العقول النيرة تتقبل الحقائق وتنبذ الأوهام والتطرف المبني على الباطل

على هامش الجدال البيزنطي أو الجدال الذي يقال بأنه دار بين البعض قديما (هل الدجاج من البيض أم البيض من الدجاج) يجب تسليط الضوء على التسمية الآشورية من أجل المزيد من الإيضاح. كانت التسمية الآشورية في تدل على أحد الآلهة الصغيرة في بلاد بابل والذي لم يكن له شأن يذكر. فحملها عدد من الكلدان البابليون من مختلف إنتماءاتهم القبلية المؤمنين بهذا الإله. وعندما أراد البابليون الكلدان تشخيص رئيس مجلس الآلهة البابلية طلب أتباع الإله آشور أن يكون إلههم رئيسا لمجلس الآلهة البابلية، غير أن غالبية الكلدان المتمثلين بأكثر من ( 26 ) قبيلة رفضوا ذلك وقالوا: كيف يصبح إله وضيع كالإله آشور رئيسا لمجلس الآلهة البابلية؟ وإن هذا الموقع لا يليق سوى بالإله مردوخ إبن الإله آنو فحدث خلاف بين الطرفين ولما كان عبدة الإله آشور لا يمثلون سوى أقلية قياسا بالموالين للإله مردوخ تركوا بلاد بابـل (أرض شنعار) في مطلع الالف الثالث ق .م وتوجهـوا شمالا لينزلـوا فـي (شرو ــ قاط) بيـن قـوم كـان يسـمى (شوبارتو أو سوبارتـو أحيانا بحسب المصادر).

مما سبق يظهـر للجميع جليـا بأن التسـميـة (آشور) لم تكن في أي زمن تسمية عرقية لمجموعة بشرية إنما كانت تسمية دينية تدل على إله أو صنم حملها أتباع هذا الإله ومازال البعض من أبناء أمتنا يحملونها بفخر دون أن يعتمدوا العلم والمنطق والحقائق التاريخية في تبنيها، (ويجب أن نشير هنا أيضا الى عدم وجود أي فرق بين آشور وآثور قطعا لأنها التسمية ذاتها والغريب في الأمر هناك اليوم من يحاول جعل التسمية آثور تسمية مذهبية بخلاف الواقع) ليس فقط بالنسبة للعامة إنما للبعض ممن يعتبرون أنفسهم كتابا ومثقفينا، وكما هو معلوم لدى الجميع أن الكاتب والمؤرخ الذي يكتب من أجل الإيضاح أو الكشف عن الحقائق التاريخية عليه أن يلتزم بالعلمية في كتاباته ليكون لها المصداقية وبعكسه سيكون ما ينشره أو يكتبه عبارة عن هرج لا أساس له من الصحة ويتعرض الى إنتقادات ساخرة سوف لن يتمكن من الدفاع عن آرائه الباطلة لعدم وجود سند علمي على ما يدعي به.

هناك العديد والعديد من المؤرخين منهم على سبيل المثال وليس الحصر إبن المسعودي، محمد عزة دروزة، أحمد رفيق، أدي شير، جرجي زيدان، جميل المدورو، العديد من المؤرخين الأجانب من أمثال بريستيد وغيره يتفقون على كون إسم الموجة الشاملة التي توجهت شمالا الى بادية الأردن والشام وبلاد مابين النهرين (الموجة الكلدية أو الكلدانية) وتفرعت منها فروع كالآراميين، الآموريين، النبط، الآثوريين، النينويين، الأكديين، المندائيين، والأردوانيين.

البعض من هذه التفرعات حمل أسماء موقعية أو أسماء المدن التي سكنوها أو أسسوها أو أسماء آلهتهم ولكن تسميتهم العرقية أو القومية بمفهومنا الحالي هي الكلدية أو الكلدانية لذا نرى سرجون الأول (سرجون ألأكدي) الذي لقب بالتسمية الأكدية نسبة الى عاصمة الدولة التي أسسها يصف إمبراطوريته (الإمبراطورية الأكدية) بدولة الكلدان العظيمة، ومن الجدير بالذكر هنا أن الكلدان البابليين والكلدان من أتباع الإله آشور كانوا يتكلمون لغة واحدة والتي أطلق عليها بعد تأسيس الإمبراطورية الأكدية (اللغة الأكدية) وبعد خروج الكلدان من عبدة الإله آشور من بلاد بابل ونزولهم في حدود نينوى الحالية إبتعدوا عن مركز اللغة الأكدية ونتيجة التداخل الذي حصل بين لغتهم ولغات الشعوب المحيطة بهم حدث نوع من الإختلاف في لغتهم الأكدية واللغة الأكدية المركزية المتداولة في بلاد بابل وعلى ضوء ذلك أصبحت اللغة الأكدية لهجتان رئيستان، لهجة بابل ولهجة آشور وهذا أمر طبيعي يقره علم اللغة.

بعد سقوط نينوى على يد الكلدان والميديين عام 612 ق.م لم يعد هناك من يحمل التسمية الآشورية سيما بعد سقوط الإله آشور وعدم بقاء من يعبده وإنصهار هؤلاء في بوتقة بني جلدتهم الكلدان وعودتهم الى عبادة آلهة بابل الكبيرة ويعتبر أحد أسباب ذلك إن الملوك الآشوريين أو الآثوريين كانوا يعتبرون أنفسهم نواب أو وكلاء الإله آشور والآلهة الكبار عامة ويستمدون سلطتهم منذ تتويجهم وتستمر وكانوا يعتبرون قوتهم من قوة إلههم أو معبرة عنها طيلة بقائهم وإستمرار دولتهم ولكن بسقوط الدولة الآشورية كما يبدو سقط الإله آشور أيضا ولم تقم لا للدولة الآشورية ولا لإلهها قيامة بعكس الملوك البابليين الكلدان الذين كانوا يستمدون سلطتهم من الإله مردوخ سنويـا في إحتفال رأس السنة البابليـة الـذي كان يقـام فـي بابـل ولمدة (11) يوما.

وبذلك إندثرت التسمية الآشورية ولم تذكر منذ سقوط نينوى ولغاية أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بعد إبتكارها من قبل البريطانييين وفق خطة مدروسة، بإستثناء بعض الأحيان ذكرت كتسمية جغرافية أو موقعية. لدى سقوط نينوى لم يقم الجيش الكلداني بقتل أي فرد من سكان نينوى إلا من شارك في المعارك وقتل خلالها بعكس ما فعله الميديون، هذا لو إستثنينا الجنود الذين رافقوا آشور أوبلت الذي هرب الى حران للإحتماء بالجيش الفرعوني الذي كان في طريقه لإنقاذ مملكة آشور تلبية لطلب آخر ملوكها الذي لم يحالفه الحظ في وصول جيش فرعون في الوقت المناسب لنجدته. بعد وصول فرعون مصر على رأس جيش جرار الى كركميش في الشام لجأ آشور أوبلت اليه للإحتماء به، غير أن القائد الكلداني الشاب نبوخذنصرالذي كان قد إستلم قيادة الجيش من والده في تلك الأيام وعمره (25) سنة لم يمهله فشن هجوما كاسحا على كركميش وبعد قتال دامي لم يكن له مثيلا كما قيل أبيد الجيش المصري عن بكرة أبيه وهرب فرعون دون أن يلتفت خلفه مع بعض جنوده وفي هذه المعركة الدامية قتل آشور أوبلت مع من رافقه من الجند وبذلك طويت صفحة الدولة الآشورية عام 609 ق. م. والى الأبد.

خضعت المنطقة الى حدود مصر لحكم الدولة الكلدانية التي تحولت الى إمبراطورية شاسعة في عهد الملك نبوخذنصر (605 ــــ 562) ق. م. بعد سقوط الدولة الآشورية قام السبايا الكلدان أو أبنائهم وأحفادهم الذين تم سبيهم من قبل الملوك الآشوريين الذين كان تعدادهم وفق المصادر قرابة مليون نسمة والذين كانوا قد وزعوا على قرى ومناطق عديدة كبيتشبيا في منطقة الحمدانية الحالية وعلى كرمليس وألقوش ووادي زاويتة وصبنا ومناطق زاخو وخابور ومناطق متعددة من سوريا وجنوب بلاد أورارطو (تركيا الحالية) أجل قام هؤلاء ببناء تجمعات سكنية لهم كل حسب موقع إقامته. ولو تصفحنا المصادر التاريخية سوف لن نرى إنقطاعا للتسمية الكلدانية منذ ما قبل الطوفان وحتى سقوط دولتهم الأخيرة عام 539 ق. م. وبعدها ولو لمدة قرن أو نصف قرن من الزمان وهناك العشرات من المصادر بهذا الخصوص. حتى بعد خضوع البلاد للحكم الفارسي والإغريقي والفرثي والساساني ولدى ميلاد سيدنا المسيح وإنتشار المسيحية ومجيء الإسلام وحتى يومنا هذا.

وسوف لن أخوض في هذه التفاصيل تجنبا من الإطالة بإستثناء بعض الحالات المهمة جدا، فمثلا بعد سقوط الدولة الكلدانية الأخيرة تذكر المصادرالتاريخية قيام الكلدان منذعام 526 قبل الميلاد ولغاية 126 قبل الميلاد بعدة إنتفاضات ضد الفرس المحتلين وبعد خضوع بلاد بابل والعراق عامة للحكم الفارسي وإستمرار الفرس على حكم العراق حتى مجيء الإسلام، قام الفرس حملات إضطهاد كبيرة بحق المسيحيين وكان الإضطهاد الأربعيني أكبر هذه الحملات وأبشعها وأطولها مدة حيث دام أربعين عاما أي من عام 339 م لغاية عام 379 م قتل في هذا الإضطهاد عشرات الألوف من الكلدان المسيحيين وهناك من يقول فاق عدد الشهداء مئات الألوف. في هذه الفترة كان المطران ماروثا الميافرقيني قد زار البلاد متنكرا عدة مرات وجمع خلال زياراته رفاة الكثير من الشهداء وتارة كان قد جاء بصورة رسمية مبعوثا من البلاط الروماني وخلال هذه الزيارات كتب صلاة خاصة بالشهداء مازالت تتلى في الكنائس ضمن صلوات الشهداء إثناء صلوات الرمش (العصر) وينص مقطع منها على {أعظم السيد الملك، ملك السماء مع حاشيته المؤيد لجماعة المؤمنين، صدر أمر بقتل شهداء أبرار بالسيف، تعجب الكلدان ونهضوا مشيرين بأصبعهم نحو السماء قائلين: إن إله المؤمنين الذي لا يرى يخلصهم}.

هنا نلاحظ أن المطران مار ماروثا لا يذكر في صلاته سوى الكلدان معمما التسمية الكلدانية على جميع المسيحيين في البلاد من جنوبها وحتى شمالها فلم يسم المسيحيين بالآشوريين ولا بأية تسمية أخرى فقط سماهم الكلدان، ألا يعني هذا أن التسمية التي عرف بها الشعب المسيحي حينذاك كانت فقط الكلدانية دون غيرها؟ وألا يدحض هذا إدعاء البعض من أنداد الكلدان الذين يجهلون التاريخ أو يتجاهلونه بكون البابا أوجينوس الرابع هو من إبتكر التسمية الكلدانية وأطلقها على المتكثلكين من النساطرة؟.

بعد الإضطهادات التي تعرض لها الكلدان المسيحيون منذ القرون الميلادية الأولى بدأوا بالهجرة الى الشام كمرحلة أولى ومنها الى جزيرة قبرص حتى أطلق بعض الكتاب عليها بلاد المهجر الكلداني، وأصبح عدد الكلدان فيها كبيرا وبطبيعة الحال كانوا جميعهم على المذهب النسطوري لغاية أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، وخصصت رئاسة كنيسة المشرق لهؤلاء الكلدان مطرانا كان يدعى (طيمثاوس) وكان يتبعه من حيث الإدارة الكنسية نساطرة جنوب غرب تركيا ومن في بلاد الشام. لما كانت قبرص أقرب مركز نسطوري قريب من روما فكر البابا أوجيانوس أو أوجينوس الرابع في محاولة إعادة هؤلاء الى أحضان الكنيسة الأم كسابق عهدهم وفعلا أرسل البابا سنة 1444 م المطران أندراوس الدومنيكي اللاتيني الذي في جزيرة رودس الى قبرص للإلتقاء بالمطران الكلداني النسطوري مار طيمثاوس وتمكن من إقناعه بالعودة الى الكنيسة الأم فقام المطران طيمثاوس بكتابة رسالة إيمانه المستقيم وتركه النسطورية مع جميع أتباعه وأرسلها الى البابا أوجينوس الرابع بيد المطران أندراوس وحضر نفسه أي (مار طيمثاوس) المجمع اللاتراني الذي عقد سنة 1445 مع مجموعـة مـن أتباعـه، وهناك قابـل البابا وتليـت رسالته في المجمع من قبل البابا والتي جاء في مقدمتها (أنا طيمثاوس الكلداني مطران النساطرة الذين في قبرص وأطرافها …..) والتكملة تنص على عودته الى أحضان الكنيسة الكاثوليكية الأم والولاء لكرسي مار بطرس أي للبابا وتركه النسطورية، فقال البابــا في معـرض حديثـه وطيمثاوس الذي بينكم عاد الى الكنيسة الأم عليه لا يطلق عليه وعلى أتباعه من الآن فصاعدا النساطرة بل (كلدانا) ولم يقل كاثوليكيا لأنه كان قد أعلن تكثلكه والذي كان بيت القصيد في المجمع، وكان البابا قد أخذ التسمية الكلدانية من اللقب القومي الذي ورد في رسالة المطران طيمثاوس وأطلقها عليهم نسبة الى تسمية أجدادهم القومية كما تقول المصادر ولم يبتكرها أو يخترعها كما يخترع البعض اليوم التسميات القومية.

لقد إتخذ أنداد الكلدان هذه الواقعة كقميص عثمان (كما يقول المثل العربي) وتمسكوا بها للنيل من الوجود القومي الكلداني فالبابا الروماني ربما لم يكن سابقا قد سمع بالكلدان ليفرض تسميتهم كتسمية رديفة للكاثوليك. وهنا يحق لنا أن نسأل المتشبثين بهذا الإدعاء الباطل من بني جلدتنا المنشقين، لماذا لم يطلق البابا تسمية أخرى على النساطرة المتكثلكين كالسريانية أو الآرامية أو الآثورية وإختار الكلدانية فقط ؟؟؟.

يقول الشيخ عبد الوحيد وهو مؤرخ كوردي قديم في كتابه تاريخ الكورد (ان كوردستان الحالية لم تكن تسمى بكوردستان وإنما كلدستان لغاية عام 1200 ميلادية لأن معظم شيعها أي سكانها كانوا من الكلدان وأيده في ذلك كل من الكاتبين التاريخيين إبن الصليبي وإبن الحجري ويستمر الشيخ عبد الوحيد قائلا بأن اللهجة الكرمانجية وهي أكبر اللهجات الكوردية مأخوذة من الكلدانية، وفعلا هناك مفردات كثيرة مشتركة، لكننا لم نقل ذلك يوما ولن نقول لعدم جدوة الجدال ولدرايتنا بأن شعوبا عديدة توافدت الى بلدنا بطرق شتى ولأهداف مختلفة وبعضها الآن يشاركنا الوطن، كان الكاتب الكوردي أحمد مائي قد رد على الشيخ عبد الوحيد بشدة واستهجان من منطلق التطرف حسب قناعتي، ولم يقل الشيخ عبد الوحيد بأنها كانت آشورية ولا معظم شيعها كانوا من الآشوريين؟؟؟.

يخلط البعض ممن لا معرفة لديهم بين زمن البطريرك يوحنا سولاقا 1553 م وبين المطران طيمثاوس القبرصي الكلداني 1445م علما بأن بينهما فارق زمني تجاوز المائة عام. والبطريرك يوحنا سولاقا الذي كان راهبا في دير الربان هرمز رشحه الشعب الكلداني وطلب منه الذهاب الى روما لينصب بطريركا بدلا من البطريرك مارشعون الذي في القوش وفي إجتماع للعديد من السادة المطارنة من مختلف الأبرشيات إنتخبوه وأصروا على ذهابه الى روما لينصب بطريركا إحتجاجا على قرار مارشمعون الباصيدي ومارشمعون برماما لتطبيقهما مبدأ الوراثة في البطريركية وحصرها في عائلة واحدة بغض النظر عن الكفاءة والعمر. بعد أن وصل يوحنا سولاقا الى روما وأختبر لمعرفة مدى صلاحيته تمـت رسامتـه وعاد ليؤسس كرسـي البطريركية الكلدانيـة فـي آمـد (دياربكر) ولم يعد الى الموصل أو ألقوش تجنبا من المكائد والمشاكل. لكنه لم يعلم بأنه سيكون ضحية لها حتى في آمد. إن وجود يوحنا سولاقا على السدة البطريركية أرهب البطريرك شمعون برماما فقام بإرسال مبلغ عشرة آلاف دينار الى امير العمادية وطلب منه إرسال مبعوث عنه الى يوحنا سولاقا ليزور القرى الكلدانية في الإمارة وعندما يصل الى المنطقة يقوم الأمير بقتله، هذا كان الإتفاق الذي عقده البطريرك شمعون برماما مع أمير العمادية. كان البطريرك الكلداني قد أكد لمبعوث أمير العمادية بأنه سوف يزور الكلدان في الإمارة حال إتمامه بعض الرسامات الخاصة بالمطارنة الجدد والقسس وتنظيم أمور بطريركيته.

في عام 1555 م توجه البطريرك يوحنا سولاقا الى إمارة العمادية لزيارة الكلدان في الإمارة رغم كونهم نساطرة، ولدى إقترابه من منطقة العمادية ألقي القبض عليه من قبل رجال أمير أو باشا العمادية وأودع السجن مع التعذيب لمدة أربعة أشهر ثم أخرج وقتل وألقي جثمانه في النهر شرق العمادية وبث رجالات الباشا بأن البطريرك هرب من السجن، والمفاد من هذا أن القرى الواقعة ضمن حدود إمارة العمادية كانت جميعها تحمل التسمية الكلدانية حينذاك ولم يكن هناك لا في منطقة زاخو ولا في برواري بالا ولا في منطقة صبنا ولا في هكاري أو في غيرها من الأماكن من يدعي بالآشورية ؟؟؟. نعم ذكرت بعض المصادر التسمية الآثورية سواء كنسية كانت أم غير كنسية ولكنها جاءت كتسمية موقعية جغرافية ليس إلا، وأحيانا ترجمت التسمية النسطورية الى (آثورية) بعد الحرب العالمية الأولى سواء عن براءة أو تعمد.

ولكن الحقيقة يجب أن تقال بأن التسمية الآشورية أو الآثورية لم يرد لها ذكر منذ سقوط نينوى عام 612 قبل الميلاد ولغاية مطلع القرن العشرين الميلادي وهذا أيضا بفعل الإنكليز كما سأبينه أدناه .

كثف البروتستانت والإنكليكان بعثاتهم التبشيرية منذ منتصف القرن التاسع عشر بهدفين، الأول سياسي إستعماري والآخر ديني لمنافسة البعثات الكاثوليكية، أنا هنا سأركز على البعثة الإنكليكانية التي كانت لها نتائج سلبية على كياننا القومي الكلداني الى أبعد الحدود وأدت الى إنقسام الكلدان وبفعل متعمد، لقد لاحظ الأوربيون أن الدولة العثمانية في طريقها الى السقوط ومن ثم خروج الشعوب الخاضعة لسيطرتها الى الإنفصال والخروج عن طاعتها فأرادت كل دولة إستعمارية أن يكون لها حصة في أراضي الدولة العثمانية التي على وشك الإنهيار ورأت بعض هذه الدول أن خير مدخل لتحقيق هذا الهدف كان المدخل الديني وبحجة حماية المسيحيين، فأوفدت بريطانيا وفدا برئاسة ويكرام أطلق عليه وفد رئيس أساقفة كنيسة كنتربري ليكون له غطاء دينيا وليس مخابراتيا وسياسيا، وكانت الحكومة البريطانية قد إختارت أكثر المناطق توترا بالنسبة للمسيحيين وهي منطقة هكاري حيث كان النساطرة الكلدان قد إستقروا. لقد وصل وفد ويكرام الى المنطقة في سنة 1884 م، وبدأ بتقديم الخدمات للسكان في المجال الطبي والتعليمي وخصصت بريطانيا من خلال وفدها مبلغا قدره (7000) جونيه إسترليني كموازنة سنوية للبطريركية الشمعونية وكان هذا مبلغا كبيرا لا يستهان به في تلك الفترة من أجل كسب ود هؤلاء البسطاء ليتعاونوا لاحقا مع البريطانيين سيما أن الروس القيصريين المتواجدين هناك حينذاك لم يحققوا مطاليب النساطرة الكلدان كما كان مطلوبا والإرسالية الدومنيكية الكاثوليكية الى تلك المنطقة كانت بطيئة العمل وذات إمكانيات محدودة وكان هدفها دينيا مذهبيا فقط، فشرع الوفد الإنكليكاني ببث شتى أنواع الدعايات بين هؤلاء الناس، منها أن البلاط الملكي البريطاني يفكر في محنة هؤلاء المسيحيين ليل نهار وفي كيفية إنقاذهم من ظلم المسلمين المحيطين بهم، وفي الفترة ذاتها كان البريطاني لايارد يقوم بأعمال التنقيب في أطراف نينوى بمساعدة العراقي هرمز رسام.

لقد فاتح الوفد الإنكليكاني مار شمعون وبعض القيادات العشائرية لهؤلاء الكلدان النساطرة بأمر في غاية الخطورة والأهمية، إذ أخبروهم بأن الحكومة البريطانية إذا تأكدت من إخلاصكم لها وتعاونكم معها ستؤسس لكم دولة قومية ولكن ليس تحت التسمية الدينية النسطورية لأنها تسمية مذهبية ولا تحت التسمية الكلدانية لانها تسمية يحملها الكثير من الكاثوليك في العراق وهم يحقدون عليكم وأعداء لكم وهم أيضا أكثر ولاء لفرنسا من بريطانيا، ففكروا في تسمية أخرى تقـوم بريطانيا بإنشاء وطن قومي لكم تحـت مظلتهـا (بطبيعة الحال كانت الطبخة الخادعة مجهزة في أروقة البلاط البريطاني قبل مجيء الوفد).

قال البطريرك الشيخ مار روبيل أو مار روبين كما ذكرته بعض المصادر قد أخبر الوفد بأن تسميتهم هي كذلك أي (الكلدان النساطرة) وإن جميع المحيطين بهم يعرفونهم بهذا الإسم وكذلك جميع الأجانب الذين زاروهم ويزورونهم يدعونهم بالكلدان النساطرة، فكيف يغيرونها؟ فقال لهم هؤلاء المحتالين الدهاة، من أجل خلاصكم من المآسي والمحن ومن أجل تحقيق هذا الحلم يمكنكم فعل أي شيء.

الحق يقال كانت المظالم التي ترتكب بحق بني جلدتنا هناك أكبر من أن تحتمل، وكم من مجموعة بشرية أو فئة أو حتى شعب غير دينه وقوميته تحت ظل الظلم والإضطهاد! ففكر هؤلاء المساكين في أي قرار يتخذونه دون أن يعلموا بأن العرض البريطاني لم يكن سوى حيلة محبوكة لم يكن بإمكانهم بلوغ أغوارها. إتفق بعض رؤساء قبائلهم على الطروح البريطاني وتمكنوا من إقناع مارشمعون أيضا وأخبروا البريطانيين بأنهم على إستعداد لتنفيذ كل ما يطلبونه فقط من أجل إنقاذهم من محنهم وقالوا لهم ولكن أية تسمية تريدوننا حملها؟ فقال الدجالون لو عرفتم التاريخ لعلمتم بأنه كان هناك شعب يحكم هذه البلدان لمئات السنين كان إسمه الشعب الآشوري أو الآثوري فقولوا نحن أحفاد ذلك الشعب، سيما هناك أحد الآثاريين البريطانيين الذي يقوم بالتنقيب عن آثار ذلك الشعب وملوكه قد إكتشف قصر أحد ملوكه والكثير من الآثار الخاصة به.

فما كان من هؤلاء البسطاء المخدوعين سوى الموافقة ولم تمض أياما حتى سخرت جميع وسائل الإعلام البريطانية لنشر خبرمفاده (لم يكن الإنجاز العلمي والآثاري التاريخي قيام علماء بريطانيا بالكشف عن آثار الملوك الآشوريين فقط وإنما إكتشفنا بقايا هذا الشعب في شمال بلاد النهرين في منطقة هكاري وأطراف وان).

لقد نشر الخبر في عموم أوربا وإستمرت إعادة النشر أشهرا من أجل ترسيخه. وكان هذا أول وأخطر إنشقاق في صفوف الأمة الكلدانية بفعل هؤلاء المستعمرين.

لم يكن مار شمعون وجميع رؤساء قبائل الكلدان النساطرة على تلك الدرجة من السذاجة طوال عمرهم إذ من خلال الممارسات اليومية لوفد ويكرام كانوا يشككون في نواياهم، لذا نرى مار شمعون يطلب من البطريرك الكلداني في الموصل المجيء الى قوجانس لعقد إجتماع لتوحيد الصفوف لأن الأجانب الموجودين في ديارهم لا يحملون نوايا صافية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه أي مار شمعون لم يكن بإستطاعته السفر الى الموصل لكبر سنه، لذا لبى البطريرك الكلداني طلبه فتوجه الى هكاري سنة 1897م ولكن عندما وصل حال الوفد البريطاني دون إجتماعه مع مار شمعون فعاد الى الموصل دون أن يحقق شيئا.

وفي عام 1903 قام البطريرك مار شمعون بإرسال شقيقه المطران إبراهيم ونمرود أفندي كما تذكره بعض المصادر الى الموصل للتباحث في توحيد الصفوف غير أن البريطانيين علموا بذلك، وبينما كان الوفد المار شمعوني في الموصل يتهيأ للإلتقاء بالجانب الكلداني الكاثوليكي، وصله نبأ وفاة مارشمعون فعاد مسرعا الى هكاري لأن المطران إبراهيم كان المرشح للبطريركية ابعد البطريرك المتوفي، وهنا من حق بعض المصادر التاريخية التشكيك في كيفية وفاة مارشمعون، إذ هناك من يقول بأنه مات مسموما علي يد الإنكليز بسبب أفكاره التوحيدية التي كانت تهدد الخطط البريطانية، لذا نرى هؤلاء الدجالين الإنكليز يسرعون لجلب مطران شمدين صاحب الصلاحية الوحيد في رسامة البطاركة لغرض رسامة بنيامين الذي كان هو الآخر قد نذر لهذا الغرض بطريركا قبل وصول المطران إبراهيم.

وكان للآنسة سورما دورا في هذه الأحداث كلها لأنها كانت الأكثر تعاونا مع الجانب الإنكليزي من الجميع. لما وصل المطران إبراهيم الى قوجانس وجد بأن كل شيء قد إنتهى فما كان إلا الخضوع للأمر الواقع خوفا من الإنشقاق. رغم الوعود التي قطعها البريطانيون إلا أنهم لم ينفذوا منها شيئا ولم يحموا هؤلاء المسيحيين لذا نراهم يترضون لحملات أكثر عنفا فما كان منهم سوى الهرب بإتجاه ايران الى أورمية (رضائية) للإحتماء بالجيش الروسي، وقتل في هذه الفترة الألوف منهم. بعد بداية الحرب العالمية الأولى وهروبهم الى ايران تضاعفت مآسيهم وإزداد عدد أعدائهم. وبعد الثورة البلشفية في روسيا سحبت روسيا قواتها من شرق تركيا وشمال غرب ايران.

وبقي الكلدان النساطرة وبقية المسيحيين دون حماية فعمت المحن والمآسي وأصبحوا فريسة مستهدفة من قبل الفرس والترك والعشائر الكوردية ليس فقط الموالية للدولة العثمانية وإنما التي في ايران أيضا، كانت الأمور جميعها الدينية والدنيوية بيد مار شمعون بنيامين كأسلافه.

ولما ضاق ذرعا وفي لقاء له مع الوكيل البطريركي القس بطرس نصري الكلداني لم يتمكن مار شمعون من كبت ما في داخله بعد أن ثبت له بأن الأجانب وفي مقدمتهم الإنكليز يخدعونهم ولا يهمهم أمر المسيحيين، فقال للقس بطرس نصري كان علينا أن نتوحد مع ونسمع كلام بطريرككم وليس وعود الإنكليز الكاذبة وأعدك بأنني سأسعى الى ذلك بعد إنتهاء الحرب شرط أن تعدني بزيارة لقداسة البابا، فوعده بذلك، لكن الإنكليز كما يبدو كانوا يراقبون مار شمعون ويرصدون جميع تحركاته كسلفه، فدبروا مكيدة له عن طريق المستر كريس الذي كان يمثل المخابرات البريطانية هناك فوضع الخطة مع إسماعيل آغا الشكاكي لقتله في إجتماع يعقد بين الطرفين بتخطيط من مستر كريس ذاته وفعلا تم ذلك في كونه شهر عام 1918 م فقام الأنكليز بترحيلهم الى العراق وإسكانهم في مخيم في بعقوبة مع (15000) من الأرمن الذين أسكن بعضهم ممن رفض العودة الى ايران في مخيم قرب البصرة، ومن الجدير بالذكر قام الإنكليز بتسجيل هؤلاء المرحلين في قوات الليفي أي (القوة المشكلة من المرتزقة والتي كانت تضع على رأسها الريش الملون رمزا لها) وما زال بنو جلدتنا يفتخرون بالريش الذي جعلوه جزءا من أزيائهم ويفتخرون به بدلا من إحتقاره، لدلالته على الإرتزاق والعمالة.

في هذا المخيم نصبوا مار إيشايا بطريركا عليهم بدلا من البطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين، كان البطريرك المنصوب صغير السن فأصبحت سورما خاتون الآمر والناهي. تم نقل بعض سكان مخيم بعقوبة الى مخيم جسر مندان شرق جبل مقلوب الذي يقع شرق الموصل والبعض الاخر الى مخيم في الحبانية. رغم كل المحن التي تعرض لها هؤلاء على يد الإنكليز إلا أنهم لم يتعضوا منها، فعندما نقل بعضهم الى المخيم أعلاه شرق الموصل قال لهم الإنكليز من هنا والى موطنكم الأصلي وغربا الى زاخو سيصبح وطنا لكم لو حررتموه. وجهزوهم ببعض الأسلحة فقاد آغا بطرس العمليات دون أن يفكر بمن سيحمي الأرض التي يحررها وكل ما تحت أمرته لا يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل. ورغم ذلك زحف شمالا وسيطر على مواقع عديدة دون أن يتمسك جيشه بالأرض التي حررها، قامت سورما خاتون بزيارة المخيم وإجتمعت مع رؤساء عشائرهم وحرضتهم على سحب أبناء عشائرهم من تحت أمرة أغا بطرس لأنها كانت تكرهه وتنعته دوما بالبابايا لأنه كان كاثوليكيا، وفعلا تم سحب جميع الأفراد من تلك العشائر الذين كانوا معه. فلم يجد حواليه سوى أبناء عشيرته والمقربين منه فعاد خائبا، وكانت سورما قد إتفقت مع الأنكليز لإلقاء القبض عليه ومن ثم نفييه الى فرنسا وفعلا تم ذلك ومات في منفاه.

بعد فترة من الزمن قامت سورما بزيارة للبطريرك يوسف عمانوئيل الثاني وطلبت منه الموافقة على توحيد الصفوف فقال لها البطريرك متى وقفنا نحن في طريق الوحدة ألم يأتي البطريرك سبقني الى أشيثا للإجتماع مع غبطة البطريرك مارشمعون سنة 1897م وحال الإنكليز دون إجتماعهما ومن ثم الم نفتح الباب أمام المطران مار إبراهيم الذي زارنا في الموصل لكنه رجع فورا الى قوجانس بسبب وفاة مار شمعون روبيل وماتزال الأبواب مفتوحة أمامكم فمتى ما شاء مار شمعون والسادة المطارنة نحن على إستعداد لإستقبالهم.

فقالت الآنسة سورما سيدي إن الوحدة التي أنشدها أنا هي أن نتوحد جميعا تحت التسمية الآثورية ونضع أيدينا بأيد الإنكليز ليقيموا لنا دولة قومية. فأجابها البطريرك هل جاء الإنكليز من أجلكم وليؤسسوا لكم دولة تحت التسمية التي تقترحينها علينا، ألم تتعضوا من المصائب التي عانيتم منها بعد حلول هؤلاء في دياركم؟ إننا على علم بأن الإنكليز جاءوا لتحقيق مصالحهم الخاصة وليس من أجلكم لذا فنحن من غير الممكن ان نصدق أقاويلهم ونخون شعبنا ووطننا، فخرجت سورما خاتون خائبة وفي اليوم التالي رفعت تقريرها الى المسؤول البريطاني عن البطريرك الكلداني، فقام الإنكليز برميه في الصحراء الغربية ظنا منهم بأنه سيموت هناك جوعا وعطشا أو تفتك به الذئاب، لكن القدرة الإلهية لعبت دورها إذ بعد سير طويل لاقاه إعرابي وهو بزيه الرسمي بهرب الإعرابي خوفا وراح يستنجد بجماعته مبلغا أياهم بأنه وجد كائنا غريبا في الصحراء لا يعرف هل هو رب العالمين أم عزرائيل فجاء العرب يتقدمهم كبير القوم، وعرف أنه رجل دين مسيحي فإستضافه ومن ثم أوصله الى بغداد.

بعد يوم أو يومين تفاجأ الإنكليز بعودة البطريرك الكلداني الى بغداد حيا، فقرر المندوب البريطاني نفيه الى الهند وبقي في منفاه فترة من الزمن رغم توسط فرنسا وإيطاليا والدول الكاثوليكية الأخرى، لكن بريطانيا رفضت إعادته الى العراق فإضطر البابا الى نقله الى الفاتيكان لحين إتاحة الفرصة لإعادته الى العراق وتم ذلك بعد فترة بعد موافقة الإنكليز.

ترى أمام هذه الأحداث والحقائق الدامغة أية تسمية هي الأصل والأصح وأية تسمية لها مدلول عرقي أو ديني. وأيتهما هي تسميتنا القومية الحقيقية. وهل يقبل عاقل بتسمية لم يرد لها ذكر لمدة (25 ) قرنا أي (2500) سنة لتظهر الى الوجود فجأة.

You may also like...