الكلدان والآشوريون: أخوة في الدم واللغة وعداء تأريخي متأصل / بقلم : د . دنحا طوبيا كوركيس

 

بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

لم كن أعلم بأن العداء بين الكلدان والآشوريين هو حقيقة تأريخية متأرجحة على بندول “المحبة الظاهرية – الكراهية الدفينة” إلا بعدما خبرته وتلمسته في موضعين، عائلتي والمواقع الإلكترونية. وإن كان إسمي الذي تخلو حاءه من نقطة يدل على كلدانيتي بوضوح، مذهبا وقومية، إلا أن كلدانية زوجتي المذهبية لا تضفي ذرة على كبريائها الآشوري. تلمست الفرق بين أصدقائي وطلابي، ولكن لم تصل خلافاتنا إلى حد العداء، ربما بسبب اعتبارنا من “الأقليات القومية المتآخية” المغلوب على أمرها. قرأت معظم المقالات المنشورة على المواقع الإلكترونية بخصوص العلاقة المتشنجة بين الكلدان والآشوريين فوجدتها أسوأ بكثير من علاقتي القومية بزوجتي رغم السقف الذي يجمعنا. ولو استثنينا الدوافع السياسية، استطيع القول جازما بأنه لم تسعفني أية مقالة منشورة بالعربية لحد هذه اللحظة في معرفة أسباب الخصام واحتواء الآخر، حتى تلك التي يروج لها من يسمي نفسه عالما بالآثار. سعيت وراء الحقيقة من مصادر أجنبية محايدة وموثقة لمعرفة السبب فوجدت العجب التأريخي الذي اتخذت منه عنوانا لهذا المقال. أرجو من القارىْ الكريم ألا يقفز إلى الاستنتاجات السريعة ويتخذ من سقوط بابل أو نينوى ذريعة لإقامة الحجة أو اتهامي بالانحياز لطرف على حساب الآخر. إنني مجرد ناقل للمعلومات بأمانة كما قرأت واستوعبت.

نجد في كتاب “تاريخ الفنون في كلدو وآشور” في الجزء الأول منه (398 صفحة)، المنشور سنة 1884 (أنظر تفاصيل المصدر والرابط في أدناه) المترجم عن الفرنسية إلى الانكليزية، نجد تفاصيل دقيقة موثقة ومثيرة، ليس عن الفن، بضمنها المعماري، وحسب وإنما العلاقة بين أقوام كلدو وآشور وإنجازاتهم الحضارية. يخبرنا المؤلفان بأن الدولتين الكلدانية (في الجنوب) والآشورية (في الشمال) كانتا تعيشان حالة مدّ وجزر على ضفاف دجلة والفرات وما يجاورها. كانت الغلبة للأقوى عسكريا وسياسيا على مر العهود بحيث يصبح هذا الطرف أو ذاك تابعا وذليلا للآخر. هكذا كان حال الكلدان عندما أصبحت كلدو مقاطعة خاضعة للسيطرة الآشورية، وإن كانت الدولة الكلدانية هي الأقدم والأعرق وأشهر مدنها بابل، ولكن بقي الحد الفاصل بين القوميتين متميزا وأصبح أكثر جلاء جغرافيا رغم التطورات التاريخية. لقد بنى الآشوريون الذين تسنموا الحكم بعدئذ ووسعوا مملكتهم وحضارتهم على أكتاف الكلدان ومن خيرات بلادهم رغم اشتراكهم مع الكلدان في لغتهم وعاداتهم وطقوسهم الدينية وآلهتهم باستثناء أسمائها وعددها. أصول كل الآلهة كلدانية، لكن الأسم الوحيد الذي لا يظهر في أدبيات الكلدان هو الأله آشور الذي اعتبره الكلدان إلها ثانويا بينما اتخذه الآشوريون شفيعا لهم ومباركا لنصرهم في غزواتهم وهو الذي سقط بسقوط نينوى. وبما أن بلاد كلدو كانت بمثابة أم حلوب وحنون بالنسبة للآشوريين، ورغم العداء والاقتتال ومعاقبة الثوار الكلدان بالضرب والفتك وتقديمهم قربانا للآلهة، الذي لم يؤثر البتة على العلاقات غير العسكرية والسياسية بين الشعبين حتى ليوم واحد، أضحت هذه البلاد قبلة دينية ومركزا تجاريا وثقافيا للآشوريين. وباختصار شديد، لم يخترع الآشوريون شيئا يذكر، بل كانوا قساة قلوب، حتى في الممارسات الدينية، ويدقون طبول الحرب كلما دعت الحاجة. ونرى صورة معكوسة تماما لدى الكلدان، فهم أهل العلم والثقافة والفكر البناء وينتهجون المنهج التحليلي والاستنباطي ويتمتعون بقدر كبير من الكياسة وحسن الأخلاق والانفتاح على الآخر.

الأردن في 25/7/2010

Perrot, Georges & Charles Chipiez (1884). A History of Art in Chaldæa & Assyria, Vol. 1. Translated from French and edited by Walter Armstrong and released electronically by The Project Gutenberg eBook on February 14, 2009. London: Chapman & Hall, ltd. and New York: A. C. Armstrong & Son.

http://www.gutenberg.org/files/28072…-h/28072-h.htm

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *