الفساد في اقليم كوردستان وآليات المعالجة كتاب قرأته وأقدمه للقارئ

محمد صالح آميدي مؤلف ومعد كتاب الفساد في اقليم كوردستان وآليات المعالجة اهداني مشكوراً نسخة منه ، وقرأت في متن الكتاب افكاراً جريئة وتشخيص دقيق مفعمة بنقد بناء ، ولقد افتتح كتابه بقول نابليون بونابرت : اعطني قليلاً من الشرفاء احطم جيشاً من اللصوص والمفسدين .

في الفصل الأول يتطرق الى بطولات الشعب الكوردي ومعاناته وتحمله عمليات البطش والملاحقات والسجون والأرهاب .. ويشير المؤلف الى من تعاون مع السلطات الحكومية مرغماً ، نظراً لالتحاق ابنائه او أشقائه بالبيشمركة فيضطر الى مسايرة السلطات للنجاة من انتقامها ، لكن الى جانب ذلك يشير المؤلف الى وجود من كان يحمل بندقية الثورة واسمه بيشمركة ، إلا انه كان جاسوساً ومرتبطاً بالأجهزة الأمنية لنظام صدام وتتلقى عائلته راتباً شهرياً من دوائر الأمن او الأستخبارات .

يرى مؤلف الكتاب انه من الضروري تقييم ما تم انجازه في الأقليم ، وفي عين الوقت ينبغي تقييم التجربة بشكل محايد ومستقل وفرز الأيجابي من السلبي بدون رتوش او إضافات او انتقادات هدامة ولاذعة . وفي البداية يشير المؤلف على الأنجازات منها على المستوى القومي ، وعلى مستوى تحقيق الأستقرار ، ورفع المستوى المعاشي لابناء الأقليم وغيرها من الأنجازات .

ان الكاتب الجليل يورد في بحثه الضمانات القانونية للاقليات والمذاهب الدينية ، وهو يورد الفقرة التالية ص30 يقول :

إن حكومة الأقليم منذ تأسيسها في اليوم الأول بدأت بتأمين حقوق الجماعات والأقليات والأثنيات في الأقليم ، فتم ممارسة المراسيم الدينية لجميع المسيحيين وبحرية كاملة .. كما ان سلطات الأقليم قد وضعت كودا للتمثيل البرلماني لنواب المسيحيين والتركمان والأرمن .. هذه الضمانات لأبناء الأقليات القومية في كوردستان تعتبر ممارسة انسانية يستوجب دعمها وأسنادها . ودليل واضح على المسيرة الديمقراطية للاقليم .

شخصياً اخالف الكاتب الجليل في ما ذهب اليه ، فإن اقليم كوردستان لم يضمن الحقوق القومية للشعب الكلداني ، فالمادة التي كانت تضمن حقوق الشعب الكلداني بشكل صريح وكانت متطابقة مع ما هو وارد في المادة 125 من الدستور العراقي الفيدرالي حيث كانت القومية الكلدانية مذكورة بشكل مستقل وصريح ، فقد جرى تغيير تلك المادة ، فقد ورد في المادة25 ( بأن الدستور يضمن الحقوق القومية والثقافية والإدراية للتركمان ، العرب ، الكلدان السريان الآشوريين ، الأرمن بما فيها الحكم الذاتي .. ) إنه إجحاف واضح بحق مكون اصيل وهو الشعب الكلداني وتناقض صريح مع الدستور العراقي الذي يذكر القومية الكلدانية كمكون عراقي اصيل ، اجل ان القومية الكلدانية تحتل المركز الثالث في الخارطة القومية العراقية ، وإن الأقليم قد همش واهمل وجود هذه القومية في مسودة دستوره وهذا لا ينسجم مع نهج الأقليم في منح الحقوق القومية لكل المكونات الكوردستانية بمفهومي العدالة والمساواة . ونأمل من رئاسة الأقليم وبرلمانه وشعبه ان يصار الى تصليح هذا الخطأ وإزالة هذا الإجحاف بحق الشعب الكلداني صديق الشعب الكوردي الذي وقف الى جانبه ايام محنته .

ينتقل المؤلف الى ظاهرة الفساد وانتشارها في اكثرية المجتمعات كونها متلازمة مع النظم الأدارية وسلوك الفرد الذي ينحرف ويتخذ المنحى الذي يخدم مصلحته وينتفع من مركزه ويفضلها على المصلحة العامة ، وفي الموسوعة الدولية للعلوم الأجتماعية بأن الفساد هو سوء استخدام النفوذ لتحقيق ارباح خاصة ، اما تعريف الفساد فيرى المؤلف انه مرتبط بالمجال الذي نحن بصدده ، فثمة الفساد الأدراي حين تعلق الأمر بالعمل الأداري او الفساد المالي عند ارتباطه بالأختلاس والرشاوي المالية ، والفساد السياسي عند ارتباطه بطبقة رجال السياسة والأدارت العليا ، والفساد الأخلاقي حين ارتباطه بمنظومة القيم الأخلاقية في المجتمع .. الخ

ويتطرق الكاتب الى البيئة او الظروف الملائمة لتفشي الفساد ويشخص الأسباب ومنها البنى الحكومية المتناحرة ، وتركيز السلطة بيد مجموعة سواء كانت منتخبة او غير منتخبة ، وغياب الديمقراطية او عجزها ، وضعف القوانين الإدارية ، وغياب الشفافية في السياسة المالية وغيرها من العوامل .

وفي تصنيف انواع الفساد يبقى الكاتب في الفساد السياسي ويركز على مسالة الأحزاب الكوردية وبشكل خاص الحزبين الكورديين الرئيسسين ( اواك وحدك) فيقول الكاتب ص120 ان الحزبين يمارسان التجارة والمقاولات والدخول في المناقصات وشراء المرافق العامة والمعامل الحكومية وبأسعار زهيدة وذلك بواسطة مجموعة شركات مؤسسة في بغداد وأربيل والسليمانية ..

ويقول الكاتب في ص122 ان الحزب هو حزب سياسي يناضل من اجل الوصول الى الحكم بالطرق المرسومة في قانون الأحزاب ، فلا يجوز للحزب ان يمارس التجارة ويكون له شركات ويدخل في المضاربات المالية والعقارية وبهذا الصدد يؤكد المؤلف على القول :

علينا ان ندرك ان القانون وأحكامه هو افضل وأرقى وأعلى وأسمى من الحزب ونظامه الداخلي ، لأن القانون يستند على إرادة الشعب كله اما الحزب فيستند على إرادة أعضائه او مسؤوليه فقط .. فإذا واجهنا تناقضاً بين اوامر الأثنين علينا ان ننفذ احكام القانون ونترك اوامر الحزب جانباً .. وإذا فعلنا العكس فإننا ارتكبنا فعلاً يعد جزءاً لا يتجزأ من الفساد السياسي .

في معرض انتقادات الكاتب لبعض المظاهر السلبية في اقليم كوردستان منها استثمار المال العام في الحملات الأنتخابية وظاهرة الأحتكار الأقتصادي وتزوير الانتخابات  والتدخل الحزبي في شؤون الجامعات والمؤسسات العلمية وظاهرة وجود المقرات والمنظمات الحزبية في المناطق السكنية .. كما ويشخص المؤلف مسألة مراقبة وأنصات المكالمات الهاتفية وشبكات الأنترنيت .

إن المادة 61 من مشروع دستور اقليم كوردستان يكفل حرية الأتصالات والمراسلات البريدية دون رقابة ، لكن المؤلف يستدرك هنا ، في حالة وجود خطر الأرهاب وإن الأجهزة الأمنية في الأقليم تتحسس بأن هنالك نشاطاً ارهابياً محموماً تهدف تنفيذ اعمال أرهابية او إدخال مواد محرمة الى الأقليم مثل تجارة المخدرات او القيام بجريمة وعينة .. وتشك الأجهزة الأمنية بتحركات بعض الأشخاص .. فإن على السلطات الأمنية استحصال موافقة قاضي التحقيق المختص بالقضايا الأمنية بفرض الرقابة والأنصات على هواتف المشبوهين .. وبعد التوصل الى المعلومات الأمنية المطلوبة فعلى قاضي التحقيق ان يرفع عملية الأنصات فوراً ..

ينتقل المؤلف الى الفساد الإداري وهو يكتب بهذا الصدد ان اولى واجبات الحكم ايجاد ادارة صحيحة على اساس ان نجاح هذه الإدارة يعني نجاح الحكم وفساد الإدارة يعني فشل الحكم . ومن مظاهر الفساد الأدراي المحسوبية والمنسوبية والوساطة غير المشروعة وظاهرة القبول الخاص في الجامعات والمعاهد والبعثات ، والتسيب الأدراي والوظيفي وهنالك ظاهرة التعويم الوظيفي التي يقول عنها المؤلف بأنه لا نعثر على مثيل لها في جميع انظمة العالم .

فإذا تم عزل قائمقام او مدير عام او مستشار عن وظيفته ، لاسباب مختلفة فيتم تعويمه في ديوان وزارته او ديوان المحافظة .. حيث يكون رقماً من ارقام الموظفين ولا يقوم بأي واجب ، بل يقبض راتبه الشهري ونثريته ومخصصاته .. وهنا يدعو الكاتب الى تشخص حالة العزل من الوظيفة واتخاذ الأجراء اللازم بكل حالة كأن ينقل الى وظيفة مناسبة او عزله او تجميده او احالته على التقاعد وحسب ما يناسب كل حالة من الحالات المطروحة .

يتطرق المؤلف الى الفساد المالي والمراد به السلوك غير القانوني المتسبب في هدر المال العام وتحقيق منافع شخصية من وراء ذلك ، ويتمثل في مجمل الأنحرافات المالية ومخالفة احكام القواعد المالية التي تنظم سير العمل الأدراي والمالي في الدولة ومؤسساتها . ولا يفوت المؤلف ان يشير الى الموازنة المالية في اقليم كوردستان ويشير الى ثغرات الفساد المالي في ميزانية الأقليم . وفي معرض درج انواع الفساد يشير الكاتب الى الفساد القضائي ، ويورد اهمية السلطة القضائية في الدول المتحضرة كونها عماد السلطات الثلاث للدول التي اتخدت بمبدأ فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية . وفي السياق نفسه يتوصل المؤلف الى الفساد في المؤسسات التعليمية ، فمقياس تطور اي بلد يتم بمدى تطور وتحضر البلد عن طريق معاينة نظام التعليم المطبق فيه من حيث نوعية المناهج ونسبة المشاركين فيه ، ويرى المؤلف ان رسوم التسجيل غير الشرعية والغش الأكاديمي إضافة الى الدروس الخصوصية كل هذه من مظاهر الفساد وتهدد القطاع التعليمي سواء في عموم العراق او في اقليم كوردستان .

المؤلف يرى ان تفشي الفساد في الأدارة الحديثة يلحق اضرار فادحة وجسيمة بعملية التنمية الأقتصادية ، بل ان الدراسات الميدانية اثبتت ان الفساد يترك انطباعاً سيئاً على الحالة العامة للمجتمع بالأخص على المستوى الطبقي للشرائح الأجتماعية حيث يخلق هوة كبيرة بين الطبقات الأجتماعية اقتصادياً ، إضافة الى ذلك ان للفساد تأثيراته على الأوضاع السياسية داخل البلد وخارجه ايضاً ، فالعالم قد اصبح قرية كونية وإن الأعلام العالمي يراقب عن كثب وتملاء شاشات التلفاز الفضائي بصورها وحيثياتها الدقيقة ناهيك عن المنظمات الدولية التي تراقب ما يجري في العرق وفي اقليم كوردستان كون المنطقة تحت انظار المراقبين الدولين ..

المؤلف يدعو الى ترسيخ مفاهيم الأدراة الحديثة في اقليم كوردستان باعتبار الأدارة هي علم وفن ومؤهلات قيادية ومهنة لا يستطيع ان يمارسها إلا ذوو الأختصاص والخبرة ، وهذه الإدارة هي الطريق الأقوم والأنسب لعملية الأصلاح التي يروم الأقليم النهوض بها . ويرى ان الإدراة الحديثة تعتمد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، والى وضع معايير للخبرة والكفاءة الوظيفية ، والى المتابعة المستمرة لما يقوم به الموظف من واجبات ومهام ، ثم يدعو المؤلف الى الولاء الوظيفي بدلاً من الولاء الحزبي ، ومن ثم تحديد رواتب الموظفين بما يؤديه من واجب .

لا ريب ان الكاتب قد بذل جهوداً كبيرة في كتابته ، والكتاب جدير بالقراءة لا بل جدير بالدراسة لمن هو معني بشؤون وتقدم اقليم كوردستان ، وأسجل عنه بعض الملاحظات :

1 ـ ان طباعة الكتاب في اربيل يعتبر قفزة نوعية في منظومة حرية الرأي .

2 ـ الكتاب يشير بصراحة وشفافية الى الجوانب الأيجابية لكن بتركيز اكثر يشخص الجوانب السلبية في الأقليم دون ان يترك جانب من الجوانب منها  المتعلقة بالسياسة او الأقتصاد او المجتمع او الأدارة وبشكل عام في كل جوانب الحياة .

3 ـ الكتاب ذو مسحة اكاديمية رصينة مع توسع السرد والتوضيح والأمثلة .

4 ـ الكتاب معزز بجملة هوامش وإيضاحات لمصطلحات او شخصيات او حوادث مما يزيد من اهمية الكتاب وأخذ الفائدة المرجوة منه .

5 ـ برأيي المتواضع ان الكاتب قد وضع مؤسسات الأقليم على محك النقد البناء ، وليس غير ذلك فالنقد حالة ضرورية مطلوبة لأي تغيير يهدف دفع عجلة التقدم والتطور نحو الأمام .

حبيب تومي / اوسلو في 20 / 08 / 11

You may also like...