الكلدان والموقف اللامبالي للبعض من رجال الكنيسة الكلدانية

سبق وأن كتبت في أحدى مقالاتي وقلت أن العلاقة بين الكنيسة الكلدانية والأمة الكلدانية , هي كعلاقة التوأم السيامي , غير قابلة للفرقة والأنفكاك , أحدهما مرتبط بالآخر أرتباطا وثيقا , فالكنيسة بدون شعبها الكلداني سوف تكون مجرد بناء فارغ أو مجرد متحف أو أثر ديني , والكلدان بدون كنيستهم سوف يكونون أمة مُبعثرة بدون رعاة حقيقيين سيّما وأنهم يفتقدون الى أحزاب وقيادات سياسية , وتترسّخ هذه العلاقة أكثر بأرتباط كليهما بالوطن العراق ( بلاد النهرين ) الذي هو وطنهم الآزلي منذ ما بعد الطوفان , ولما تشرّف الكلدان بنور الأيمان المسيحي , الذي صقَلَ هذه العلاقة بالتعاليم السامية ترَسَّخَت هذه العلاقة أكثربسبب كون أرض العراق فضلا عن أنها أرض أجداد الكلدان , الا أنها صارت أرض وأساس النبوءات التي ظهرت في هذه الأرض المقدسة منذ أن عاش فيها النبي أبراهيم أبو الأنبياء والرسل أجمع , وأرض العراق هذا أرتوت بدماء الشهداء رجال الدين المسيحيين , الذين كانوا يدافعون ليس فقط عن أيمانهم , بل وحتى عن أبناء كنائسهم ورعاياهم , ولعل أبرز هؤلاء الشهداء , الشهيد مار شمعون بَرْ صَبّاعي ( الذي أحتفلنا بتذكاره يوم أمس الجمعة ) وأبنائه الأساقفة والكهنة الذين أستشهدوا دفاعا عن أيمانهم وعن أبناء رعاياهم حينما طلب الطاغية شابور زيادة الضرائب على المسيحيين , فرفض الشهيد مار شمعون برصباعي بسبب فقر حال المسيحيين وعدم أمكانهم الزيادة في دفع الضرائب .

ما بعد التغيير عام 2003 وجدت الكنيسة الكلدانية نفسها أمام حالة شاذة لم تكن مستعدة لها هي الأخرى أسوة بالشعب الكلداني , وجدت نفسها أمام بحر هائج من الفوضى وفقدان النظام والأمن وهي التي لا تملك أيّ سلاح سوى سلاح الأيمان والمحبة , وهو سلاح فقد تأثيره أمام موجات الحقد والكره الذي طغت على الساحة العراقية التي أنتشر فيها الأرهاب والمليشيات المسلحة فضلا عن السلاح التقليدي وكذلك السلاح الطائفي, فأنزوت الكنيسة جانبا وأرتضت بالمبدأ الذي يدعو الى أبتعاد الكنيسة ورجال الدين عن السياسة والمواجهة للدفاع عن أبنائها , ورأته مؤاتياً ما تتمناه من تبرير أبتعادها عن ساحة المعركة السياسية التي يلعب فيها وبمواضبة ونشاط رجال الدين من جميع الطوائف والمذاهب الأخرى ومن ضمنهم رجال الدين من الكنيسة الآثورية , وحزّ في نفوس الكلدان موقف كنيستهم هذا , رغم أنهم لم يطلبوا منها أن تتدخل بالشؤون السياسية اليومية أو أن ترشح رجال الدين للأنتخابات أو أنضمامهم للأحزاب , بل كان كل غايتهم هو أبداء رأي الكنيسة الواضح مما يجري على الساحة السياسية وبما يؤول أليه مصير الوطن ومن ضمنه شعبهم الكلداني لأنه من صلب مهامهم وواجبهم .

من ناحية أخرى عمّت الفوضى بين علاقات المرؤوس برئيسه والكاهن بأبرشيته والأسقف برئآسته الكنسية وتشكّل تجمع أُطلِقَ عليه ” مطارنة الشمال !!!! ” وكان أول أسفين يُدَقّ في العلاقات بين أساقفة الكنيسة والكهنة بعضهم مع البعض , والأسفين الآخر والمؤلم أيضا الذي دُقَّ هو أن غالبية عظمى من الكهنة الشباب تركوا أبرشياتهم داخل العراق وهربوا ( تحت حجج مختلفة ) تاركين رعاياهم وكنائسهم وأديرتهم للمجهول , والغريب أنهم جميعاً كوفئوا بحصولهم على الأقامات في الدول التي وصلوا اليها بتشجيع ( مع الأسف ) من بعض الأبرشيات في الخارج ( راعي أحدى الأبرشيات في أمريكا الشمالية , تعرّضَ لأنتقادات شديدة لرفضه تمديد أقامة , أو طلب أقامة دائمية لكاهن شاب أتى الى تلك الأبرشية لزيارة أقاربه وأراد البقاء , وطلب منه العودة للعراق وأستحصال موافقة أسقفه ورئاسته الكنسية أذا أراد أن يبقى في تلك الدولة ) والمؤلم أن البعض من هؤلاء الكهنة الشباب الذين كان الكهنوت بنظرهم هو وسيلة وليس غاية فتركوا كنيستهم الكلدانية وألتحقوا بكنائس أخرى , صحيح أن معظم المسيحيين الكلدان أستُهدِفوا بصورة خاصة من الأرهابيين وهاجروا عن وطنهم نتيجة الأرهاب وأنعدام الأمن , وصحيح أيضا أنهم في بلدان المهجر يحتاجون الى كهنة لخدمتهم وأطفالهم وعائلاتهم , ولكن الأصحّ كان لو أن هؤلاء الكهنة الشباب قد أستحصلوا موافقة أبرشياتهم ورئآستهم الكنسيّة , ويكون أرسالهم لخدمة الكلدان المهاجرين نتيجة خطّة وموافقة من الكنيسة المركزية , وبأوامر رؤسائهم الروحيين , وليس بطريقة ليّ الأذرع , ووضع رؤسائهم أمام الأمر الواقع , الذي أثَّرَ سَلباً على الكلدان في الداخل والخارج , وفقدوا ثقتهم برؤسائهم الروحيين وبأمتهم الكلدانية .

أنها مأساة حقيقية تعيشها الكنيسة اليوم ولها علاقة صميمية بالحالة المتشرذمة لكلدان اليوم التي وصلت لدى بعض رجال الدين الكلدان وتفشّي ظاهرة الأستقلالية بين رجال الدين الكلدان ليس على مستوى الأبرشيات فقط , بل وحتى بين كهنة الكنائس والرعايا الصغيرة والتي كانت عاملا رئيسيا في حالة اللا أتفاق واللا طاعة المستشرية بين رجال الكنيسة لرئاساتهم الروحية وعاملا مهما في التأجيل المستمر لأنعقاد السينودس في مواعيده المقررة , وكان من أحدث الأمثلة على ذلك ألأستقبال والترحيب بالسيد يونادم كنّا ووفوده من بعض رجال الكنيسة الكلدان وصدى كلماته وتهجمه على رئاسة الكنيسة الكلدانية لا يزال يرنّ في آذان الكلدان , أو تعاملهم وتبعيتهم وأقامة علاقات شخصية مع تنظيمات أو جهات سياسية ولمصالحهم الذاتية دون مراعاة لواجباتهم ومهامهم الأساسية التي هي وحدة الكنيسة , وطاعة الرؤساء , أنها حالة سلبية تعيشها الكنيسة الكلدانية , وتؤثر سلبا على حقوق الأمة ومجمل القضية الكلدانية . وأن أبناء الأمة الكلدانية يتطلعون الى اليوم الذي تكون كلمة آباء الكنيسة الكلدانية موحَّدة وأن تكون طاعة رؤساء الكنيسة بمختلف تسلسلاتهم هي القاعدة بين علاقاتهم , وأن يتم تفكيك أيّة علاقة مع أيّة جهة معادية لتطلعات الكلدان ورئآستهم الكنسيّة للحفاظ وصيانة حقوقهم السياسية في بلادهم وأرضهم ووطنهم الأبدي – العراق

بطرس آدم

25 آب 2012

You may also like...