الكوتة المسيحية والتدخـلات الجانبية

منذ عام 1992 تم تخصيص ولأول مرة في العراق خمسة مقاعد ككوتة للمسيحيين في أول إنتخابات شهدها إقليم كوردستان، حيث كانت الجبهة الكوردستانية المتكونة من الأحزاب الكوردستانية الموجودة في الساحة عام 1991 قد قررت حينذاك تخصيص خمس مقاعد للمسيحيين في المجلس الوطني الكوردستاني (برلمان كوردستان) وفي المرحلة قبل الأخيرة لبرلمان الإقليم تم تخصيص مقعد آخر للأرمن. كانت هذه المقاعد التي خصصت للمكونات المسيحية عامة في الإقليم إلتفاتة كريمة من الإخوة في قيادات الأحزاب الكوردية تستحق الثناء، لكونها البادرة الأولى من نوعها ليس على مستوى الإقليم فقط بل على مستوى العراق عامة وسارت الأمور على هذا المنوال في اقليم كوردستان ومازالت.

ولدى صياغة قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي وإقرار نظام القائمة المفتوحة وتقسيم العراق الى (18) ثمانية عشر دائرة إنتخابية بعد أن كان العراق كله وبجميع محافظاته دائرة إنتخابية واحدة مما فقد الأمل في فوز أي مسيحي في الإنتخابات ففكرنا بالكوتة المسيحية ووجعل العراق وبلدان المهجر دائرة إنتخابية واحدة وأفلحنا في التوصل الى تفاهم مع زميلنا المسيحي الآخر في مجلس النواب في هذا المجال لذا قمنا معا أي النائبان (ابلحد افرام ويونادم كنا) بالإتفاق بتقديم طلب الى اللجنة القانونية لتخصيص كوتة للمكونات المسيحية عامة تتناسب مع تعدادهم لعام 1987 البالغ وفق بيانات وزارة التخطيط 1350000 مليون وثلاثمائة وخمسين ألف نسمة وحاولا إقناع الكتل السياسية من أجل الحصول على موافقتها غير ان الكتل السياسية واللجنة القانونية في البرلمان ومع الأسف الشديد لم توافق على العدد الذي طلبناه وإنما وافقت على اقل من نصف إستحقاق المسيحيين العراقيين قانونيا ودستوريا بضمنهم مسيحيي كوردستان وكأننا كنا نطلب صدقة منها أو جزءا من حصصها فلم توافق إلا على (5) مقاعد حصرا كما في كوردستان، وبذلك صادرت الكتل السياسية العراقية حق المكونات المسيحية في تمثيلها تمثيلا صحيحا وعادلا في البرلمان العراقي بالإستناد على عددهم المثبت في وزارة التخطيط مع وأهملت نسبة النمو السكاني للمسيحيين العراقيين بعكس المكونات العراقية الأخرى التي رفعت من عدد ممثليها في البرلمان العراقي تباعا وفي كل دورة إنتخابية إستنادا الى عامل النمو السكاني لتحقيق مصالحها، وكأن المكون المسيحي كان قد توقف لديه النمو السكاني وفرض رأي الكتل السياسية الكبرى وبذلك أغتصب حق المكون المسيحي في التمثيل الذي يستحقه في مجلس النواب جورا علما بأن تعداد المسيحيين العراقيين في الداخل والخارج يقدر حاليا بما لا يقل عن مليونين وهذا يعني إستحقاقهم أكثر من (15) مقعدا برلمانيا وفق الدستور.

لذا نقولها بصراحة بإن الكتل السياسية في مجلس النواب العراقي تكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي تعطي حق زيادة عدد المقاعد البرلمانية لنفسها في كل دورة للعامل الذي ذكرناه أعلاه، تحرم المكون المسيحي من هذا الحق الدستوري أي تخصيص مقعد لكل مائة ألف فرد منه، رغم كونه المكون العراقي الأعرق والأقدم بين سكان بلاد الرافدين لكون هؤلاء أحفاد الرافدينيين القدماء كما سماهم المؤرخون وهذه في الحقيقة مخالفة دستورية صريحة يجب إثارتها والمطالبة بتطبيقها بجدية وإصرارفي الدورة المقبلة.

ورغم ذلك ليس هذا بيت القصيد في موضوعنا هذا، بل المقصود في ما نريد التعبير عنه علنا هو أن هذه المقاعد المخصصة ككوتة للمكون المسيحي لا تسلم من عبث الأحزاب والكتل الكبيرة على مستوى العراق الإتحادي عامة. إذ تقوم هذه الأحزاب والكتل والكيانات بالتدخل الصريح والعلني في إنتخاب ممثلي الكوتة المسيحية من خلال ترشيح مؤازريها أو أعضائها من المسيحيين ودعمه بشتى الوسائل ماديا ومعنويا وبالأصوت لتستولي على مقاعد الكوتة المسيحية، حيث تكلف إما وحدات عسكرية وقوى الأمن التي تلتزم بتوجيهات قادتها للتصويت لصالح مؤازريها من خلال توجيه بعض أعضائها أو مؤازريها من غير المسيحيين للتصويت للمرشح المسيحي ضمن الكوتة المسيحية ممن تريد فوزه، وحتما يفوز بعد دعمه بشتى الوسائل فيحسب هذا المقعد من المقاعد الخاصة بالجهة الداعمة رغم خصوصيته. هذا التدخل في الحقيقة يحرم المسيحيين من حق إختيار مرشحيهم الحقيقيين إضافة الى تشويه وجود الكوتة نفسها وإختزال معناها والهدف من تخصيصها ليس فقط من خلال دعم مؤازريها في هذه القائمة أو تلك وإنما من خلال تاسيسها قوائم إنتخابية من بين أعضائها المسيحيين لعلها تقتنص بعضا من مقاعد من الكوتة المسيحية الخمسة اليتيمة وهذا ما لجأت اليه الكتل والأحزاب الكبيرة في الإنتخابات الحالية أي في هذه الدورة الإنتخابية لبرلمان العراق الإتحادي، وهذا النهج بدأ يطبق بشكل واضح وعلني ليس في إقليم كوردستان فقط وإنما على مستوى العراق عامة، وبذلك أفرغت الكوتة المسيحية من معناها وأغتصبت خصوصيتها فنسفت الأسس والمباديء الديمقراطية وحرم المكون المسيحي من حقه في إنتخاب مرشحيه الحقيقيين ومن الطبيعي من لا ينتخب من قبل المكون أي مكون كان لا يعتبر ممثلا عنه في هذه الحالة لأن ذلك لا يأتي من خلال إئتلاف أو تحالف سياسي بين كيان مسيحي وكيان آخر كي يكون له الشرعية المطلوبة.

عليه نناشد جميع الكيانات بالكف عن هذه الممارسات المرفوضة وتطبيق العدالة وأن تدع المكون المسيحي وشأنه ينتخب مرشحيه بكامل إرادته ومن الضروري جدا إصدار قوانين وتعليمات تمنع الكيانات والأحزاب الكبيرة التي لا علاقة لها بالأمرمن التدخل في إنتخابات مقاعد الكوتة المسيحية وبإمكان المفوضية العليا للإنتخابات تبني أو إتباع إجراءات أخرى تحد من التدخلات في إنتخابات الكوتة المسيحية من خلال منعها من تشكيل قوائم إنتخابية تابعة لها تنافس الأحزاب المسيحية على الكوتة الخاصة بها.

لذا نناشد السادة الموقرين في قيادات الكتل والأحزاب الكبيرة السماح للمكون المسيحي لينتخب من يمثله بحق وعندئذ تتحقق الغاية المرجوة من إيجاد الكوتة، سيما وإن المكون المسيحي أينما كان ويكون سواء في الإقليم أو في المناطق العراقية الأخرى يحرص على الوطنية والمحبة والألفة والتعامل الأخوي والتعايش السلمي مع الجميع ولا يناويء أي طرف، وأي مسيحي من الكيانات السياسية المسيحية يفوز في الإنتخابات ليس من الممكن أن يصبح عدوا أو ندا لأي مكون آخرفي البرلمان مهما كان دينه أو إنتماؤه القومي.

عليه نهيب بالإخوة في المفوضية العليا للإنتخابات لا بل بأعضاء بعثة المنظمة الدولية الإلتفات إلى هذا الموضوع الحساس والذي يصادر حقوق أصحاب الحق في الكوتة، وهناك طرق أخرى لا تغيب عن بال الأحزاب والكتل الكبيرة في البرلمان لكسب ود وتحالف ممثلي الكوتة وبطرق شرعية وقانونية دون اللجوء الى الطرق الملتوية ومصادرة حق المكونات المسيحية في إنتخاب ممثليها كدعوتها الى التحالف معها وفق أسس يتفق عليها بين الطرفين تحت قبة البرلمان ونلفت انظار الفائزين من المسيحيين في هذه الدورة لإيجاد صيغة قانونية لإيقاف هذه التدخلات.

 

بقلم: أبلحد أفرام

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *