القائد ملا مصطفى البارزاني هو من وضع الحجر الأساسي لكوردستان اليوم

عجلة الحياة في سيرورة وديمومة دون انقطاع ، ونحن استلمنا التراكمات الأجتماعية والثقافية من آبائنا وأجدادنا ، ونحن بدورنا نسلم الأمانة لأولادنا وأحفادنا وهذا هو ناموس الحياة ، هكذا كانت وهكذا سوف تستمر الى الأبد . نحن نغرس الشتلة ونسقيها ونهتم بها ويأتي اولادنا واحفادنا يقطفون الثمرة ، وهكذا نحن قطفنا ثمار شتلات غرسها آباؤنا وأجدادنا ، وبدورنا ومن باب الوفاء لمن غرسوا تلك الشتلة نخلد ذكراهم ونحن نقطف الثمار الطيبة .

وإن كنا نحن نزرع لأولادنا وأحفادنأ فهنالك من غرس الأشجار وضحى بوقته وبحياته وراحته من اجل إسعاد شعبه ، فهو لم يفكر في حياته الشخصية وأولاده ، إنما فكر بشعبه وغرس شجرة تمتد جذورها في اعماق تربة الوطن وأغصانها ترفرف وتعانق سمائه ، اجل كان هنالك قائد كوردي من هذا الطراز اسمه ملا مصطفى البارزاني الذي كرّس حياته وانصب اهتمامه طيلة حياته لأعلاء شأن عائلته الكبيرة في عموم كوردستان . لقد مسك القائد الكوردي ملا مصطفى البارزاني دفة سفينة شعبه وهي تمخر عباب البحار الهائجة والرياح العاتية وهو قد ثبّت بوصلة مركبه وبشكل مستمر ودون انحراف صوب مصلحة شعبه ، غير مكترث لما يحصل له من مصاعب ومخاطر في الدروب والشعاب الوعرة .

إن من يقرأ حياة المرحوم البارزاني مصطفى ستغمره الدهشة لحياة هذا الأنسان المفعمة بالأحداث والمخاطر بين السجون والمنافي والمؤامرات والمعارك والجوع والحرمان وكراهية الأعداء وخذلان الأصدقاء وووومع كل ذلك استطاع ان يثبت على مبادئه البسيطة الواضحة وهي مصلحة وحقوق شعبه ، وهو يتحرك في ذلك الإطار ولم يستخدم يوماً العلوم الفلسفية او النظريات السياسية او المصطلحات المعقدة ، ومع تلك العفوية والسليقة الطبيعية استطاع ايصال صوته ونقل معاناة شعبه ووضعها تحت الأضواء لتصبح موضع اهتمام دوائر صنع القرار في العالم ، وهو مع هذه الديمومة والثبات تمكن من إحراز مكانة شخصية ذو ابعاد كارزمية بين ابناء شعبه وفي الأوساط العالمية ليكون له تلك المكانة التي يتمتع بها نيلسون مانديلا ونهرو وسوكارنو ونكروما وعبد الكريم قاسم وغيرهم ، وهكذا بات اسم ملا مصطفى البارزاني مقروناً وتوأماً ملازماً لأسم كوردستان ولقضية الشعب الكوردي في التحرر وتقرير المصير .

في خضم حياة ملا مصطفى البارزاني النضالية كان ثمة عوامل تتحكم في سير الأحداث ومصائر الشعوب ، حيث كانت الحرب الباردة بين القطبين يومذاك وهما المعسكر الغربي تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الأشتراكي تحت زعامة الأتحاد السوفياتي السابق ، وكان مصير ملا مصطفى البارزاني وقضية شعبه تترنح في زحمة المصالح المتناقضة للقطبين ، كل قطب يريد ان يستخدم الورقة الكوردية وفق ما تمليه عليه مصالحه ، وكان البارزاني بإمكانياته المتواضعه يحاول ان يبقي على قضية شعبه تحت دائرة الأضواء قدر الأمكان وان يحافظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف .

لكن كيف استطاع هذا الأنسان البسيط ان يقود مركب شعبه وسط تلك الأمواج المتلاطمة والسباحة بين الحيتان الكبيرة ، لقد توجه نحو الأتحاد السوفياتي الذي كان يأخذ موقف مناصرة الشعوب المضطهدة ، ونستطيع ان نجعل تلك الأتصلات بأنها امتداداً لصلات قديمة بين عبد السلام البارزاني وروسيا القيصرية قبل الحرب العالمية الأولى ، ووجد ملا مصطفى البارزاني في الأتحاد السوفياتي الملاذ الآمن بعد انهيار جمهورية مهاباد ، وبعد صدور حكم الإعدام بحقه من قبل السلطات العراقية يومذاك ، وهكذا وجد ابواب الوطن العراقي موصدة بوجهه ، ومقابل ذلك وجد الأبواب المفتوحة امامه وأمام رجاله في الأتحاد السوفياتي السابق ، وعلى هذا الأساس صدر بحقه بأنه عميل الأتحاد السوفياتي ولقب بالملا الأحمر من قبل وسائل الأعلام الغربية .

الحكمة ونزعة البقاء لدى الأنسان الغريق تجعل منه يحاول الإمساك والتشبث بقشة لعلها تنقذه من الغرق ، وهكذا توجه ملا مصطفى البارزاني نحو الغرب عارضاً قضية شعبه ، وكيف يستطيع نيل الدعم من تلك القوى النافذة على المسرح الدولي ، ومن خلال طرقه لأبواب الغرب وبالذات من بريطانياً ، كان الأعلام الأخر جاهزاً لإلصاق تهمة العمالة لبريطانيا ، وبعد ان دأب في محاولاته لكسب الدعم وتوجه الى اميركا آملاً في كسب تأييدها ودعمها ، ومن حدسه بان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على التأثير الفعال والحاسم في المسالة الكوردية فكان الأتهام جاهزاً لألصاقه باعتباره عميل امريكي ، وأخيراً وليس آخراً كانت التهمة الجاهزة من قبل الحكومة العراقية للبازراني بالعمالة لأيران حينما كانت ايران في زمن الشاه تقدم الدعم العسكري واللوجستي للثورة الكوردية ، وقبل ذلك كان اتهام البارزاني بالعمالة لأسرائيل .

وهكذا كانت هنالك سلسلة من الأتهامات كعميل سوفيتي وعميل بريطاني وأمريكي وإيراني وأسرائيلي .. وهلم جراً ، لقد استلمت قبل ايام على بريدي الألكتروني ، مقالاً بهذا المعنى ، ولا ادري لماذا ينبغي ان نصف تلك العلاقات بالعمالة ولا نريد وضعها بقالب آخر ، وفي الحقيقة كل يفسر تلك العلاقات بما تمليه عليه مصالحه لا اكثر .

نأتي الى جانب من تلك العلاقات إذ من المفيد ان نقرأ التاريخ القريب في مدن وقرى كوردستان وسوف نجد تمازجاً وتعايشاً دينياً للاديان في المنطقة : الأسلام والأيزيدية والمسيحيون واليهود ، ولو اخذنا قرية بارزان كمثال غير حصري ، سنجد بأنها كانت قرية للتعايش بين الأسلام والمسيحيين واليهود وإن جذور ذلك التعايش كانت تمتد لعشرات القرون من السنين وليس غريباً ان تبقى علاقات اجتماعية وثقافية بعد هجرة اليهود من العراق في اواسط القرن الماضي ، وإن كان ملا مصطفى البارزاني قد اتصل باسرائيل من اجل منفعة شعبه ، فلا يمكن إلا ان نضع تلك الأتصالات في سياقها الدولي ، وهذه العلاقات والأتصالات لم تكن مختلفة عن التي اجرها المرحوم البارزاني مع فرنسا وأمريكا وبريطانيا واجداده مع روسيا القيصرية ومن ثم الأتحاد السوفياتي وايران وغيرها من الدول . لماذا نحاول وضع تلك العلاقات بقالب العمالة وليس قالب التوجهات الدبلوماسية .

بريطانيا هي التي قررت مصير تأسيس الدولة العراقية واختارت له ملكاً مؤيداً لها ، وعملت وحاربت بريطانيا الى جانب العرب ضد الحكم العثماني ، لتأسيس الدولة العربية في القرن العشرين ، فلماذا نخص الأكراد وزعمائهم حين اتصلاتهم الدولية بكونها عمالة للاجنبي ؟

إن المرحوم ملا مصطفى البارزاني قام بواجبه كأي زعيم يحاول تحرير شعبه ، وطرق كل الأبواب وقاتل وانتصر وخسرولم يدخر جهداً ولم يعدم وسيلة دون ان يستخدمها لتحرير شعبه ووضعه في مصاف الشعوب المتحررة لكي يقرر مصيره بنفسه .

إن النظرة المحايدة ومن باب الأنصاف ينبغي الإقرار بأن المرحوم البارزاني مصطفى هو الزعيم التاريخي للشعب الكوردي ، ومطلوب من كوردستان وشعبها ان يخلد هذا الأنسان الذي اوصل شعبه الى ما هو عليه اليوم من مكانة سياسية ودبلوماسية مرموقة في المنطقة والعالم .

اقول :

إن القائد الكوردي المرحوم ملا مصطفى البارزاني قد وضع الحجر الأساسي لأقامة (دولة) كوردية معاصرة ، وأقول لجيل الشباب وهم يستخدمون اليوم شبكة الأنترنيت ويتصلون ويبادلون الرسائل عبر الموبايلات ويركبون السيارات الجميلة الفارهة ، ويلبسون الملابس الجميلة الفاخرة , ويعيشون في البيوت الجميلة ويحصلون على جواز سفر فيسافروا من اجل التجارة او الدراسة او السياحة ، ينبغي ان يعلم هؤلاء الشباب ان هذا الواقع وهذه السعادة والرفاهية والأبهة يقف وراءها رعيل مضحي من جيل آبائه ، يدعون بيشمركة ، لهم بنادق قديمة ويحاربون بحماية جبال شماء ولهم قائد كوردي محنك اسمه ملا مصطفى البارزاني ، هؤلاء قاتلوا وضحوا بنكرن ذات كبير وتمكنوا خلال سنين طويلة من النضال ان يضعوا اللبنة الأولى في تأسيس كيان ( دولة ) كوردستان .

والأنصاف والوفاء يقتضيان تخليد الشهداء والمضحين وفي المقدمة ينبغي تخليد قائد تلك المسيرة الطويلة وهو البارزاني مصطفى .

حبيب تومي / القوش في 09 / 03 / 12

You may also like...