العدالة المثلومة في الدولة العراقية

على امتداد العصور كان الشعب الكلداني الأبرز بين شعوب بلاد ما بين النهرين الأصليين، والمساهم الأكبر في وضع أسس الحضارة الرافدية، الشعب العريق في تاريخ البشرية، الشعب الذي قارن ظواهر السماء بتطورات الأرض، وبفضل هذه المقارنة حدد السنوات وفصل الأشهر وعدد الأسابيع، وعين الأيام ووزع الساعات، أدرك العلاقة الإجتماعية بين الإنسان وأخيه والعلاقة الكونية بين الخالق ومخلوقاته، وكانت له آخر سيادةٍ مطلقة على بلاد وادي الرافدين وجعل مجمل بلدان الشرق الأوسط تابعة لبلاده حتى سقوط صولجان حكمه عام 539 قبل الميلاد على أيدي الأخمينيين .

 
وما إن انبلج فجر المسيحية حتى تعددت كنائس هذا الشعب الوحيد الباقي من الشعوب الأصيلة التي طالها الزوال والإنقراض كالشعب السومري والأكدي والآشوري، وتكاثرت مناسك أبنائه وانتشرت الأديرة والمدارس والمعاهد في مختلف بقاع وادي الرافدين، ثم ينتشر الإسلام وتبرزعاصمة الخلافة بغداد فتبادر الى استقطاب عناصر المدنية ويستجيب أبناء الشعب الكلداني والى جانبهم العديد من إخوتهم الآراميين ليكون لهم قصب السبق والسهم الأوفر في توطيد الحضارة العربية الإسلامية علماً وفكراً وثقافة متبارين في نقل العلوم الفلسفية والطبيعية والإلهية من اليونانية الى لغتهم الكلدانية الآرامية ومنها الى العربية .

تُرى، أيكون جزاءُ أحفاد هذا الشعب وبعد التحرر من الديكتاتورية التهميشَ والحرمانَ من المشاركة في العملية السياسية لبلدهم الأصيل العراق؟ هذا هو الوفاء لأسلافهم الأقدمين ثم الأقربين الذين ساهموا منذ العهد العباسي ومروراً بالعهد العثماني بانشاء المدارس والأديرة والكنائس، مواكبين المسيرة العلمية حتى يومنا هذا؟ وبعد كُلِّ ما تعرَّض له الشعب الكلداني من قتل وترهيب وابتزاز وتهجير منذ 2003 وحتى اليوم، يُقرر أولياء الأمر بـدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس القائمة العراقية الذي تولى رئاسة مجلس تنسيق السياسات، تنحية العنصر الكلداني من المشاركة في الحكومة العراقية؟ ألا يدل ذلك وبوضوح أنهم يقولون للكلدان لا مكان لكم في الدولة العراقية بل لا مكان لكم في العراق، وعليكم الإستمرار في الهجرة؟

مَن مِن الأقليات الأخرى أكثر وأخلص وطنية للعراق؟ لماذا الإجحاف بحق الكلدان من دون كُلِّ الأطياف العراقية الأخرى؟ ألم يُعرب الكلدان وبكل صراحة لكلِّ المسؤولين من العرب والأكراد بأنهم لا يقبلون أن يمثلهم الغرباء عن قوميتهم؟ نحن الكلدان نعلم بأن ما تسمى بالأحزاب الآشورية لها دور جائر في إلغاء دور الكلدان وهو دور قذر وغير شريف، وقد تسلقوا باسم الكلدان زوراً! وإني أسأل الرئاسات الثلاث الدولة والحكومة والبرلمان، بالله عليكم ألا تعلمون علم اليقين بأن الكلدان يمثلون نسبة 80 % ممن يدعون أنفسهم آشوريين وسريان وهما طائفتان خارجتان من صلب الكلدان؟ لماذا كُلُّ هذا التنكر للكلدان؟ ألا يبدو أن العدالة مثلومة لديكم أيها السادة المحترمون؟

والسؤال الأخير اوجهه الى الإخوة المسؤولين من العرب الشيعة والأكراد، أما عانيتم الكثير من الأنظمة السابقة؟ ألم تكونوا مظلومين؟ فهل زوال الظلم عنكم جعلكم تنقلبون الى ظالمين ولمكون واحد فقط من مكونات العراق وهو المكون الكلداني الأصيل؟ كيف وافقتم على التصرفات الجائرة التي دبَّرها المكون المسمى بالآشوري زوراً ضـدَّ الكلدان؟ ألم تستجيبوا لمطالبه بقلبكم الكوتا القومية للكلدان الى الكوتا المسيحية وبذلك ساعدتموه لمزاولة الغش في الإنتخابات التي أدَّت الى خسارة الكلدان؟ إنها لمصيبة كبرى أيها السادة ولا أعتقد أنكم ستقومون بتقويمها وإعادة ما سلب من الكلدان، فهل ستقومون بما سوف نعتبره سابقة محمودة!!!

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *