الكرامة الذاتية نتيجة منطقية للحرية / بقلم المطران مار باوَي سورو

المسيحية هي الديانة التي تصنع الإيجابية في إختلاف حياة الأفراد والأُمَم، وتنقل الناس والحضارات من الظلام إلى النور ومن الجهل إلى معرفة الحق: تُحوِّل الشعب من التعاسة إلى السعادة ومن الإثم إلى القداسة. المسيحية تمنح الخلاص للمؤمن لأنها ديانة المحبة والرجاء والإيمان بالرب يسوع المسيح. المسيحية تضمن الحقوق المُعطاة من قِبَل الـله: الحرية، تقرير المصير والسعي وراء السعادة لكل إنسان خلقه الله تعالى.

إن إبن الـله أوحى بتجسّده هذه المبادئ وخلال أكثر من ألفي سنة أعلنتها الكنيسة قرينة لنشر رسالة ملكوت الـله إلى كل الأُمَم في الأرض.

بناءً على هذا المفهوم لجوهر المسيحية ورسالة الكنيسة، وبغضّ النظر عن الإعتبارات التاريخية والثقافية، وتمعُّناً في الموضوع من وجهة نظر حقوق الإنسان. أودّ أن أُعلِّق على بعض تصريحات وردت في الرسالة الرعوية للبطريرك الآثوري مار دنخا الرابع بمناسبة عيد الميلاد في 2011.

مدى الأعوام كان من المعتاد للبطريرك مار دنخا أن:

“يتكلم للكلام فقط ولا ينفّذ قوله فعلاً”

يوعظ على الإكليروس للإلتزام بعدم التدخّل في السياسة. وأنّ واجب كل واحد منهم أن يعيش حياة محبة وفاضلة وأن يلتزم بعدم الحقد والحسد والنزاع. بيد أنه من المدهش أنه في نفس الرسالة يشوّه بدون حكمة، سُمعة الآخرين إذ يجعل مطالبهم باطلة عندما يجزم أن المسيحيين في كنيسة الكلدان وكنيسة السريان وكنيسة المشرق الآثورية كلهم ينتسبون لأمة واحدة (أمته) أي الأمة الآثورية، أنه يهمل كليّاً ذكر كنيسة المشرق القديمة في رسالته.

هناك سؤال يُطرَح من قِبَل كثيرين: إستناداً إلى أي سُلطة ينكر مار دنخا على الكلدان والسريان خصوصيّة وجودهم وهويّتهم التاريخية والحضارية والقومية بالطريقة التي تنطبق عليهم والإسلوب الذي يرونه مناسباً؟ يا تُرى هل يعلم البطريرك أن الهوية الشخصية حقّ مُعطى من الـله للأفراد والأُمَم؟ وليس من اللياقة لأي شخص أن يقوّض أو يجبر الآخرين أن يغيّروا أو أن يتسمّوا من جديد لأن لهم وحدهم يعود إختيار ما هو مناسب لهم؟ كيف يتسنّى لأي شخص مُتحضِّر… خصوصا رجل الـله كالأسقف أو البطريرك… له ضمير سليم أن يلغي طموح وهويّة إخوته وأخواته؟ إن المسيحي الحقيقي لا يجرأ حتى على محاولة عمل كهذا ضد عدوّه! فكيف يستطيع البطريرك مار دنخا بجرّة قلم أن يصرف النظر عن ذكر إسم كنيسة المشرق القديمة؟

من غير الحكم على نيّة مار دنخا وإنما فقط في ملاحظة تماسكه بمواقفه السابقة فيما يخصّ هذا الموضوع هناك إجابتان: إما التجاهل أو الإرادة السيئة.

إني مُتأكّد أن هناك عدد غفير من الآثوريين النُبلاء والجديرين بالإحترام، الذين يعبدون المسيح إلههم ومخلصهم يرفضون هذا الموقف ولا يسمحوا أو يبرِّروا إلغاء الآخرين خاصة إخوتهم وأخواتهم الكلدان. إنما بالعكس هناك عدد لا حصر له من الآثوريين الذين أعرفهم، وربّما ليس معرفة شخصية، يحبّون ويقدّرون الكلدان والسريان وكنيسة المشرق القديمة.

نحترم حقّهم في تثبيت هويّتهم وندعم ثقافتهم وطموحاتهم القومية. أولئك الآثوريين يعلمون حقاً أنه يجب أن يعاملوا الكلدان بنفس الطريقة التي يودّون أن يعاملوا بها بالمساواة والمُقابلة بالمثل والعكس بالعكس. إنّ الآثوريين الشرفاء يقفون اليوم بالتضامن مع الكلدان في العالم ويدعمون حقوقهم وحريّاتهم دعماً مطلقاً. هذه الحريّات هي هبة من الـله وعليه لا فضل لأحد بإحترامها وإنما هي فقط رمز الوضوح للإيمان بالـله والدّالة على المدنية والكرامة.

إن المأساة المُفجعة ليست فقط فيما قاله مار دنخا وإنما الأنكى في تضليله للإكليروس والمؤسسات وجمعاً غفيراً من المؤمنين. إن السبب الجذري لهذه الحالة المُزرية هو قابليته وإختياره للإستمرار بالعيش في عُزلة كنيسته عن بقية الكنائس منحرفاً ومنفصلاً مع قطيعه عن أي جسم للكنيسة المسيحية الرسولية خاصة عن خليفة مار بطرس أسقف روما. ونظراً لموقفه الخطير هذا ولأجل خلاص النفوس وللأمانة لسيدنا يسوع المسيح والكنيسة التي أسّسها آلاف من قطيعَي الحبيب والإكليروس وأنا شخصيّاً من ضمنهم طلبنا عام 2007 الإتحاد الكامل مع الكنيسة الكاثوليكية وفي عام 2008 إنضممنا إلى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. إذ نشكر الـله نسأله أيضاً أن يسبغ على كل واحدٍ فيض النِعَم.

http://www.kaldaya.net/2012/Articles/01/51_Jan21_BishopMarBawiSoro.html

You may also like...