الصبغة الأشورية ورائحتها الشمولية لإحداث وشهداء سميل .. حق يراد به باطل

 

السابع من شهر أب من كل عام  تمر علينا ذكرى أليمة على القلوب , ألا وهي أحداث سميل التي  طالت أبناء المكون الاثوري بصورة خاصة , هذه الإحداث وقعت في صيف 1933 .. فيحق للكل من أبناء شعبنا أن يعرض هذه الأحداث بصورة موضوعية وعقلانية للتعريف بالظلم والحيف الذي طالنا فيها , ولكن عندما تعرض الأحداث بصورة حزبية ضيقة ذات نزعة قومية شمولية , تخلق نوعاً من النفور والتقزز عند المتلقي .. فتعيد إلى أذهاننا النزعة العروبية الشمولية التي كان يتبناها النظام والحزب الحاكم باعتبار الجميع عرباً وشهداء العراق بكل مكوناته العرقية والاثنية المختلفة هم شهداء الأمة العربية . فالنظرة الشمولية  السياسة والنهج  الشوفيني الاقصائي يرسخ لخلق روح  تجزئة المجزئ وتقسيم المقسم بين أبناء الشعب الواحد والهدف السياسي منها هو ديمومة الاستمرار لذلك الحزب صاحب النظرة ,  في اخذ الدور القيادي  للأمة أو الشعب !! , فالنظام الشمولي يظهر بالمظهر الحسن بالتبجح بوجود مسيحي وكردي..الخ من ضمن مؤازريه و أركان نظامه… وهو الذي يشابه نظرة الحزب الأشوري الذي يتبجح بوجود  مؤازرين له  وعاملين ضمن قيادته مثل الكلداني ( المتأشور الذي لا يشعر بالعار عن التخلي عن شرف هويته الكلدانية فيرتضي العيش في جلباب الحزب الأشوري وخطابه الشمولي ) والسرياني ,  فأن الكل يعمل تحت جناح الشمولية !! فالظاهر ( المزيف ) شيء والباطن ( الحقيقة ) شيء أخر !!
مثلاً قرأنا هذه السنة بمناسبة ذكرى سميل ويوم الشهيد الأشوري  احد الخطابات القادمة من الحزب الأشوري والتي انبعثت رائحتها من إحدى المداخن ,  أعطى فيها الصبغة الأشورية الشمولية على شهداءنا من الاثوريين والكلدان والسريان وكأنه بلسان حاله قائلاً الجميع هم شهداء الأمة الأشورية !! .. فيقول مثلاً الشهيد الفلاني هو أشوري رغم كلدانيته والشهيد الفلاني هو أشوري رغم سريانيته !!! ؟؟؟..وهو الخطاب الذي يقارب إلى الخطابات الشمولية , الشوفينية و الاقصائية التي كنا نسمعها ونقراها في الحرب العراقية – الإيرانية  فالخطاب الإعلامي كان يظهر أن الجيش العراقي كان المدافع عن الأمة العربية وحارس بوابتها الشرقية من الفرس !! فإذا استشهد شهيد كردي من ضمن الجيش العراقي  يعتبر عربي رغم كرديته وإذا استشهد شهيد كلداني يعتبر عربي رغم كلدانيته ونفس الحال إلى التركماني والاثوري  ..
عودة إلى أحداث سميل , هل يمكن القول أن شهدائها هم انكليز رغم الصبغة الأشورية التي أعطاها الخطاب الشمولي الأشوري في هذه المناسبة ؟؟ هل يمكن القول أنهم نساطرة رغم أشوريتهم ؟؟ كيف ستكون ردة الفعل عندئذ ؟؟
القوات الانكليزية التي استعمرت العراق بحجة التحرير من القوات العثمانية كانت تضم بين قواتها الكثير من الهنود الذين يتم تميزيهم من اللبس العسكري الخاص بهم وكانت تضم العديد من ما يعرف بقوات الليفي من الأخوة الاثوريين وكانوا يتميزون بملبسهم العسكري الخاص بهم أي أن الجميع يعمل تحت أمرة وقيادة الجيش الانكليزي ..
سنتناول أحداث سميل من جانبين الجانب العراقي وجانب الوثائق الانكليزية لنرى صحة إطلاق الصبغة الأشورية ذات النزعة العرقية  على تلك الإحداث وصحة شمولها على الآخرين .
المجتمع العراقي ونظرته على قوات الليفي …الحكومة العراقية وبطشها بقوات الليفي من الاثوريين سنة 1933
النظرة المأخوذة على قوات الليفي من الاثوريين انه من قوات المستعمر الذي جاء بصفة المحرر فهي ساهمت مع القوات الانكليزية لقمع ثورة العشرين الوطنية .
فيذكر السيد محسن أبو طبيخ  في كتاب مذكرات السيد محسن أبو طبيخ 1910 – 1960 في الصفحة 130 طريقة القبض على الشيخ شعلان ”  وبعد مدة من الزمن جاء خمسة أفراد مع عريف من قوات الليفي مسلحين والقوا القبض عليه وأودع التوقيف ”
وفي الصفحة 131 ” كانت لدى كابتن هيأت في الرميثة قوة مسلحة مؤلفة من مجندين انكليز وهنود وقوات الليفي من الاثوريين ”
وهنا ستتضح الصورة أكثر المأخوذة على الإخوة الاثوريين من قوات الليفي في هذا السرد المقتضب لإحداث سميل
” فشل الأشوريون في أقناع عصبة الأمم المتحدة بالاعتراف بحقهم في الاستقلال , ودفعتهم مخاوف من المستقبل إلى التفكير في أقامة مقاطعة مستقلة في شمال البلاد , بالقوة أن دعت الحاجة . وفي شهر أيار / مايو من عام 1933 , قصد زعيم الأشوريين , المار شيمون , بغداد لأجراء محادثات . ولكن السلطات العراقية عمدت إلى اعتقاله حين توقفت المباحثات . سببت تلك الأحداث ذعراً بين الأشوريين وحاول عدد كبير من المسلحين العبور إلى سوريا في تموز / يوليو , أملين أن يجد مجتمعهم ككل ملجأ فيها . وحين أجبرتهم السلطات الفرنسية على العودة . فوقعت صدامات ذهب ضحيتها عشرات من الجنود العراقيين ومن الأشوريين .
أثارت تلك الحادثة كلا من العالم السياسي في بغداد والقوات العراقية التي تواجدت في الموقع بقيادة الكولونيل بكر صدقي , قائد المنطقة الشمالية وصور الأشوريون في الصحافة العراقية على أنهم مصدر تهديد للوحدة الوطنية العراقية , بالرغم من حجم مجتمعهم الصغير , وجزء من مخطط وضعته بريطانيا العظمى . ومهما كان هذا الوصف بعيدا عن الحقيقة , ألا أن مشاركة الآشوريين لبريطانيا العظمى في القوات المجندة العراقية ودورهم المستمر في حماية القاعدتين البريطانيتين ساهم في تعزيز هذا الانطباع . فأعطيت الأوامر لبكر صدقي لكي يتعامل معهم بأشد ما يريد من القسوة . هكذا قامت القوات المسلحة في أب / أغسطس من عام 1933 بذبح مئات القرويين الأشوريين , بالاشتراك مع رجال قبائل أكراد اغتنموا الفرصة لنهب عشرات القرى الآشورية في الوقت نفسه . ”
المصدر أعلاه من كتاب ( صفحات من تأريخ العراق ) ص 126 و 127  لتشارلز تريب وهو باللغة الانكليزية ترجم بواسطة زينة جابر إدريس فلذلك لفظة أثوريين تكتب بالانكليزية Assyrian  وغير الملم بالأحداث يترجمها إلى أشوريين ويمكن ملاحظة ذلك بترجمة مارشمعون إلى مارشيمون .
يتضح من خلال الإحداث التي سردت حجم المجتمع الصغير وهو ينحصر بالاثوريين فقط فلو اجتمع معهم الكلدان والسريان لكان المجتمع كبيراُ في تلك المناطق إلا أنها دفعت تضحيات كبيرة نتيجة تلك الأحداث . بالإضافة أن الاثوريين فقط من أراد عبور النهر إلى سوريا أملين إن يجد مجتمعهم ككل ملجأ فيها …
لننتقل إلى الوثائق الانكليزية لنرى إن كانت تصح الصبغة الأشورية بنزعتها العرقية لتلك الأحداث التي يراد بها منظري الحزب الأشوري إضفائها على شهداء الكلدان والسريان وهو حق لكل أثوري يعتز بهويته ولكن إضفاءها بشمولية على الآخرين فأن هذا الحق يراد به باطل !!

” أن البريطانيين غيروا سياستهم اتجاه الاثوريين بعد أن قرروا إنهاء الانتداب على العراق وعقد معاهدة مع الحكومة العراقية يؤُمِنون فيها مصالحهم وعليه أخذ رجالهم المسئولون يقرون بحقيقة أصل الاثوريين فعدلوا عن وصفهم بأحفاد الأشوريين وأبانوا في وثائقهم السرية التي أبيح مراجعتها مؤخراُ أن تسمية الاثوريين بالاشورين تسمية مضللة وينبغي وصفهم بكونهم طائفة دينة تدين بالمذهب النسطوري مما يوجب تسميتهم بالنساطرة . (1) ففي كتاب سري من السير فرنسيس همفيز السفير البريطاني في العراق إلى السر جون سايمون في وزارة الخارجية البريطانية 18 تشرين الأول 1933 يقول مانصه (( أن تسمية ( أشوريين ) التي أطلقت على ( الاثوريين ) هي تسمية مضللة لذلك يتوجب وصفهم كطائفة دينية وليس كأمة ))
 ((The name Assyrians which came to be applied to them later is a misnomer. It is a church and not as a nation, that should be described))
(2) وفي مذكرة سرية من ( Sterdale Benett )   من الدائرة الخارجية البريطانية عنوانها (( ملخص تأريخي للقضية الاثورية )) جاء ما نصه (( أن اثوري العراق الذي تتجه مساعي عصبة الأمم المتحدة حالياً إلى إيجاد وطن جديد لهم في مكان ما , هم  أقلية دينية وليس لهم صفة عرقية , لذلك فمن الأصح تسميتهم بالنساطرة )
((The Assyrians of Iraq for ahom the league of nations at present is trying to find a new home et se whwew , are a  religions rther than a racial minority . It would be more correct to refer to them as Nestorian)) 
الوثيقة (1)  من سجلات وزارة الخارجية البريطانية FO 371-1684/ E6229 oct ,18, 1933
الوثيقة (2) من سجلات وزارة الخارجية البريطانية Fo 371 – 17834/ E 1035 m feb 12 ,1934
المصدر – كتاب الدكتور أحمد سوسة (ملامح من التأريخ القديم ليهود العراق ) ص 64

أحداث سميل ارتكز عليها الاتحاد الأشوري العالمي  سنة 1970 واقر يوم 07– 08 يوم الشهيد الأشوري فيحتفي به من كل عام , ونتيجة لمقتضيات المرحلة السياسية للحزب الأشوري تحول إلى يوم الكلدو أشوري وبعد مرحلة سياسية أخرى تحول إلى يوم الشهيد الكلداني السرياني الأشوري وألان رجعت وأضفيت الصبغة الأشورية عليه باعتبار الشهيد الكلداني صفته أشورية رغم كلدانيته والشهيد السرياني صفته أشورية رغم سريانيته .. وهو خطاب شمولي شوفيني  تزكم منه الأنوف لا سيما هو ينبعث من مدخنة الحزب الأشوري  الوحدوي ( الانفصالي )..
على كل من الكلدان والسريان الخضوع والخنوع والتصبغ بالصبغة الأشورية حسب الأدبيات الأشورية الحزبية وألا فان الكلداني والسرياني هم مجزئين وانفصاليين إذا لم يخضعوا لتلك الشمولية (الشوفينية ) !!
إي منطق عقلي هذا فإما الشمولية الأشورية  المقيتة  أو إلصاق التهم  الواهية على من يحد عن هذه الشمولية  وهذا الخطاب !!
إذا وقفنا دقيقة صمت على أرواح شهداءنا الذين نعزهم ونحترمهم نتمنى من الخطاب الإعلامي  للحزب الأشوري أن لا يلبس أبناء شعبنا من خلاله  نظرات صبغتها سوداء في إقصاء الأخر وان لبسها هو للتعبير عن الحزن فيرى من خلالها كل شيء اسود .
 ليرحم الله شهدائنا الإبرار الذي سقطوا للسببين ( الديانة وتهمة سياسية )  فشهداء سميل استشهدوا ليس لكونهم اثوريين بل لكونهم مسيحيين ( سبب دينيي ) والسبب الأخر (السياسي ) لأنهم جزء  من القوات الانكليزية  وزعزعوا استقرار البلاد بالسعي للانفصال عنه وإقامة موطن . فبدلاتهم كانت ملابس الجيش الانكليزي,  لذلك هل يتقبل الاثوري  إن نطلق على شهداء سميل إنهم انكليز رغم اثوريتهم  ؟؟؟.. أو أنهم نساطرة رغم أشوريتهم ؟؟؟ وشهداء صوريا الكلدان المدنيين استشهدوا ليس لكونهم كلداناً , بل مسيحيين ( سبب ديني ) واتهامهم بمعاونة الحركة الكردية وزرع لغم أرضي على قوات الجيش العراقي في حربها مع الحركة الكردية ( سبب سياسي ) لذلك استشهدوا محافظين على هويتهم القومية  وكذلك الحال بمذبحة سيفو أو مذابح الأرمن  استشهدوا لكونهم مسيحيين ( ديني ) ومتهمين بالتعاون مع القوات الروسية ( سياسي ).. لم يستشهد كلاً من المرحوم المطران فرج رحو والأب رغيد كني لهويتهم القومية الكلدانية بل لكونهم مسيحيين ( لم يتركوا بيت الرب الكنيسة ) ولديهم موقف وطني اتجاه الوطن لم يتركوا الموصل !! )  ( سياسي ) ..
ليرحمنا الحزب الأشوري من الخطابات الشوفينة الشمولية ..فإذا تكلمنا وعرضنا الحقائق نتهم على إننا منقسمين وإذا سرنا حسب منهجه الشمولي نكون وحدويين !!  مبروك لكم وحدتكم وخطاباتكم في إلغاء وإقصاء الأخر. حتى الشهداء لم يخلصوا منكم ومن خطابكم .فنحن نعترف بحق الإخوة ومشاعرهم القومية ولكن إضفاء الصفة الشمولية يراد من هذا الحق باطلاً.
المجد والخلود لشهدائنا طالبين من الرب إن يمنحهم جنات الخلد وليبارك الرب بكل مسعى وحدوي حقيقي قائم على التعددية التي فيها غنانا وقوتنا فهي روافد تصب في مجرى مصلحة شعبنا العليا مستندة على احترام خصوصية الأخر  والعمل من اجل المصير المشترك !!

سيزار ميخا هرمز – ستوكهولم
cesarhermez@yahoo.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *