الشهادة العلمية: هل هي نقطة في ديمومة الحياة؟


بعد استطلاعنا لبعض الآراء ووجهات النظر المختلفة حول سؤال طرح من قبل البعض: هل الشهادة الجامعية لها تأثيرها في وعلى مسار الحياة الزوجية؟ نقول:

عندما نتكلم عن موضوع غاية في الأهمية والمضمون والمدى، هنا لابدّ من أن نميز بين مستويين والاختلاف بينهما، وهما: المستوى التعليمي والمستوى الثقافي.طبعا ربما قد يقول قائل بأنهُ ليس هناك اختلافات بذاك الحجم تذكر بينهما! ولكن لو نظرنا إليها من زوايا مُختلفة مُؤثرة في ديمومة الحياة، لوجدنْا أن التعليم يختلف عن الثقافة ….. كيف؟!

التعليم والثقافة بالتأكيد الاثنين يُكتسبان من المدرسة، ولكن الاثنين لنْ يُكتسبا بنفس الدرجة من الحياة! لأن الحياة بحدّ ذاتها هي من تُكسب الإنسان الثقافة والتعليم معًا والخبرة معهما أيضًا. والحياة مصاعبها ومشاكلها كثيرة، وبقدر مرارتها لها حلاوتها، وهي ليست على حال بلْ دائمًا في تغيير مُستمر ومعها أيضًا الإنسان يتغير، كونهُ يكتسب ويُكسب، يتأثر ويُؤثر، سواء على نفسهِ أو على غيرهِ. والحياة أيضا كما نعلمها هي أثنين (هو وهي) يتشاركانها ويعيشانها معًا بحلوّها ومرّها، أثنىن يكملان كل واحدٍ منهما الآخر، وضروري جدًا أن يكون كلاهما على توافق وانسجام وتفاهم ومحبة وتأقلم، باستثناء أي شيء آخر، كفرق المستويات المادية والثقافية.

الشهادة الدراسية والحياة:

الشهادة نعم مهمة، ولكن هنالك من يعطيها أهمية قصوى في تحديد المصير! كمصير ارتباط أثنين، فهناك من يرى أن ارتباط شاب بفتاة تحمل شهادة جامعية لا يمتلك سوى شهادة المرحلة المتوسطة مثلاً، أمرٌ صعبٌ وغير مقبول، وهناك بالعكس من يُرحب بالفكرةِ ولا يرى فيها أي إشكال، وما بين هذين الفكرين تتباين الآراء وتتوسع المُناقشات فيما إذا كانا مُتناسبين أو مُتناقضين، وفيما إذا كان هنالك مشاكل ربما قد تتولد بينهما مُستقبلا!

المشاكل موجودة لا محال، ولكن بالنهاية تبقى مُتوقفة على فكر وإدراك كل واحدٍ. هناك من يتدارك الموقف أو المشكلة قبل أن تتفاقم، وهناك من يهدم حياتهِ وأسرتهِ بسبب عدم استيعابه للمشكلة القائمة حينها! بمعنى الشهادة ليست عائقًا وليس لها ذاك الأثر الجوهري والأساسي الذي من الممكن أن يُعطى لها أكثر من حياة شخصين!

والواقع يُطلعنْا على الكثير من المُتعلمين ومن حملة الشهادات، ولكن ليس لهم بها من التعليم ألا أسمهِ، ومن الشهادة ألا الورقة المعلقة على الحائط والدرجة المدونة عليها! فمثلا تجد شخصًا لم يتحصل ألا على الشهادة الابتدائية ولكن تجد مجلسهُ وحواراتهِ وأسلوبهُ مع الآخرين، يدل على عمق ثقافة وجمال أسلوب في الكلام والإلقاء والاحترام والتعامل. وبالمقابل أيضًا هناك الكثير من حملة الشهادات، ولكن في واقع الحياة وفي التعامل مع غيرهم تجدهم لا يملكون من جمالية الحوار والتصرف تلك النسبة التي من المُمكن أن تُساهم في تدارك المُشكلة وتُساهم في تقليل حجمها!

فالثقافة متى تكون بكامل جوهرها؟! تكون عندما ما يحمله الإنسان من علمًا وعبرات وتجارب وخبرات لا تُمتلك ولا تُكتسب فقط بالشهادات، بلْ معها وأيضًا بالرغبة الداخلية النابعة من داخل الإنسان بقيمة الحياة والآخر. والمستوى التعليمي أهميتهِ إضافة إلى كونهِ مصدر للمعيشة، تكمنْ حينما نُسخره من أجل العيش بسلام وسكنية وتقدير للآخر والتكافؤ معهُ، وهذا في النهاية يبقى مُتوقف على طبيعة وفطرة الفرد.

والاختلاف في المستوى العلمي بين أي اثنين لا يجوز أن يعطى لها تلك الأهمية المؤثرة، بقدر وجود الاحترام والتفاهم والتعاطف والانسجام وفن التعامل وتقبل الآخر والتكامل معهُ، بغض النظر عن الجانب المادي، الآخر الذي يُبرز دورهُ أحيانًا في الكثير من العلاقات ويأخذ حيزه في الكثير من القرارات! فالمال والشهادة العلمية ضروريان، ولكن ليس عائقان في استمرارية العلاقات، لأن في النهاية الارتباط بين أي اثنين هو ترابط اجتماعي وليس علمي!

ويبقى التعليم بالدرجة الأساس، هو مجموع ما يتحصلهُ الفرد من علوم ومعرفة وفنْ التعامل ومهارات عديدة في مواقف ومحطات الحياة وخبرات الناس وتجاربهم، وتبقى الحياة هي المدرسة الكبرى التي تعلم الفرد مُختلف الفنون والمهارات والثقافات والتطلع على مُختلف الأفكار، لأن ما نتعلمهُ من المدارس وكتبها هو آتيًا من الحياة ومن خبرات أناس كثيرين عاشوا الحياة على مرّ العصور، كالقدماء من الحكماء والفلاسفة والأجداد، الذين لهم حكم وخبرات لم يتعلموها من المدارس ولم يقرؤوها في الكتب، بلْ استقوها وتعلموها من خبراتهم وخبرات الغير وممارساتهم في الحياة!

فالرجل والمرأة مكملان كتكامل (المدرسة والحياة) والإنسان لابد من أن يدرك هذا ويُمارسهُ في حياتهِ بالعدل والحق. فلا المال ولا الشهادة هي من تتوقف استمرارية الحياة عليها، ولا تحقق السعادة والتآلف بين أي أثنين، والحياة تكون جميلة بين أثنين عندما يعيشانها بمحبة وسعادة وتفاهم وتكامل وبدون مشاكل وببعض التنازلات، واحدٌ يفهم الآخر وقريب من فكره ويفهم ميولهِ.

سهى بطرس قوجا

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *