الطاعة لمن ؟

كـتب سيادة المطران سعـد سـيـروب  :

مغالطات لاهـوتية لبعـض رجال الدين عـن ( الطاعة لمن ) ؟


الطاعة في الحـوار مع الإنجـيل


ينبغي أن يُطاع الله أكـثر من الناس ” ( أعـمال الرسل ـ الإصحاح الخامس ــ 29) .  

 

الطاعة مبدأ كـتابي مهم ذو طابع تحـرّري . فـفي الكـتاب المقـدس لا يمكـن الفصل مفهوم الطاعة عن الحريّة : فإذا كـنا أحـراراً يمكـنـنا أن نطيع ، وإذا اطعـنا الإنجـيل نـصير أحـراراً بالحـقـيقة .
يقـول اللاهـوتي الألماني ديتريش بونهـوفـر : ”  الطاعة بدون الحرية عـبودية ، والحرية بـدون الطاعة إخـتياراً (عـشوائياً ) ” .


إن الطاعة تحمل بعـداً إنسانياً يَظهـر في خـضوع الإنسان إلى تأريخه ، أصله ، جسده ، عائلته ، مواقف إنسانية ، أزمنة وأمكـنة ، أحـداث وظروف سابقة والتي لا يملك أي سلطان عـليها ولا تـقع ضمن حـيّـز قـرارته وإخـتياراته . نحن أمام أرث يحمله كلّ واحـد منّا دون أن نكـون قـد إخـترناه . يُسمي المؤمن هذا الإرث الطبـيعي “بالمخلوقـية” وبها يقـبل الحـدود الطبـيعـية التي تـتصف بها الخليقة أمام خالقها والتي تصيّر الإنسان كائـناً متحـرراً من تجـربة الكـليّة والشموليّة أو ما أسمّيه ” النديّة ” أمام الله .
هـذا هو المعنى الأصيل للوصية الواردة في سفر التكـوين والتي طلب فـيها الله من الإنسان أن لا يأكل من ثمر شجـرة معـرفة الخـير والشر : فالإنسان يصبح إنساناً بقـبوله لمحـدوديته الوجـودية . وبهـذا يمكن إعـتبار حـدودنا البشرية محـيطاً حـياتياً تـقـوم فـيه العلاقة بـين المخلوق والخالق .

يمكـنـنا فهم الطاعة فهماً صحيحاً عـلى ضوء ” العلاقة ” أي على ضوء ــ علاقة العهـد ــ  إن العلاقة مع الله تجعـل من الطاعة قـدرة كامنة في أعـماق الإنسان تحـرّره وتُحـيـيه .

فإذا كانت الشريعة ، والتي هي تمثل إرادة الله المعـلنة للشعب ، والطاعة للوصايا الواردة فـيها تمثل رغـبة المؤمن العـميقة في تجسيد هـذه الإرادة الإلهـية والحـصول عـلى الخلاص والسعادة التامة التي لا ينزعها أحد ! فجـواب الشعـب على ما أعـلنه موسى من وصايا : ” كلُّ ما تكلم الرب به نـفعـله ونسمعه ( خروج 24/7 ) ….هو الذي سيقـودهم إلى الخلاص وهـو طريق الحـياة لهم .

فـتطبـيق كلام الله ، يسبق الإصغاء ذاته ، والمهم هو الموافـقة التي يعـطيها الشعب لكـلمة الله ككلّ . إن الطاعة الواقعـيـّة لكلمة الله تجعـلنا نـفهم هذه الكلمة بصورة أعمق . إن تجـذّر مفهوم الطاعة في مفهوم العهـد كإصغاء وعـمل بالوصايا هو نفسه الذي يرد في العهد الجـديد .

من وجهة نظر العهـد الجـديد ، الإصغاء هـو إدراك لإرادة الله يتحـقـق فعـلياً في جـو من العلاقة التي يعـيشها الإنسان كإيمان وعـمل ، إطاعة إرادة الله .

فمن الإصغاء تولد الطاعة ، إنها طاعة الإيمان . يتكلم القـديس بولس عن  “طاعة الإيمان ويجعل كلاً منهما في علاقة متبادلة :

الايمان يُحـدّد الطاعة … والطاعة تكـشف الإيمان . إن خـصوصية الطاعة المسيحـية تكمن في كـونها طاعة لشخص المسيح ذاته ( رومية 5/ 11؛ فـيلبي 2/ 8 ؛ عـبرانيين 5/8) .

فعلاقة المؤمن بالله هي علاقة بنويّة بـيسوع المسيح ، ومركـز هـذه العلاقة يكمن في الحبّ للآب والأخـوة . يشرح الإنجـيل الرابع هـذه العلاقة ويستخـدم كلمات مثلالتخلي الكلي عن النفس من أجل الآخرين “.

إن الطاعة بالمحبة تعـطي المعـنى لحياة ولموت يسوع وتجعـلها حياة وموتاً محـرراً.

هـذا هـو مقـياس الطاعة المسيحية وصوتها الحـقـيقي . الروح القـدس يمكّـن المؤمنَ من عـيش هـذه الطاعة بشكل خّلاق ومسؤول . مقياس الطاعة المسيحية هـو الروح القـدس الذي يجعـلنا نعيش الإنجيل بعمق إلى الحـدّ الذي يصبح فـيه الإنجـيل إنجـيلنا نحـن . على ضوء هذا المفهوم للطاعة المسيحية يمكـننا أن نـفهم ونـقـبل ونعـيش الطاعة للإرادة الإلهـية عارفـين بأن طاعـتـنا للإنجـيل هي عملية مفتوحة على إلهام الروح القـدس وإنها تـتم بوعي وفهم عـميقـين لمحبة الله ورحمته تجاه الإنسان . فلإنجـيل كلمة الله الحيّة تخـضع جميع الأشياء التي نعـملها ونحـياها . فعـنـدما تـدّعي الوسائط الزمنية المؤقـتة كالسلطة الكـنسية أو القانون ــ الطاعة لـنـفسها ــ عـندها يجـب أن تُـنـتَـقـد وتُـقاد إلى الطاعة للإنجـيل : “ينبغي أن يطاع الله أكـثر من الناس“.

في عـظته يوم 20 كانون الثاني 2014 يقـول الـﭘاﭘا فـرانـسيس : (( الحـرية المسيحـية والطاعة المسيحية هما إصغاء وطاعة لكـلمة الله ، هما الشجاعة بأن نصبح زقاقًا جـديدةً للخمرة الجـديدة التي يمنحـنا الله إياها بإستمرار . إنها شجاعة التميـيز الدائم لإلهامات الروح القـدس في حياتي والإصغاء والطاعة له . لنطلب اليوم من الله نعمة الإصغاء والطاعة لكـلمته الحـية والـفعالة التي تميّـز مشاعـر القـلب وأفكاره )) .

ويقـول أيضاً في عـظته يوم 16 نيسان 2015 ما يلي : ” الذي لا يعـرف كـيف يحاور ، لا يطيع الله ويريد إسكات الذين يعـلنون حـداثة الله … وغـياب الحـوار هـذا ، هـو إنغلاق الـقـلب الذي حملهم على عـدم طاعة الله.  هـذه هي مأساة معـلمي الشريعة في إسرائيل : لم يعرفـوا كيف يصغـون ولا كـيف يحاورون . والحوار هـو دائماً مع الله ومع الإخـوة “.

مايكل سيبي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *