الكورد في سوريا والتحديات

من المؤكد بأن المجتمعات الحرّة هي التي يجب ان تبني مؤسّساتها السياسية والفكرية والاقتصادية بحوافز ومبادرات مواطنيها.‏ وعلى الإدارات الحكومية والدولة أن ترعى هذه المبادرات ، وتستثمرها لحماية المصالح العليا للدولة، وصون الحقوق والهوية الخاصة بشعوبها .

مع بدء الثورة السورية، وخلال الأيام الأولى، انضمت الكيانات السياسية الكوردية السرية التي تعمل في سوريا بالخفاء إلى هذه الثورة واعتبروها ملاذاً للخلاص بعد عقود طويلة من الظلم الذي لحق بهم ، بسبب الاضطهاد القومي الذي كان يمارس ضدهم من الشوفينيين الذين حكموا البلاد لفترات طويلة، وبعيدا عن المبالغة فان مطالب كورد سوريا ليست الا مطالب حقة لأي قوم او مجموعة عاشت مضطهدة في ظل نظام حكم شوفيني لا يعترف بالاخر حيث كانت جملة مطالبهم ، الحرية والديمقراطية والاعتراف بحقوق الكورد وتثبيتها في الدستور السوري، وحق تقرير مصير للشعب الكوردي في سوريا ، كما في كوردستان العراق. في عودتنا الى بدايات القرن العشرين والتي تم تقسيم كوردستان بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى بريطانيا وفرنسا، لترسم في اتفاقية سايكس بيكو عام1916 خارطة جديدة للشرق الأوسط، وجرى بموجبها اقتسام تركة الدولة العثمانية وإنشاء دول جديدة مثل العراق وسورية ولبنان و الأردن. وهكذا صار الشعب الكوردي الموزع بين هذه الدول، من أكبر الشعوب التي بقيت إلى الآن محرومة من كافة حقوقها القومية وبدون كيان جغرافي مسجل ضمن حدود في الامم المتحدة أي لا تمتلك دولة، ويتم أحيانا إنكار وجودها وطمس ثقافتها في اغلب بلدان تواجدها ، ومن بينهم سوريا حيث .يبلغ تعداد الكورد في سوريا ربما اكثر من 2.5 مليون نسمة ، أي مايقارب (11% من مجموع سكان سوريا). يعيش معظمهم في شمال شرقي البلاد وخاصة في مدينة الحسكة والقامشلي وديريك بالإضافة إلى تواجدهم بأعداد أقل في مناطق أخرى من سوريا مثل مناطق عفرين وكوباني (عين العرب) بمحافظة حلب وغيرها من المناطق. وان نظام الحكم في سوريا شوفيني دكتاتوري، يمنع تشكيل احزاب ومؤسسات مدنية فيها، وهذا ديدن الانظمة الدكتاتورية احادية الحكم. ان التحدّيات الكبيرة للكورد في سوريا ، تحول بينها وبين الأهداف القومية، وغالباً ما يستخدم النظام في سوريا العقد البنيوية الداخلية ليصل إلى غاياته، ومصالحه بخلخلة الإرادة القومية للكورد وتشتّتها.‏ وان التصدي لهذه التحديات لا يكون ناجحاً إلا بمعالجة الصعوبات والتغلّب عليها، ببناء اللُحمة القومية على ركائز سليمة، وأسس متينة، تتناول حياة المجتمع المادية والروحية، وبنيانها ، والانتماء إلى الإنسان والحضارة بجذور تاريخية واضحة، وهوية ذات خصوصية.‏

في الختام إن ما نريده للمعارضة السورية بصورة عامة هو النجاح في بناء دولة مدنية عصرية مستقلة بعيدة عن الهيمنة أو السيطرة الإقليمية أو الدولية ونريد للمجتمع السوري بمختلف مكوناته العربية والكوردية والمسيحية ان يحقق ما يصبوا اليه من استقلالية ذاتية ضمن حكم ديمقراطي .. وعلى سوريا المستقبل ان تتمكن من بناء وتاسيس مجتمع مدني غير متطرف يحافظ على جميع مكوناته بدستور دائم يعطي شرعية للدولة السورية وحق المكونات المتعايشة.

 

بقلم لؤي فرنسيس

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *