الكنيسة الكلدانية ونهضة الكلدان – القسم الثاني والأخير من البحث المقدم الى مؤتمر النهضة الكلدانية المنعقد في ” سان دييغو ” للفترة من 30/3-1/4/201

 

الفصل الثاني

 

1 –  الكنيسة الكلدانية والحكم الوطني

بعد عودة الأستقلال والحكم الوطني ثانية للعراق بعد الحرب العالمية الأولى

 عام 1921 , برز دور الكنيسة الكلدانية متمثلا برئاستها الدينية وبشخص

 البطريرك الكلداني مار يوسف عمانوئيل الثاني توما (1900 – 1947 )

الذي كان له الدور الأساسي في تثبيت أستقلال العراق , وأكتمال سيادته,

وكان لدوره المؤثر في قضية لواء الموصل التي أصرّت الحكومة التركية

بالأحتفاظ به أسوة بلواء الأسكندرونة السوري , وكان للخطاب الذي ألقاه

بالفرنسية المطران يوسف غنيمة , نائب البطريرك الكلداني في الوفد الذي

قدم الى الموصل لتقصّي الحقائق , وبيّن فيه بوضوح رغبة أهالي لواء

الموصل والذي كان للمسيحيين آنذاك ثقلهم العددي بالبقاء ضمن العراق

الحديث الأستقلال ومع الحكم الوطني , أضافة الى رسالة البطريرك مار

يوسف عمانوئيل الثاني الى عصبة الأمم في جنيف الذي أكّد فيها أن

المسيحيين يؤيدون الحكم الوطني في العراق, وتبعتها زيارة الملك فيصل

الأول للواء الموصل تلبية لدعوة البطريرك عام 1931 , كل ذلك كانت سببا

رئيسيا في بقاء لواء الموصل ضمن العراق , وأدى ذلك الى بروز دور

المسيحيين والكنيسة الكلدانية القوي , وكان من نتيجة هذه العلاقة الجيدة

بين الكنيسة الكلدانية والحكومة العراقية الفتيّة , أن تم تضمين فقرة في

الدستور العراقي الجديد بتخصيص نسبة  5% من مقاعد المجلس النيابي

للمسيحيين  كما تضمنت أيضا تعيين بطريرك الكلدان عضوا دائما في

مجلس الأعيان , وكان الحال هكذا حتى سقوط الملكية وتأسيس النظام

الجمهوري .

 

2  –  الكلدان بعد الأحتلال الأمريكي

        ودور الكنيسة الكلدانية

 

أستبشرت الكنيسة الكلدانية بالأمل والرجاء بعد الأحتلال الأمريكي للعراق

في 2003 معتمدة على ما كانت أمريكا تقدمه من أسباب أصرارها على

الحرب ضد العراق , وهي الحرية والديمقراطية للشعب , ولكن ظهرت أولى

بوادرالقفز على الحقوق وتجاوزها بتخطيط مُسبَق , وظهر ذلك جليّا في

تعيين أعضاء مجلس الحكم , حين تمّ تعيين ممثل المسيحيين في هذا

المجلس من غير الكلدان الذين يمثّلون أكثر من 80% من المسيحيين في

العراق, أنتفضت الكنيسة الكلدانية وحاولت تصحيح هذا الخطأ غير أن

أصرار الحاكم الأمريكي بريمر ( الغريب ) حال دون وضع الأمور في

نصابها. ومن هنا ظهرت بوادر المؤامرة على ا  لكلدان في تهميشهم , أن

كانت من قبل الأحتلال الأمريكي بشخص بريمر أو من قبل الكتل السياسية

الطائفية والمذهبية التي ظهرت وكأنها متّفقة على تهميش المسيحيين

بشخص الكلدان , وأستمرت مؤامرة اهمال الشريحة المهمة في المجتمع

العراقي بأتفاق الكتل الكبيرة الثلاث على ألغاء الفقرة (50) من قانون

الأنتخابات , وما تبعها من توجيه نتائج الأنتخابات التي جرت , نحو

الوجهة التي تخدم مصالح الكتل الثلاث ( الشيعية والسنية والكردية ) سواء

التي جرت لأنتخاب مجالس المحافظات والبلديات أو الأنتخابات النيابية ,

ففي الوقت الذي كان للمسيحيين في العهد الملكي ( 5 ) مقاعد في البرل   

ان الذي كان عدد نوابه ( 100 ) بقيت كما هي في حين أن عدد نواب

المجلس أرتفع الى ( 325 ) !! وهذه الخمسة أيضا منحت للأحزاب الآثورية

التي تمثل أقل من 10% من نسبة المسيحيين , وحرم الكلدان الذين يمثلون

أكثر من 80% من المسيحيين !! فضلا عن محاولات الأخوة الأكراد بألغاء

التسمية القومية الكلدانية ومحاولاتهم بدمجها مع تسميات أخرى ,

وضغوطهم المستمرة على الأحزاب والمنظمات والشخصيات الكلدانية سواء

بالترهيب أو الأغراءات المادية  في سبيل التخلي عن تسميتهم القومية ,

ومنها المحاولة التي جرت في تعديل التسمية القومية الكلدانية في دستور

أقليم كردستان العراق الى التسمية ا  لقطارية !! .

 

3 – دور الكنيسة المشرف في الدفاع عن الكلدان

 

كانت الكنيسة الكلدانية ولا سيّما بعد عهد الأستقلال الثاني وتأسيس الدولة

العراقية الحديثة عام 1921 ودورها الوطني المساند لحقوق الشعب

العراقي الوطنية ومنها حقوق أبنائها الكلدان بصورة خاصة والمسيحيين

في العراق بصورة عامة , وكان ذلك ظاهرا بالعلاقة الصميمية بين الأمة

الكلدانية وكنيستهم الوطنية , وكلاهما يعتبران العراق وطنهم الأصيل

والوحيد , لذلك كان يجب على الكنيسة تحت أيّ ظرف كان , عدم التنصّل

عن مهمتها في الدفاع عن مصالح أبنائها القومية , لأنها واجِهَتهم الرئيسية

لأفتقار الكلدان لأحزاب سياسية كالأخوة الآثوريين , سيّما وأن النظام الذي

تأسس ما بعد 2003 , تأسس على قواعد طائفية – دينية – مذهبية .

ولذلك فأن الكنيسة قامت بخطوات مهمة في سبيل الدفاع عن أبنائها لعلّ

أهمها :-

 

أ –  كان أول دور مٌشَرِف لرئاستنا الكنسية الموقرة والآباء الأساقفة الأجلاء

هو الرسالة التي رُفعت الى الحاكم الأمريكي بريمر بتوقيع كافة الآباء

الأساقفة الأجلاء حول تصحيح الخطأ الذي أرتكبه بتعيين العضو المسيحي

في مجلس الحكم من غير الكلدان , وكانت صرخة حقّ من الكلدان كافة ,

ورغم عدم أمتثال بريمر لها , ألا أنها كانت ضرورية لأظهار أحتجاج

الكلدان ولتثبيت موقفهم تاريخيا .

 

ب –  أستنكرت رئاستنا الكنسية بألغاء الفقرة ( 50 ) من قانون أنتخابات

مجالس المحافظات وذلك  ممثلا في التظاهرة التي قادها المطران شليمون

وردوني نائب بطريرك الكلدان في بغداد وشارك فيها عدد من الشخصيات

الأسلامية في بغداد .

 

ج –  مقررات البيان الصادر عن مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية , المنعقد

في عنكاوة للفترة من     28\4 ولغاية 5\5\2009 , حول تمسّك الأساقفة

الراسخ بقوميتهم الكلدانية ,وحقوقهم المشروعة كانت بمثابة نسمة صيف

عليلة على قلوب أبناء الكنيسة الكلدانية العريقة , ورسّخت ثقتهم  بقادتهم

الروحيين .

 

د –  مطالبة الكنيسة الكلدانية رئاسة أقليم كردستان العراق بتخصيص

حصة للمسيحيين من ميزانية الأقليم , يتم التصرف بها من قبل الكنيسة ,

حتى تصل بعدالة وشفافية الى الجهات التي تستحقها ,وكانت أيضا ضرورة

لتثبيت الموقف الكلداني تاريخيا , حتى أذا لم تلق أذنا صاغية من الأحزاب

الكردية . 

 

4 –  الكنيسة الكلدانية والسياسة

 

في مؤتمر للآباء البطاركة , عُقد في روما تحت عنوان ( الكنيسة وأرض

الوطن ) للفترة من 16 – 20 تشرين الأول عام 2006 قالوا ”  “الوطن

وطنكم. أحبوا أوطانكم. فلا تيأسوا ولا تستسلموا، ولا تعملوا أبداً لإحباط

المعنويات، بل عليكم أن تحملوا أمانة إيمانكم في قلوبكم بمسؤولية مسيحية

واعية الإنتماء، وحب أوطانكم في أعناقكم من أجل بنائه.”

 

أن هذه المقولة التي تدعو الى الحفاظ على أوطاننا وحمايتها من مخاطر

التقسيم والتجزأة , وأن نعمل من أجل بناء دولة ديمقراطية قوية علمانية ,

يكون القانون هو السائد بين أبناء البلد بغضّ النظر عن الدين أو الطائفة أو

القومية أو المذهب أو صفته الرسمية أو علاقته بأي مسؤول فأن هذا في

مفهوم بعض الذين يحاربون قوميتنا الكلدانية ويريدون فصل الكنيسة عن

شعبها الكلداني , فأنهم يعتبرونه تدخلا بالسياسة !! وعندما يصدر بيان من

مجامع السنهادوس بتثبيت أسمنا القومي في الدستور, وعلى الحفاظ على

وحدة البلاد , تنبري أبواق الأعداء بأتهام الكنيسة بالتدخل بالسياسة , أن

الشهيد مار شمعون برصبّاعي لم يستشهد فقط من أجل أيمانه المسيحي ,

ورفضه عبادة النار , بل السبب الرئيسي لأستشهاده كان أنه رفض أمرا

سياسيا ملكيا جائرا يطلب زيادة الضرائب على أبناء كنيسته , وأن موقفه

هذا كان دفاعا عن شعبه المسيحي ضد قرار سياسي جائر , وأنه أستشهد

لأنه لم ينفّذ أمر الملك ,  ولكنها نفس الأبواق التي تظل ساكتة حينما يدعو

البعض من أساقفة الكنائس الآثورية الى الحكم الذاتي أو الى المحافظة

المسيحية.

 

أن أبناء الأمة الكلدانية الذين يعتبرون رئاستهم الكنسيّة وآبائها الأجلاء ,

سواء من الأساقفة أو من الكهنة , خير من يمثّلهم ويحافظ على حقوقهم

ومصالحهم وهويتهم القومية , على الأقل في الظروف الحالية في بلدنا

العراق الذي الكلمة الرئيسية فيه للأحزاب والمرجعيات الدينية , وكما ذكرت

في أحدى مقالاتي , فأن كلمة غبطة مولانا البطريرك , لها صداها وتأثيرها

الأيجابي في الدولة ولدى المسؤولين في الحكومات الحالية التي تأتمر

بأوامر مرجعياتها الدينية , أضعاف مضاعفة على كلمة أي سياسي كلداني, 

ولكن متى ما أصبح الحكم في العراق حكما علمانيا دستوريا في ظل حكومة

بعيدة عن المحاصصات الطائفية والمذهبية والقومية الشوفينية , وكان

القانون هو الفيصل في جميع الأمور والأحوال , حينئذ يكون دور الكنيسة

في السياسة قد صار هامشيا لأن العدالة سوف تأخذ مجراها دون أي ضغط

أو واسطة أو حرف وجهة الحق والحقيقة .

 

 بعض الأقتراحات في سبيل النهظة الكلدانية

 

1 –  مفاتحة رئايسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس

النواب , بعدم المساس في ما مثبّت في دستور البلاد من التسمية القومية

لأمتنا الكلدانية , وعدم دمجها أو خلطها مع أية تسمية أخرى تحت أي

ضغط كان .

 

2 – مفاتحة رئاسة أقليم كردستان ورئاسة حكومة الأقليم ورئاسة مجلس

النواب في الأقليم بعدم دمج تسميتنا القومية ضمن أية تسمية أخرى

وتثبيتها في دستور الأقليم كما هي مثبتة في دستور العراق , وتذكيرهم

بمقررات البيان الصادر عن مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية بتاريخ 4\5\

2009

 بتمسك الكلدان بقوميتهم المستقلة عن أية تسمية أخرى

 

3 –  مناشدة الأبرشيات والكنائس الكلدانية سواء في العراق أو في المهجر

بنشر الثقافة الكلدانية بين أبناء رعاياهم وكنائسهم للرابط الوثيق بينهما ,

وأن تتحمل كل أبرشية أو رعيّة مسؤوليتها في تعليم الأطفال الكلدان لغتهم

القومية ونشر الوعي الوطني والقومي بين أطفال النشىء الجديد , وأن

تقوم بتقديم مجمل نشاطها الثقافي القومي الى رئاسة كنيستنا الكلدانية

بصورة دورية .

 

4 –  تشكيل لجنة متابعة في البطريركية برآسة أحد الأساقفة ولا بأس أن

يكون من بين أعضائها شمامسة قديرون لمتابعة أنشطة وفعاليات

الأبرشيات والرعيات في العراق وخارج العراق ما يخص التعليم والتثقيف

الكلداني .

 

5 –  دعم وتشجيع التنظيمات الكلدانية كالأتحاد العالمي للكتاب والأدباء

الكلدان أو أتحاد المهندسين الكلدان والأطباء والفنانين وغيرها أذا ما

أنشأت .

 

6 –  دعم وسائل الأعلام الكلدانية , أن سيطرة وسائل الأعلام التابعة

للأحزاب والمنظمات الآثورية المناهضة لقوميتنا الكلدانية , مثلها مثل

السيطرة الجويّة أثناء الحروب , وهي بمثابة تدمير مراكز القيادة والتوجيه

أثناء الحرب , لأنها تجرّد الكلدان من القدرة على أيضاح موقفها ورأيها في

جو الأكاذيب وخلط الحقائق , وتجعل من الذي يدافع عن قوميته الكلدانية

ضحية ( مُشَيْطَنة ) ومكروهة , وتوصف بالأنقسامية فيتحول الرأي العام

المسيحي المُغَيَّبة عنه الحقائق الى جانب أعداء قوميته , أو على الأقل يتخذ

موقف اللامبالاة بالأضافة الى أثارة قلقه وأضعاف معنوياته .

 

9 –  الخلاصة

 

لقد قطع الكلدان أشواطا جيدة في تثبيت تسميتهم القومية الكلدانية في

أذهان أبناء أمتنا رغم عمرهم السياسي الحديث , وشدّة الهجمة الشرسة

التي تعرّضوا لها في محاولة لألغاء وتهميش قوميتهم العريقة , وهنا يجب

أن لا ننسى موقف رئاسة كنيستنا الكلدانية متمثلا بغبطة أبينا البطريرك

وأبنائه الأساقفة الأجلاء , لموقفهم الشجاع والمبدأي في الدفاع عن هويتنا

القومية في الأوقات العصيبة والحرجة , كما لا ننسى جهود بعض الآباء

الأساقفة الأجلاء الذين بثقافتهم القومية , أسسوا دعائم قويّة لقوميتنا

الكلدانية عجز عن أهتزازها من حاول ذلك , ويجب علينا أيضا الأشادة

بالجهود الجبارة التي يبذلها الحزب الديمقراطي الكلداني بقيادة الأستاذ

أبلحد أفرام , ومقدار الضغوط التي يتعرّض لها في سبيل زحزحته عن

مواقفه القومية المبدأية , وهنا أيضا علينا أن ننوّه بالجهود الجبارة التي

قام بها أتحادنا الفتي ( الأتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان ) في خضمّ

الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها , والتي كانت لمقالات وكتابات أعضائه

مصابيح نَيّرة لدروب أبناء أمتنا الكلدانية في التعريف بهويتهم القومية التي

جاهد أعدائها في محاولة ألغائها تارة بحجة أنها تسمية دينية , وأخرى

بحجة الوحدة لخلطها بالتسميات الأخرى.

 

 

بطرس آدم

عضو

الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان

 

الهوامش

 

(1)  الحكم الوطني الأول كان حكم الأمبراطورية الكلدانية (612-539)ق.م

  http://st-george-church.ba7r.org/t208-topic(2)     

(3) سفر التكوين , 11 : 12 – 27

(4) تاريخ المسيحية في العراق – بهنام فضيل عفاص

(5) الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان – د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *