العالم العربي والاسلامي، السجن الاكبر والاخير للشعوب


من يوم أقدمت فيه (لجنة تصفية الاستعمار) التي شكلتها الامم المتحدة UN في مطلع الستينيات من القرن الماضي على تصفية النظام الاستعماري في المستعمرات، فأن الحروب بين المستعمرين وشعوب المستعمرات والتي كانت تغطي مساحة واسعة من الكرة الارضية، تراجعت الى حد كبير، وفي عام 1975 انتهت بالمرة، وحلت محلها حروب الامم المهيمنة في العالم الثالث على الشعوب والاقليات المغلوبة على أمرها. والتي ما برحت تتواصل الى الان وبالاخص في الدول العربية والاسلامية بسبب رفضها لارادة الاقليات في السيادة والاستقلال. ولقد تبين ان حروب العالم الثالث مع شعوبها المقهورة أشد هولاً وكارثية من حروب الدول الاستعمارية ضد شعوب المستعمرات في السابق، فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز الحروب الاستعمارية في الجزائر والهند واقطار الهند الصينية اصابع اليدين، في حين نجد ان حروب العالم الثالث تكاد تكون مزمنة حتى أن عمر بعضها يمتد الى 30 – 40 عاماً كالحرب الدائرة بين الكرد والترك في تركيا منذ 28 عاماً وبين الكرد والحكومات الايرانية والتي تجاوزت ال 40 عاماً. وقبل ان تنتهي الحرب الاهلية في السودان عام 2005 فان الحرب هناك امتدت نحو 50 عاماً، ومنذ اكثر من 30 عاماً فان المصادمات تتواصل بين شعب الصحراء الغربية وبين الحكومة المغربية، وكما تحكمت امم صغيرة بأمم كبيرة، كتحكم بريطانيا بالهند والبرتغال بانغولا وبلجيكا بالكونغو، فإن امما صغيرة في العالم الثالث ايضاً تحكمت باخرى اكبر منها، مثل حكم الاقلية السنية في العراق للمكونين الاجتماعيين الكبيرين، الشيعة والكرد، وفي ايران يحكم الفرس اقواماً تفوقهم عدداً، وهم الاذريون والكرد والبلوش والعرب…الخ ومثلها السودان، فالاقوام المضطهدة فيه مجتمعة تفوق العرب الحاكمين.
تقول احصائية بتواجد نحو 16 أقلية قومية ودينية ومذهبية مقهورة من افغانستان شرقاً والى المغرب وموريتانيا غرباً، وهي منطقة تقوم عليها دول عربية واسلامية حصراً، وبعض من الامم المقهورة ليست اقلية كالكرد مثلاً، هنا نعلم مدى الاضطهاد الذي تلاقيه الامم المظلومة وعلى يد تلك الدول، فمنذ عقود تتواصل الحروب والمصادمات المسلحة في تركيا وايران والسودان والعراق واليمن…الخ. ودلت ثورات (الربيع العربي) على معاناة هذه البلدان من الانقسامات القومية والطائفية الحادة بدليل ارتفاع اصوات طالبت بالفيدرالية في ليبيا وسوريا وفي العراق كذلك، وبالانفصال في اليمن الجنوبي. والدعوة الى إنصاف الامازيغ والطوارق في دول الشمال الافريقي والاقباط في مصر وشعب دارفور في السودان …الخ. وتحتل النزاعات القومية والدينية والمذهبية في الحالتين الافغانية والباكستانية مكاناً واسعاً في الاحداث هناك، ففي افغانستان يجري التنكيل باستمرار بالاقلية الشيعية في منطقة المزار الشريف، ومثله في باكستان. وعلى مدى عقود ترى العالم منشغلاً بالحروب العربية – العربية والاسلامية – الاسلامية، ويبعث بقوات حفظ السلام الى العرب والمسلمين أو يسير الجيوش لاخمادها، كما حصل في العراق وليبيا وافغانستان والصومال، وجاء الان دور البلد المسلم مالي. وقبل نحو 32 عاماً من الان فإن اكبر حربين شهدها العالم بعد الحربين العالميتين كانت ساحتها بلدان اسلاميان العراق والايران ونجد كيف ان الحرب الدائرة في افغانستان انتقلت الى جارتها الجنوبية باكستان.
والذى لا يختلف فيه اثنان، ان هذه الحروب كلفت وتكلف العالم العربي والاسلامي ثمناً باهضاً وتلحق بها خسائر فادحة بالارواح والممتلكات وما ينتج عنها من فقر وبؤس وجهل وتخلف وامراض، بحيث يمكن وضعه (العالم الاسلامي و العربي) في قائمة أشد الدول تخلفاً في جميع المجالات. كما أن هذه الحروب تحول دون بلوغ العرب والمسلمين الديموقراطية والتقدم الاجتماعي وان كانت ثمة ديموقراطية في بعض منها، فهي ناقصة أو مزيفة في اكثر الاحوال. وازاء ذلك لايمكننا إلا صياغة الرأي التالي: انه بدون تحرير الشعوب المقهورة في الدول العربية والاسلامية وتمتعها بحق تقرير المصير والاستقلال يستحيل تصور قيام انظمة ديموقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية فيها. وستظل الدول هذه مسرحاً للحروب والقلاقل وعنواناً للتخلف والجهل وامراض اخرى ما لم تعدل عن تمسكها بالوحدة القسرية وتكف عن مواصلة الضم القسري للامم والشعوب الرافضة لها.
ويساعد على تعلق العرب والمسلمين بالوحدة القسرية مع الشعوب الرازحة لنيرها ثقافة الافتخار بالماضي الاحتلالي والاستعماري لدولها وامبراطورياتها في الماضي البعيد، الامبراطوريات الاموية والعباسية والعثمانية والصفوية، فالعرب والمسلمون مازالوا يبكون على خروج اسبانيا عن سيطرتهم، ومازالوا يفتخرون باحتلالهم لاراض تمتد من غرب الصين الى جنوب فرنسا أو وصول جيوشهم الى أبواب فيينا، واذكر ان معلماً في مدرستي كان يفتخر عندما طالب قائد اسلامي الصينيين بارسال حفنة من ترابهم ليدوسها بقدميه وطفل يضع سيفه على عنقه لقاء عدم اجتياح الصين واحتلالها. ان ثقافة الافتخار باحتلال بلدان الغير والامبراطوريات البائدة يجب ان تقتلع من جذورها، من اذهان الاجيال العربية والاسلامية، فهذه الثقافة احد اسباب مواصلة احتلال الدول العربية والاسلامية لاوطان الشعوب غير المسلمة أو غير العربية والفارسية والتركية.
وتجد العرب والمسلمين الى اليوم يخلعون المشروعية على اجتياح بلدان الغير واحتلالها في الماضي البعيد، من غير أن يضعوا ببالهم ان الاجتياح والاحتلال ادى الى اراقة انهار من الدماء في تلك البلدان والى ظلم شعوبها، بالمقابل تلقاهم ينددون بالحروب الصليبية وبقادة الحملات الاحتلالية الاستعمارية من امثال تيمور لنط و هولاكو وريكاردوس قلب الاسد، وموسولوني و تشرشل..الخ وفى الوقت ذاته يقيمون تماثيل لطغاتهم الذين ساموا الشعوب اشكالاً من القهر والعذاب ويطلقون اسماءهم على المدارس والجامعات والشوارع والساحات فأبو جعفر المنصور الذي عرف باستخدامه لمنتهى القسوة بحق معارضيه والشعوب الى درجة انه أوصى قبل مماته بحفر (100) قبر له كي لا يهتدى اليه معارضوه ويخرجوه من القبر جزاء ما اقترفه من اثام بحقهم. لقد اقاموا نصباً تذكارياً له ببغداد قبل اعوام، وبعد سقوط نظام البعث في 9-3-2003 اقيم تمثال للزعيم عبدالكريم قاسم في تحد ظاهر للشعب الكردي وكل العناصر الديموقراطية والقومية في العراق من الذين ظلم الزعيم بحقهم ، وإذا بقيت اوضاع العراق على حالها فليس ببعيد حلول يوم نرى فيه نصباً تذكارياً لصدام حسين.
ان على العرب والمسلمين ان ارادوا التقدم ببلدانهم، ان ينبذوا ماضي امبراطورياتهم واجتياحات جيوشهم لبلدان الغير ويثقفوا أولادهم واحفادهم بهذا الاتجاه، وكما يدينون ويشجبون ظلم المحتلين الاوروبيين والاسيويين بحقهم.
وعلى امتداد القرن الماضي وفي فترات منه، انهارت امبراطوريات وانهارت معها سجونها وتحررت شعوب كانت تخضع لها، ولقد كان اسقاط الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى لصالح المعذبين الذين احتلت تلك الامبراطورية بلدانهم. وتحررت عشرات البلدان والشعوب منها. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية ايضاً، تم تحرير العديد من الشعوب من الاحتلال النازي والفاشي، أما في مطلع الستينيات من القرن الماضي كما ذكرنا، فلقد نزل المستعمرون الغربيون عند قرار UN ولجنتها المذكورة، وغادروا المستعمرات بعد أن تركوها لشعوبها. وفي مطلع العقد التاسع من القرن نفسه، أقدم غورباتشوف على إطلاق الحرية لشعوب جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، ومن غير أن يجبره احد على ذلك، وفي جيكوسلوفاكيا انفصل السلوفاك عن الضيك بطريقة سلمية ديموقراطية، وارغم العالم الصرب في يوغسلافيا السابقة عن التخلي عن اوطان وشعوب ادخلت قسراً في الاتحاد اليوغسلافي. ليس هذا فحسب بل احيل مرتكبو الجرائم بحق المسلمين هناك الى المحاكم الدولية في لاهاي. كما وحصل شعب ناميبيا على استقلاله من جنوب افريقيا واريتيريا من اثيوبيا. ولما كان في كل قاعدة شواذ فان اندنوسيا المسلمة اقرت باستقلال تيمور الشرقية المسيحية والسودان باستقلال جنوبه المسيحي، غير أن الحرية في البلدين المسلمين تبقى ناقصة مصلوبة ما لم تقر اندنوسيا بحرية شعب اتشي المسيحي والسودان بحرية شعب دارفور وطردظان.
وحدهم العرب والمسلمون يهابون افكار الحرية والانفصال والاستقلال كما يبدو، في وقت يتعامل اخرون باعصاب هادئة مع الدعوات الانفصالية والاستقلالية، فالكنديون مثلاً لم يقفوا حائلاً دون دعوة الكيبكيين الى الانفصال، ويواجه البريطانيون تطلعات الاسكتلنديين الانفصالية باعصاب باردة ايضاً، ودون التفكير باستخدام الجيش للحيلولة دون ما يصبوا اليه الاسكتلنديون وقل الشيء ذاته عن دعوات كاتلونيا للأنفصال عن اسبانيا.
وتكاد تكون الدول العربية والاسلامية ذات التعددية القومية والدينية والمذهبية، مبتلاة بالحروب والمعارك وقهر الكرد والبلوش والامازيغيين والطوارق والاقباط والمسيحيين والشيعة ..الخ، ما يعني ان الدول العربية والاسلامية وحدها بقيت سجناً للشعوب والامم المضطهدة، وبتحطيم هذا السجن وتحرير الشعوب القابعة فيه، فان اكبر واخر معتقل رهيب للشعوب سيزال. انذاك ستتقدم البلدان العربية والاسلامية وتلحق بركب الامم المتمدنة. وكم يكون رائعاً لو تكرر مثال غورباتشوف في القادة العرب والمسلمين ويجتمعوا ويصدروا بيان الحرية والسيادة والاستقلال للشعوب والاقوام التي تعيش في دولهم، بل واجبار هذه الشعوب والاقوام على الاستقلال والانفصال. ان ما يحصل في العالم العربي والاسلامي من حروب ومنازعات وسحق تطلعات الاقليات، بات يؤرق ويتعب العالم المتحضر، ويهدد السلم العالمي بالخطر، وكما رأينا فإن سبب كل الحروب في ذلك العالم يكمن في استعباد الامم والاقوام الساعية الى الاستقلال والسيادة، وبانهاء هيمنة الدول العربية والاسلامية على الشعوب المستضعفة، فان الحرية ستسود العرب والمسلمين، وتتراجع مخاطر نشوب الحروب.
فألى بيان الحرية والديموقراطية والسلم والتقدم الاجتماعي من جانب الدول العربية والاسلامية لكل الشعوب المقهورة فيها، نوجه دعوتنا هذه.

عبدالغني علي يحيى

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *