الكلدان وقضيتهم المصيرية / وميض شمعون آدم

يتوجّه البعض بالنقد اللاذع لكل صوت ينادي بالحقوق القومية للكلدان ولكل قلم يطالب بالأنصاف والعدالة لهذا المكوّن الأصيل ولكل فكر يُنَظِّرْ وينفض الغبار عن حقائق الأيام الغابرة . فلقد عانى كلدان العراق ويلات الحرب والأحتلال الأمريكي لهذا البلد ما لم يعانيه مكوَّن آخر قومي أو ديني , بل هو الوحيد بين المكونات العراقية الذي ينكر له وجوده ومكانته تحت ذرائع مستندة على أحداث تاريخية مزيّفة يُسَيّسها البعض ويدعمها البعض الآخر لمعاقبة الكلدان على مواقفهم الوطنية وحرصهم على بلدهم الذي لا يضاهيه حِرصٌ من الآخرين أيّاً كانوا .
 
لقد قلنا في مقالة سابقة أن كلدان العراق لم يتخلّوا عن شعورهم القومي وأنتمائهم خلال كل الحقب التاريخية وأبان الحكم الوطني منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بل ظلّ هذا الشعور قائما وفعّالا في نفوس الكلدان وكان للكنيسة التي حملت هذا الأسم الفضل الكبير في الحفاظ عليه حتى أمسى الأثنين توأما لا يقبل الأنفصال , وتناغم الشعور القومي للكلدان بالشعور الوطني فكان للكلدان شأن معروف في كل المؤسسات الرسمية والحزبية والحكومية واللاحكومية والمهنية في عراقٍ كان حب الوطن والكفاءة معيارَيْن أدّيا الى تقدم الوطن وتطوره حتى بدأت خطط الأستعمار منذ سبعينات القرن الماضي لضرب العراق وتكلّلَتْ في العام 2003 على يد الأمريكان روّاد العولمة والدمار , فحلّت المحاصصة والطائفية والأرهاب وطغت على كل العراق .

الا ان شأن الكلدان بقي مرتفعا وشامخا عند كل من آمن ويؤمن بوحدة العراق أرضا وشعبا ومصيرا من الأحزاب والتيّارات السياسية الوطنية في العراق حاليا , وعلى العكس من ذلك فأن الأنتقاص والتهميش وسياسة فرض التسميات , يتبنّاها كل من وجد في موقف الكلدان في الماضي عَقَبَة تجاه تحقيق المخططات التي هَدَفت الى تقسيم وشرذمة هذا الوطن العزيز .

يُتّهَمْ الكلدان بحداثة شعورهم القومي ونهضتهم التي نراها في قلوب وضمائر المؤمنين بها, الاّ أن الحقيقة ليست كذلك , فالشعور القومي لم يضمحل عند الكلدان بتاتا وأن نهضتهم التي ينشدونها الآن أنما هي وقفة حقّ وأيمان بوجه من يسعى الى طمس هذا الشعور المقدس لديهم , وفي رأينا المتواضع أن الشعور القومي لدى الكلدان لا يمكن حصره في الأنتماء الى حزب أو جهة سياسية معيّنة دون غيرها , فالتاريخ يشهد أن مِن الكلدان من أنتموا الى أحزاب سياسية مختلفة على الساحة العراقية في العصر الراهن على أقل تقدير , فمنهم من أنتمى الى الحزب الشيوعي وآخرون الى حزب البعث وغيرهم أنتمى الى أحزاب كردية في شمال العراق , وقسم أنتمى مثلا الى الحركة الديمقراطية الآشورية , ومع أن بعض هذه الأحزاب لها مسمّيات قومية , الا أن ذلك لم يمنع مواطنوا قوميات اٌخَرْ أن يعملوا في هذه الأحزاب أيماناً منهم بحلقات معيّنة في مبادىء تلك الأحزاب , كأن تكون سياستها وطنية أو أجتماعية أو تربوية وغير ذلك , والأمثلة على ما نقول عديدة , فضمن الأكراد من كانوا بعثيين وشيوعيين ومن العرب من كانوا شيوعيين ومن الآثوريين من كانوا بعثيين وشيوعيين أو منتمين الى أحزاب كردية , وينطبق هذا على الكلدان أيضا . الا أن ما يتوخّاه كل الكلدان بما فيهم المستقلّون هو أن يكون أخوتهم وأبناء جلدتهم المنتمين الى أحزاب سياسية تعمل حاليا على الأقل في الساحة العراقية , أقول أن ما يُنتَظَرْ من هؤلاء هو أن يكونوا حناجر ومنابر للدفاع عن قضية الكلدان المصيرية وهي حق الوجود , فلا أظن أن أنتماءاتهم السياسية المختلفة تتقاطع مع مسألة وجودهم وتسميتهم .

وأستطرادا نقول , من المعيب أن ينتمي الكلداني الى تجمعات تهدف في قائمة أوليّاتها الى طمس وتهميش القومية الكلدانية في محاولة يائسة وبائسة لألغائها وكل ذلك من أجل مصالح شخصية بحتة دون الأستناد الى أي مبدأ , وتحت عناوين طنّانة رنّانة يعلوا منها الضجيج ليس الاّ , فالوحدة بين مكونات شعبنا المسيحي – أذا أُريد لها – لا تحصل بتهميش الآخر وفرض طروحات  غير منطقية لا تاريخيا ولا لُغويا بل ولا أدبيا أيضا . والتاريخ حافل بالعديد من الأمثلة على محاولات طمس الوجود القومي لبعض الشعوب والتي فشلت لأنها أفتقرت الى الحق والى قبول الآخر . وفي هذا السياق أيضا أود أن أشير الى حالة أخرى  وهي أن الأعتزاز بالآخر وأحترامه من خلال العلاقات الشخصية والصداقة هي من شيمة كل أنسان سويّ لا سيّما المسيحي المؤمن , ولكن في الجانب الآخر يجب أن لا تنسيه خصوصيته , وأن تناسى خصوصيتهُ فليس لأحد الحق بالعبث بخصوصية الآخرين . وللتوضيح ليس الاّ أقول من الكلدان من عملوا مع الأخوة الآثوريين في جمعيات ثقافية وفنيّة أرتقت بهم وبأعمالهم وأفكارهم مجتمعاتنا , ولكن هذا – في رأيينا – ليس مُبَرراً لهم أن يتخلوا عن خصوصيتهم ويدعوا الآخرين للتشبّه بهم , لا بل منهم من صاروا منَظّرين ومروّجين لكل ما ينتقص من الكلدان وتوجّهاتهم القومية . فالأخوة الآثوريين على سبيل المثال لا الحصر , كان الشعور القومي عندهم ولا يزال يتّخذ منحىً مغاير عن ذلك الذي لدى الكلدان . بيد أن هذا ليس أنتقاصا أو أنتقادا للأخوة الآثوريين وشعورهم القومي لأننا نحن الكلدان – على النقيض من بعض الآثوريين بمن فيهم قادتهم الحزبيين – نؤمن بقداسة الشعور القومي الذي يجب أحترامه وتجنّب العَبَثْ بهِ أو التقليل من شأنه أستنادا على اكاذيب تاريخية أو أجتماعية يروّجها البعض من أجل مصالح حزبية ضيّقة .

كما أن الفطنة والحكمة تدعونا أن نكون متيقّظين لأولئك الذين يحاولون بكلمات معسولة أن يعزفوا على وتر الوحدة والتكاتف بين مكوّنات شعبنا المسيحي من أجل مواجهة التحدّيات المشتركة , أولئك اللذين يأتون بثياب الحملان ويتلون على مسامعنا كلمات حقٍ تخفي ورائها نيّات مع كل الأسف لا تمتّ الى مفهوم الوحدة والتكاتف بصلة على الأطلاق , بل تقع في خانة العمالة للآخرين والخيانة لشعبنا من أجل مصالح شخصية بحتة , فمن المضحك المبكي أن بعض من يدّعوا أنهم كلدان , وهم منتمين لأحزاب سياسية تعمل لغير مصلحة الكلدان , ويدعون كتّاب شعبنا ومثقفينا والبسطاء من القرّاء أن يتخلّوا عن الدفاع عن قوميتهم ووجودهم.

اِن الضرورة ومعطيات المرحلة الراهنة , ناهيك عن مصلحة العراق العظيم قد دعت أن ينهض الكلدان لينادوا بملأ أفواههم وحناجرهم وأقلامهم الشريفة بحقوقهم القومية ضمن مكونات الشعب العراقي , وأن يكون لهم موقف ثابت يعبّرون به عن حرصهم على وحدة العراق أرضا وشعبا ومصيرا , وهم يسندون ويعاضدون الشرفاء الذين أخذوا على عاتقهم حمل الراية الكلدانية ليقودوا ألوية أبناء شعبنا الكلداني في العراق والمهجر , هؤلاء النجباء اللذين يستحقّون منّا كل أحترام وتقدير , لا السب والتشهير .

المهندس
وميض شمعون آدم

 

You may also like...