الصراع السياسي لأقليم كردستان الى أين؟؟

المقدمة:
القضية الكردية بدأت منذ التغاضي عن معاهدة سيفر 1920، وإبرام معاهدة لوزان 1923 التي أجحفت حقوق الكرد في المنطقة ، لتوزعهم على اربع دول ، حتى غدت مصدر قلقٍ وتوتر ، وزاد الوضع تعقيداً مع الأيام بآثار سلبية على الانسانية ، من جميع الأوجه الحياتية.
للقضية الكردية أتجاهان قومي يطغي عليه الحل العسكري ، والشعبي يعتمد الحل السلمي في معالجة الامور ، عانت من تدخلات خارجية دولية واقليمية ، بالأضافة الى الصراعات الداخلية ، في كل من تركيا وايران والعراق وسوريا ، بين الكرد والحكومات المتعاقبة باستمرار ، ناهيك عن الصراعات المتتالية بين الكرد أنفسهم في كل دولة من الدول الأربعة ، وجميع حكومات دول المنطقة تنكروا لحقوق الكرد ، وفي بعض الاحيان كان الكرد متعاونين فيما بينهم ، كرد فعل لحكوماتهم ، كما حدث في انتفاضة الكرد العراقيين خلال الحرب العالمية الثانية ، وبعد فشلها أنتقل الكرد العراقيين للقتال الى جانب الكورد الايرانيين ، مهّد لقيام جمهورية مهاباد عام 1946 ، وبعد فشلها أصدرت ايران والعراق معاّ حكماّ بالاعدام على المناضل مصطفى البرزاني ، فالتجأ الى الاتحاد السوفياتي السابق حتى قيام ثورة تموز 58 برجوعه للعراق ، لكن الحكم على البرزاني أستمر من جانب أيران حتى عام 68 رغم تحسن العلاقة بين نظام شاه ايران والحركة الكردية منذ عام 1962 بمبادرة من ايران ، حسب وثيقة حدك عام 1979.
بدأت ثورة أيلول الكردستانية عام 1961 ، نتيجة الخلاف بين البرزاني وقاسم ، والتي تعتبر أحد أسباب نكسة ثورة تموز 58 ، بتأييد البرزاني للأنقلابيين عام 63 ، ولم تدم تلك العلاقة سوى عدة أشهر ، حتى أشتد القتال بين حكومة البعث القومي والحركة الكردستانية باقوى من السابق ، وبمساعدة الجيش السوري في القتال ضد الثورة الكردية عام 63 ، الى أن بدأت الهدنة بين عارف والبرزاني عام 65 ، والتي لم تستمر طويلاّ دون حلول للقضية الكردية ، فتجدد القتال مع بداية عام 68 بوصول البعث للسلطة ثانية ، بمباركة ودعم مباشر من أسيادهم الغرب ، لحين اعلان بيان 11 مارس/آذار1970 ، بين حكومة البعث والثورة الكردستانية بنهاية القتال بحل سلمي للقضية ، لكن إيران لم ترتاح لهذه الاتفاقية ، والعلاقات الإيرانية العراقية كانت متوترة ، كون إيران ألغت معاهدة عام 1937 العراقية الإيرانية مفادها تنظيم الحدود بموجب القانون الدولي ، ونظام صدام هو الآخر في العراق ، تنصل عن اتفاقية آذارعام 1975 التي بموجبها انهت الثورة الكردستانية ، وفي أيلول 1980 قامت الحرب العراقية الإيرانية ، بدفع ومباركة الغرب والرجعية العربية ، بدعم مباشر لصدام بالسلاح والمال.

بعدها أستعادت الحركة الكردستانية وجودها المؤثر ، بعد لجوء الشبيبة المتمثلة بأنصار الحزب الشيوعي العراقي الى كردستان ، لمقارعة اعتى دكتاتورية صدامية بعثية من جهة ، وتجميع قوى الكرد من الاتحاد الوطني الكردستاني ، والحزب الديمقراطي الكردستاني ، ليتحد الجميع بهدف واحد ، للتخلص من النظام الدكتاتوري وأقامة الديمقراطية في العراق ، ومنح الحقوق لجميع القوميات العراقية بما فيه حق تقرير المصير لكوردستان.

تلك العلاقة لم تستمر طويلاّ بين القوى الكردستانية ، حتى ظهر الصراع والاحتراب بينها نتيجة التدخلات الخارجية ، حدك تعاون مع أيران وتحالف مع (حشع ) في جبهة (جود) و(اوك) مع صدام بالضد من الشيوعيين وتنصل من جبهة (جوقد)، فاعلاّ مجزرة بشتاشان عام 83 لم تغادر الذاكرة مجداّ لشهدائها ، وحتى بعد تحرير كردستان عام 1991 ، أشتد القتال الكردي – الكردي بين حدك وأوك عام 1996 ، فتعاون حدك مع صدام لأستعادة أربيل من أوك نتيجة تعاون الاخير مع ايران ، وهو ما يؤكد التدخل الدولي والأقليمي المباشر في أدارة الأحتراب والصراع ، في الأقليم والمنطقة الملتهبة بشكل دائم ومستمر ، والأنسان الفقير المحتاج دوماّ للقمة العيش يدفع الثمن الغالي بشرياّ ومادياّ ، بالأضافة الى القوميات الأخرى المغلوبة على أمرها ، المتواجدة في كردستان العراق.

للأسف الشديد لم تستفد القيادات الكردية من الأخطاء المستمرة ، كونهم أستغِلوا من القوى الدولية والاقليمية بشكل متواصل ، خصوصا حكومات المنطقة ، في أعوام متعددة ومتلاحقة ، ومنها عام 61-70 ، و74-75 ، و79 – 96 والجميع مستفادين من القضية.

أما في تركيا فحدث ولا حرج من القضية الكردية رغم التطورات التي حصلت عالمياّ ، يعانى الكرد سياسة التتريك والحرمان لأبسط حقوقهم ، وكما في إيران حول الحقوق القومية المغيبة للجميع ، عدا الفرس والأسلام المؤدلج ، وكما الحال في سوريا هو الأسوء للكرد فيه ، والولايات المتحدة والغرب دخلوا ويدخلون بأستمرار على الخط ، بأتجاه أستغلال القضية لمصالحهم الدولية.

الدروس المستنبطة:

1.القيادة الكردية مهما بلغت من فطنة وذكاء خارق ، وقدرات فردية وعلاقات دولية ، لايمكنها ان تتقدم خطوة واحدة الى الأمام ، بعيداّ عن جماهيرها صاحبة القضية الأساسية ، في تحررها وأنتزاع حقوقها ، وانعتاقها من سيل الدماء وغزر الدموع ، والظلم والضيم والقهر وتعثر الحياة في جميع النواحي ، ولم يجنوا المناضلون الفقراء المضحين بالغالي والنفيس غير خيبة أمل ، ليتقدم عليهم المنتفعين والانتهازيين والوصوليين والتوفيقيين ، لما آلت اليها الامور حالياّ ، من أخفاقات بسبب علاقات القيادة الغير المدروسة ولا المتوازنة مع جماهيرها المناضلة المضحية ، وضعف برامجها ومناهجها التطبيقية لخدمة الشعب الكردستاني ، في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، دون مراعاة الحقوق الانسانية للكرد والمكونات الاخرى ، خصوصاّ الكلدان الذين كانوا دوماّ ، الظهير المضحي والمساند للثورة الكردستانية ، عملوا ولا زالوا يعملون مع القوى الوطنية الديمقراطية ، والأحزاب القومية الكردية ، فلم تراعى الوجود القومي الكلداني ، عملت بخلاف ما جاء وفق المادة 125 من الدستور العراقي ، لتتبنى التسمية الهجينية المبتكرة في مسودة دستور الأقليم (كلدان سريان آشوريين) ، متجاوزين على الواقع وحضارات وتاريخ العراق.

2. للأسف الشديد رغم مرور أكثر من 21 عاماّ ، على تحرير جنوب كردستان ،(شمال العراق) لم يتحسس المواطن العادي البسيط ، بعدالة أنصافه ومنح حقوقه وتقييم جهوده ونضاله وتضحياته الجسيمة ، عبر الأجيال المتعاقبة التي رفدت الثورة الكردستانية بالغالي والنفيس ، وخصوصاّ الشعب الكلداني والانصار الشيوعييين ، ايماناّ بالقضيه العادلة لأنتزاع الحقوق المهضومة والمسلوبة لجميع مكونات الشعب الكردستاني ، ولم تتمكن حكومة كردستان ، من معالجة البطالة بأقامة مشاريع زراعية وصناعية وتقنية ، وتحسين الوضع الأجتماعي والسياسي والاقتصادي والصحي والتعليمي ، بالرغم من الواردات الاقتصادية المختلفة الداخلة للأقليم زائداّ الحصة البالغة 17% من ميزانية العراق.

3.لم يتم تفعيل القانون والنظام تطبيقاّ بالمستوى العادل والمنصف ، بل هناك مزيداّ من المحسوبية والمنسوبية والعشائرية والحزبية والوجاهية والمصالح الشخصية الذاتية ، ناهيك عن النزاعات الطائفية والعنصرية القومية بفساد مالي وأداري ، والواسطة والتحزب والرشوة ، هو السيد العامل والفاعل على حساب النظام والقانون ، أن ذلك يحسب سلباّ على سلطة الاقليم ، وعليها معالجة هذه الآفة الخطرة ، ضمن برنامج ومنهاج عملي جذري.

4.اما المناطق المختلف عليها ، او ما تسمى المستقطعة ، فحدث ولا حرج ، فهي من المناطق المهملة جداّ ، ومن أكثر المناطق المتضررة تاريخياّ ، وحالياّ من جميع مناحي الحياة ، بسبب ممارساة جائرة وقامعة ومبتزة لشعبنا العراقي بجميع مكوناته القومية ، من قبل جميع السلطات المتعاقبة ، كونها واقعة بين المطرقة والسندان ولحد اللحظة ، تعاني انعدام الخدمات والبطالة والبطالة المقنعة ، وما يلحق بهما من أبتزاز ، وهجر وتهجير مستمر ، بالأضافة للقتل المتعمد من قبل الارهاب المنظم والمنفرد وهلم جرا.

5. ما نراه ونشخصه يقيناّ في هذه اللحظة الحرجة ، هو تنامي الفكر الأسلامي المؤدلج والمسيس ، بالضد من التطور العلمي والتقني والسياحي ، الذي يفرض وجوده على سلطة الأقليم ، لمسايرة التطورات العلمية والتقنية ومتطلبات تكنولوجيا العصر الحديث ، واللحاق بثورة التقدم العلمي بسلاسة ، وعصر الثورة المعلوماتية للآسترشاد بها ومواكبتها بأستمرار ، وليس القفز عليها وتغييبها وقمع والغاء المفيد منها ، ليجعل المنطقة تعم في الظلام والجهل ، مسايرة مع التخلف والانجماد الفكري ، في ظل الجمود العقائدي الديني ، وبالضد من الرقي الى مجتمع مدني متمدن حضاري تقدمي ثقافي ادبي وفني ، وبهذا يحدث شرخ كبير في المجتمع الكردستاني .

6.اننا نلاحظ اخفاقات هنا وتراجع هناك ، لبناء وتطور العلمانية والمدنية والثقافة العامة من حرية التفكير والرأي والرأي الآخر ، واهمالاّ للفن وتقنياته ، من مسرح ورسم وسياحة ، وتغييب واضح لدور المرأة الفاعل ، مجاملة للاسلام السياسي المؤدلج القامع للحريات وتطور المجتمع عموماّ ، كونه فكر جامد بقالب جاهز ، يفرض الشعائر الدينية كالصوم على الجميع ليصل للمناطق الغير المسلمة ، أنه عمل منافي للحريات الشخصية ، لان التدين من عدمه مربوط بين الخالق والانسان نفسه ، فليس من حق العباد فرضه على الآخرين عنوة ، فما دخل العباد بأمور الخالق؟.

الصراع والعلاج:

1.هناك تخبط سياسي وأزدواجي ، في طريقة بناء كيان مستقل عن العراق ، وهذا بالطبع مناقض للدستور الذي تم أقراره والأستفتاء عليه من قبل الجميع بما فيهم الكرد ، الذي ولد صراعاّ بين الكرد أنفسهم في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة ، عليه مطلوب من القوى الكردية بمختلف أتجاهاتها السياسية والفكرية ، الحوار والتشاور مع المكونات الأخرى المتواجدة ضمن كردستان ، مزيداّ من الحوار والتفاهم على القاسم المشترك والعمل وفقه ، دون القفز على المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة عموماّ ، بالتنسيق والتفاهم مع حكومة المركز وليس العكس.

2.العمل بنفس طويل ومستمر لجميع القوى الكردستانية ، والاهتمام بالشارع الكردستاني بالوقوف الى أحتياجاته ومتطلباته ، والاستماع الجدي لآراءه وأفكاره وصحافته واعلامه ، بما فيه طروحات المعارضة ، والاستفادة منها لوضع الحلول والمعالجات الجذرية لفائدة وخدمة الانسان وصيانة حقوقه وفق المواثيق الدولية بروح ديمقراطية ، مع تفعيل الشعار العملي الموضوعي(المواطن له حقوق ، كما عليه واجبات).

3.تحالفات الحزبان الكرديان مع القوى الشيعية تارة ، والسنية تارة أخرى وفق رؤية المصالح الذاتية للقوى الثلاثة ، والابتعاد عن تحالفهم مع الوطنيين الديمقراطيين ، أضر كثيراّ بالوطن وبالشعب العراقي عموما والكردستاني خصوصاّ ، لابد من مراجعة الذات بالابتعاد عن التزمت القومي وحق تقرير المصير حالياّ ، في هذه المرحلة المعقدة والدقيقة حباّ بالعراق وشعبه.

4.الصراع داخل الأقليم نفسه ومع المركز ، مهّد للتدخل الأقليمي والدولي في الشأن العراقي ، وهو أضعاف للاقليم وللمركز معاّ ، ومشاكل البيت الواحد تعالج داخلياّ ، بعيدا عن تدخلات الجيران والأقارب ، وهذا ما يؤجج الوضع تعقيداّ ودماراّ.

5.لم يتم انصاف بقية المكونات المتواجدة في كردستان ، وخصوصاّ الكلدان الذين يشكلون ثاني قومية بعد الكرد ، بل تم تهميشهم لابل تغييبهم والالتفاف عليهم ، كمكون طائفي ضمن القومية الآشورية ، تماشياّ مع طروحات زوعا والمجلس الشعبي ، بأستحداث تسمية مركبة على أساس الوحدة القسرية ، وما يؤسفنا حقاّ انزلاق الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره التاسع المنعقد في الشهر الخامس من عام 2012 بتبني التسمية القطارية الهجينية ، مناقضاّ للواقع الموضوعي والتاريخي ، كما هو مثبت في أدبياته ومؤتمراته السابقة.

6. أزاء هذا الواقع المرير ، بدأت القوى السلفية الاسلامية بدعم ومساندة الأمبريالية العالمية ، بالانتعاش والتحرك لزرع بؤرة التخلف وزيادة الجهل بين مكونات الشعب العراقي ، وهذا ما تعمل به أمريكا وحلفائها في المنطقة والعالم لأسباب معروفة سلفاّ ، لذا يتطلب الحيطة والحذر ومعالجة الامر بحكمة ودراية موضوعية.
حكمتنا:

(ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ، بل بكلمة ضمير ينطقها ويُفعِلها ويعمل بها أيجابياّ)
ناصر عجمايا ملبورن \ استراليا19\08\12م
محاضرة القيت في البالتوك \غرفة الينابيع للانصار الشيوعيين وأصدقائهم في تمام الساعة السادسة صباحاّ بتوقيت ملبورن \ استراليا
المصادر:وثيقة حدك صادرة عام 1979 ، مجموعة أخبار متنوعة ، متابعات مستمرة للأحداث التاريخية والواقعية الحالية ، مع الأجتهادات الفكرية والرأي الحر للكاتب.

ناصر عجمايا


You may also like...