يبذل فيها مجهود، طريقة سلبية لا تكلفه سوى الرغبة في تقليد الآخرين، لأنه لا يريد أن يبدع، لا يريد أن يبذل مجهود، لا يريد أن يضحي، هو فقط يريد أن يقلد ويخفي خيبته ويبرره حيلة للتقليد. وما أكثر ما مررنا بهذه المواقف في حياتنا وتهنا فيها،، عرفنا فيها خطوات الخروج من مأزقنا، ونستطيع ان نضع أقدمنا على أول طريق، ولكننا لم يكن لدينا الإرادة القوية لاتخاذ أول خطوة نحو الصعود بدلا من اللف والدوران، لأننا عرفنا ما الذي سيتبعها من بذل جهد وتضحية وعزيمة، لذلك فقد درنا حول المشكلة ولم نحاول حلها، رغم أننا نعرف أين يكمن الحل.

الطالب الذي يعرف تماما أن الطريق إلى نجاحه في دراسته وانجاز فروضه المدرسية، هو في تركه اللعب والبعد عن مصاحبة الكسالى الفاشلين، ومع ذلك يصر على أن ليس هذا هو السبب، تراه طالبا يلعب طول سنة الدراسة وأخر الشهر يدرس قليلا، وإذا سألته،، لم يفعل ذلك!! أجابك أن فلانا الذي اعرفه لا يدرس إلا في آخر أسبوع ومع ذلك ينجح في الامتحان، فإن قلت له لكنك لست فلانا،، الطالب الفلاني بإمكانه بما وهبه الله من عقل ومقدرة على أن ينجح إذا ما درس لمدة أسبوع واحد،، نظر إليك باستغراب ودهشة، وكأنك تتفوه بكلام غير منطقي لا معنى له، هذا الطالب في تيه.

ونحن في بحثنا عن الحقيقة وبأسلوب الديموقراطية عن حلنا لمشكلتنا وإيجاد سبيل لارتقائنا، نحن أيضا نعيش في تيه، نحن نعرف تماما أن الحل في أن نعود إلى جذورنا وأصولنا التي توارثنها عبر الأجيال تاريخا شفويا عن الإباء والأجداد، وأن نتمسك بها، لأن الذي يفقد جذوره يكون كالشجرة التي تقلع من جذورها فتذبل وتموت، أنه قد أن الأوان للتخلي عن الأوهام، واعتماد الواقعية، والكف عن التشكيك بجذورنا، الحقيقة التي لا تخفى على أحد أبدا، ولكي نعلم تماما ما الذي يعنيه الاعتراف بالأخر، بأن هذا هو الحل، نعرف تماما إنها ليست كلمة نقولها، انه ليس أمرا سهلا بل يحتاج إلى بذل جهد وتضحية وتذليل الصعاب، لكن البعض اختار الطريق السهل في سوق المتاجرات السياسية التي لا يتوانى عن استعمال أساليب اللف والدوران،، طريق التيه.

 

2 أيلول 2010

 

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *